مقالات سياسية

حمي المحاصصة تربك المشهد السياسي!

الفترة الانتقالية في مهب الريح.!!

ما يقودنا للحديث عن ارتباك المشهد السياسي، هو بالدرجة الاولي، تغريد بعضً مكونات قحت، خارج السرب!! بعضها ينادي جهراً بالحصول علي مقاعد وزارية (حزب الموءتمر السوداني) والبعض ( الجبهة الثورية) يطالب بالصوت العالي بنِسَب كبيرة من كراسي ولاة الولايات ومجلسي الوزراء والسيادة والمجلس التشريعي. وما “يزيد الطين بلة”، مطالبة حزب الامةً (خارج قحت) بنصيب الأسد من مقاعد ولاة الولايات استناداً علي نتيجة انتخابات قامت قبل ٣٤ عاماً!!.

خطورة هذا الاتجاه نحو المحاصصة المحمومة، انه يفتح باباً ستأتي منه رياح لا تبقي ولا تذر! واذا أردنا لهذا الباب ان يظل مشرعاً فلتتحمل القوي المنادية بالمحاصصة، مسوءلية ارباك المشهد السياسي والفشل الحتمي في إكمال مستحقات المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي.

هذا الوضع غير المريح يحدث رغم عدم وجود اي معايير او مبررات منطقية لتقسيم مقاعد السلطة الانتقالية بين الكيانات السياسية. ومن المؤسف ان يحدث هذا السلوك من قبل كيانات سياسية كان من الموءمل ان تتعاون فيما بينها، لاستكمال استحقاقات الفترة الانتقالية.

ان التكالب علي المناصب سيقود البلاد الي ما لا تحمد عقباه، بما في ذلك عودة الدكتاتورية بحجة فشل الفرقاء السياسيين المدنيين وحركات الكفاح المسلح في إدارة شؤون المرحلة الانتقالية!

بهذه النتيجة الكارثية تكون دماء الشهداء قد ضاعت سديً وتبقي البلاد في مهب الريح… ًونكون قد أضعنا ما توصلنا اليه عبر ثورة شهد وأنحني لها العالم بأسره!!

نقول ذلك، ليس قدحاً في وطنية او نزاهة حزب الوءتمر السوداني الذي بذل قادته جهداً مقدراً لانجاح ثورة ديسمبر، وبالطبع ليس انكاراً او تقليلاً من دور وتضحيات حركات الكفاح المسلح المناضلة، وهو كذلك ليس منقصةً للدور الإيجابي دوماً لشباب حزب الامةً.

ما نعنيه وما تسانده الكثير من الاّراء المطروحة بكثافة في هذة الأيام في وسائل الاعلام، وعلي منصات التواصل الاجتماعي وعلي نطاق المجتمع السوداني العريض، هو الحرص علي تفادي المطبات التي يواجهها الوضع السياسي في بلادنا، خاصة خلال هذة المرحلة المفصلية للتحول الديمقراطي.

لقد وضح جلياً للعيان، بان المتربصين بثورة ديسمبر العظيمة، يسعون بكل السبل، لاعاقة مسار التحول الديمقراطي في السودان. لذلك سيفرحون ايما فرح لتشتت مكونات قوي الحرية والتغيير؛ لان ذلك يعتبر اهم اهدافهم لاجهاض الثورة،
وفعلاً بدات قحت تتفتت بخروج حزب الامةً وابتعاد حزب الموءتمر السوداني عن اتفاقات الوثيقة الدستورية وتشرزم الجبهة الثورية حول مطالبات عالية السقف بمقاعد السلطة الانتقالية.
كل ذلك يفضي الي بلوغ أعداء الثورة غاياتهم اكثر من بلوغ قوي الثورة استحقاقاتها. ذلك يتم وجماهير الثورة تنتظر تحقيق مطالب مليونية ٣٠ يونيو ٢٠٢٠!! بالبلدي يحق القول: “الناس في شنو والحسانية في شنو”، والحسانية هم بالتأكيد، نخب الكيانات السياسية والجبهة الثورية. بما فيها شخص يدعي تمثيل
“مسار الوسط.” ويطالب هو ايضاً بإلحاح غير مسبوق بمقاعد في السلطة الانتقالية!! ولا احد يدري من الذي فوض هذا الشخص ليتحدث باسم “الوسط”! والإعجاب اننا لا ندري ما هو الوسط اصلاً، وماهي قضيته في طاولة تفاوض السلام! هذا بلا شك اضافة اخري لارباك المشهد السياسي.

في هذا الوقت الحرج من عمر الفترة الانتقالية، بدلاً من ان يتركز الجدل حول وضع وتجويد برنامج إسعافي شامل للفترة المتتبقية من الثلاثة سنوات، وتكريس الجهد لإنجاز مستحقات الثورة، يتم التكالب المحموم علي مقاعد السلطة!! لا شك ان هذا امر موءسف وضار الي ابعد الحدود!

بدلاً من المحاصصة المحمومة، قد يكون من الأشرف والأفضل ان تتقدم الكيانات السياسية المتكالبة علي مقاعد السلطة، بطلبات لقروض من الجهاز المصرفي لكي تتمكن من تصريف امورها الي حين حصولها علي مقاعد عبر صناديق الانتخابات!
لا نقول ذلك من باب الهزل او الاستخفاف، بل لعلمنا بالظروف الاقتصادية الصعبة التي لا تستثني الاحزاب والكيانات السياسية الاخري!

حرصاً علي استكمال التحول الديمقراطي المنشود، يجب ان يترك توزيع مقاعد السلطة الانتقالية لما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية، وان بترك التقويم والنقد لأروقة المجلس التشريعي.

اي محاولة لتبرير المحاصصة في الفترة الانتقالية امر مردود ولا يسنده منطق. وحتماً اذا فتحنا هذا الباب فإننا نحتاج لمجلس وزراء مكون مما يفوق الثمانين وزيراً علي الاقل، ووالي لكل مدينة ومجلس تشريعي مكون من الاف الأعضاء، لارضاء كل الاحزاب الساعية للاستوزار وتولي المناصب! ذلك امر غير مقبول، ليس فقط من الناحية السياسية والاقتصادية وحسب ، بل من الناحية الصحية التي تتطلب التباعد الاجتماعي في ظروف جائحة الكرونة!

ان التواضع علي ما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية امر ضروري لتفادي ما يزيد الساحة السياسية ارباكاً ويفاقم أزمات البلاد. بخلاف ذلك لا أمل في الافق، غير مليونيات لجان المقاومة لتنتشل البلاد من وحلها وفشلها ، ليس بهدف تصحيح المسار هذة المرة، بل لكي تزيح نخب الاحزاب والكيانات السياسية كلها وتتولي قيادة السفينة الي رحاب التحول الديمقراطي المنشود.

كل يوم يمر يتأكد لنا اكثر فاكثر بان لجان المقاومة، هي الأكثر حرصاً وتاهيلاً لقيادة الفترة الانتقالية وليس النخب المتكالبة علي الكراسي والتي أدمنت الفشل منذ اكثر من ستة عقود.
معذرةً للتعبير الخشن وغير المتفائل !

اللهم اكفنا شر الباب الذي تأتي منه ريح الشقاق وضيق الصدر وعدم الصبر. واعنا يا ربنا علي إكمال استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة، ولا تدع دماء شهدائنا الابرار تضيع سديً. انك سميع مجيب.

د. الحسن النذير
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..