البنوك؟ هل من الممكن أن نعيد الجهاز المصرفي لمواكبة البنوك الخارجية؟
عثمان محمد الحسن نصر

بسم الله الرحمن الرحيم
الذي دفعني للكتابة عن البنوك كافة والبنك المر كزي ما أثاره الأستاذ ياسر عرمان في أحد أعداد جريدة الراكوبة وهذا نصه:
إن قرار إعادة تشكيل مجلس إدارة بنك السودان المركزي والذي يسمح بموجبه للمحافظ ونائبه بشغل منصبي الرئيس والنائب (معيب) ، وأن يسمح القانون بذلك القرار معيب وان سمح القانون بذلك فهو قرار معيب لان مجلس الإدارة يشرف ويراقب البنك ومحافظه وهناك تضارب مصالح في القرار أيضا ).
حديث الأستاذ يقودنا الي الحديث عن بنك السودان المركزي في الفترة السابقة وطبعا كان تابعا للقصر الجمهوري والذي أفقده كلمة بنك مركزي لأنه مهما احتاجت الدولة الي التزامات لجأت للبنك المركزي للتمويل بالعجز لسد تلك الفجوة أو سداد فجوات الميزانية في تلك السنوات زائدا الإسراف في الإنفاق في الأشياء الاخري ، وأكثر الإنفاق كان بالنسبة للأجهزة الأمنية ، أما الآن تغير الوضع ولابد من إيجاد بنك مركزي مستقلا ومسئولا عن السياسة النقدية واستقرار الأسعار ويعمل في توجهات السياسة المالية لوزارة المالية ومحاربة التضخم واستقرار الوضع الاقتصادي في البلاد ولذلك سوف نتحدث عن النقاط التالية أدناه حتي نعيد للجهاز المصرفي دوره في معافاة الاقتصاد السوداني :-
- 1. استقلالية البنك المركزي السوداني:
لكي نحرر بنك السودان المركزي لابد من تغيير التشريعات المصرفية الخاصة بقانون البنك المركزي حتي تتنافس مع البنوك الدولية والعالمية الأخري في الاستقلالية والشفافية , نكون منحنا البنك المركزي السوداني استقلالا تاما ويكون مفهوم الاستقلالية (تعني استقلالية بنك السودان المركزي ، أي أن المصرف يجب أن يكون منوطا وحده بالعمل علي حماية قيمة النقد تحقيق استقرار الأسعار ، وأن يكون بالتالي مستقلا عن الدولة في إدارة السياسة النقدية وذلك حرصا علي إبعاد السياسة النقدية عن المصالح الضيقة لأعضاء الحكومة بالإضافة الي عنصري الشفافية والمصداقية).
بعد تعديل قانون بنك السودان المركزي ايضا يصبح البنك المركزي مواكبا التطورات التي تحدث في البنوك المركزية الدولية والعالمية كما أن الاستقلالية
تمكنه مقابلة كل المؤسسات العالمية باستقلالية تامة ولابد لهذا البنك المركزي
1
الجديد من أن يتم تعيين المسئولين فيه من السودانيين الأكفاء وذو المميزات العالية في المجال المصرفي وأن يتمتع بالشخصيات القومية من الأمانة والشفافية والمصداقية.
- التراخيص التي منحت للبنوك التجارية في الثلاثون عاما الماضية من قبل البنك المركزي . هناك بنوك منحت تصاديق للعمل في المجال المصرفي ليس لديها مقدرة مالية وغير مستوفية الشروط وليس لديها خبرة في هذا المجال كالاتحادات ، مثلا اتحاد المزارعين واتحاد العمال والاتحاد التعاوني ،وهناك شركات ، الشركة الأولي كانت في مجال الصادر والتسويق المحلي ومؤسسة إنتاج وتسويق الماشية ، والشركة الثانية كانت تخص القوات المسلحة وهي شركة كوبتريد تم تحويلها إلي بنك أم درمان الوطني ، طبعا تغير الغرض الذي تعمل فيه وأصبحت تتاجر في سلعة النقود وحسب تعريف سلعة النقود انها (سلعة نادرة)، والنقد كما نعلم تأثيره مباشر علي الاقتصاد ، وتلك البنوك الممنوحة لتلك الاتحادات والشركات هي كالآتي : –
أ) اتحاد المزارعين بنك المزارع + البنك التجاري السوداني
ب) الاتحاد التعاوني بنك النيل
ج) مؤسسة إنتاج وتسويق الماشية. بنك الثروة الحيوانية
د) شركة كوبتريد بنك ام درمان الوطني
بالإضافة إلي أن هذه البنوك الضعيفة تقوم بعمل الائتمان والتمويل بكافة أشكاله والأعمال المصرفية الاخري مما نتج عنه مايسمونه بالتعثر الذي فقد قيمته بالتقادم وسوء الإدارة من مجلس الإدارة وغيرهم من التنفيذيين . سوف نتحدث عن النقاط أعلاه بقليل من التفصيل، ولقد أخذنا هذه البنوك الأربعة كعينات عشوائية للتوضيح :-
(أ) اتحاد المزارعين :-
تم التصديق من قبل البنك المركزي لاتحاد المزارعين بعمل مصرف المزارع وفي أثناء ذلك منح لهم البنك التجاري السوداني الذي كان في في يوم من الأيام واحد من أربعة بنوك في السودان حتي سنة 1989 وهو أول مؤسسة وطنية أنشئت من قبل الرأسمالية السودانية . تأسس البنك التجاري السوداني في عام 1959 ونلاحظ عندما تم بيعه كان يمتلك ثلث أسهم اليوباف الفرنسي وليس به مديونيات بل بالعكس كانت له ودائع ثابتة بالدولار وحسابات جارية بالدولار ولدية شبكة كبيرة من المراسلين ، علي العموم تم بيع هذه المؤسسة التاريخية والوطنية الي مؤسسة لا تملك غير اسم البنك “بنك المزارع” بمبلغ 1.250.000 جنية سوداني (فقط مليون ومائتان وخمسون ألف جنيها لاغير) لاتحاد المزارعين الذي قام بوضع يده علي البنك وقام بدفع قيمة البنك التجاري السوداني من حساب البنك التجاري السوداني نفسه ودفع قيمة تأسيس بنك المزارع والرئاسة والفرع الرئيسي من حسابات البنك التجاري السوداني ، هذا يعني ان قيمة البنك التجاري خصمت علي البنك التجاري نفسه ولم يكتفوا بذلك بل تم تأسيس الرئاسة والفرع الرئيسي لبنك المزارع من حسابات البنك التجاري ؟؟.
رغم كل ذلك انهار بنك المزارع وتعثر وذلك بسبب سوء الإدارة والإسراف في الإنفاق مما جعل بنك المزارع يلجأ لعملية الدمج، و لقد هذا لدخول صندوق التأمينات الاجتماعية وصندوق المعاشات وشراء أسهم بنك المزارع الحالي وأصبح لهم أكبر الأسهم بالبنك ولا يفوتنا ان نذكر ان صندوق المعاشات والضمان الاجتماعي هما جهات حكومية وهذا البنك تمت خصخصته من قبل الحكومة، وهذا يقودنا الي سؤال ، هل يمكن للدولة أن تخصخص بنك وترجع لتساهم فيه بأكبر أسهم ؟ بل رئيس مجلس الادارة من هذه الصناديق والله المستعان ؟ والسؤال الثاني من هو صاحب الأموال الحكومية ؟ وحسب علمي كما سبق هذه الحسابات لما بها من سيولة كبيرة تحفظ في بنك السودان وتكون خاضعة للحكومة أي وزارة المالية وهنا لا بد من ان ننوه ان حسابات الحكومة لابد ان ترجع هذه الحسابات الي البنك المركزي ليتمكن بدوره من إدارة الكتلة النقدية ومتابعة استقرار الأسعار. وحتي لو تم اصدار هذه الصنادبق بقانون لابد من ان تكون مشروطة بالعمل في مجال التنمية الاقتصادية ، وللأسف فقد ساهم صندوق المعاشات والصندوق القومي بأكثر من مساهمة في البنوك التجارية .
(ب) الحالة الثانية:
بنك النيل مثلا ، كان الاتحاد التعاوني يخدم في مجال المواد الاستهلاكية أي كان يعمل في مجال احتياجات المواطن البسيط ، تحول مجال عمله فجأة الي بنك يتاجر في النقود، وتمكن أصحاب البنك من استخدام ودائع العملاء في التمويل ونتج عن ذلك ” التعثر ” التعثر القائم في كل البنوك هو عبارة عن المديونيات التي لم تسدد من قبل العملاء والعمليات الأخري ” وجعلها ضعيفة غير قادرة علي المضي قدما.
(ج) الحالة الثالثة:
كانت شركة إنتاج وتسويق الماشية تعمل في مجال الصادر والسوق المحلي وكانت لها جدوي اقتصادية وتم تحويلها الي بنك الثروة الحيوانية ، فهل شركة انتاج وتسويق الماشية مستوفية شروط الترخيص حتي تتحول الي بنك ، وعلي الأقل هل لها جدوي اقتصادية؟ وفي النهاية عرض البنك للبيع بعد أن ساهم في تدمير العمل المصرفي ولم يجد مشتر والله اعلم.
(د) الحالة الرابعة:
شركة كوبتريد ليس لديها القدرة المالية وغير مستوفية لشروط العمل بالمجال المصرفي وليس لها الخبرة في العمل المصرفي وعليها تم إنشاء بتك امدرمان الوطني وصار يعمل في مشاريع كبيرة جدا وهذا أيضا أنتج نوع من التعثر ولذلك لابد من مراجعة تراخيص البنوك التجارية في الفترة السابقة و أن يتم التحقيق فيها.
(3) التعثر : هو عبارة عن الديون المشكوك في تحصيلها والديون الهالكة وهذا ناتج عن سوء الإدارة المالية في منح التمويل المصرفي لمؤسسات ليس لها ضمانات غير كافية وقدراتها المالية ضعيفة ، بالاضافة الي التجاوزات من قبل الإدارة بالبنك ولذلك لابد من مراجعة تلك النقطة عن طريق لجان التحقيق ولابد من إعادة تقييم تلك الديون حتي تتم معالجتها إذا كان ذلك ممكنا.
(5) البنوك التي تمت خصخصتها:- لابد من عمل لجان تحقيق في تلك البنوك وهي البنك التجاري السوداني ، وبنك الخرطوم ، وبنك الوحدة والبنك العقاري لأن هذه البنوك كانت في حالة مالية جيدة ولها من الأصول الجارية والثابتة مايكفي أن نقول أن تلك المؤسسات لها قدرة مالية تمكنها من الاستمرار كمؤسسات مالية ناجحة .
(6) البنوك المتخصصة:- البنك الزراعي والبنك الصناعي ، الأول يعمل في مجال تنمية الزراعة والمشاريع الزراعية والمزارع ، ولأن بنك السودان درج في بعض الأحيان بتعيين مدراء عموميون لا علاقة لهم بالعمل المصرفي أضروا بالبنك وأصبح البنك بحاجة الي لجان تحقيق للمراجعة لكي تتمكن الدولة من إعادة هيكلته من جديد.
ثانيا – البنك الصناعي : والذي حدث في البنك الزراعي حدث في هذا البنك الذي أصبح أيضا في حاجة إلي مراجعة وإعادة هيكلة عن طريق لجان التحقيق.
ثالثا- البنك العقاري : تمت خصخصته ولا أدري لماذا تمت خصخصته فدوره تنموي وهو الآن تقريبا بنك تجاري عادي. لكي نعيد لهذه البنوك دورها في التنمية علينا إرجاعها لتعمل في مجالها وإلغاء العمل كبنوك تجارية.
(7) الصرافات :- لا بد من مراجعة تراخيص عمل الصرافات وهل هي مستوفية الشروط لشروط الترخيص ولها مقدرة مالية لتعمل في مجال الصيرفة، وتعمل بمنشورات البنك المركزي ولا توجد تجاوزات؟
(8) الشركات المملوكة بواسطة البنوك . طبعا البنوك لا تعمل في المجال التجاري وغير مسموح لأي بنك يالعمل في المجال التجاري فلجأت البنوك لإنشاء شركات لتمارس العمل التجاري أو أي عمل آخر من خلال تلك الشركات، وهذا طبعا عمل فية تجاوز واضح من البنوك التجارية ويجب تصفية تلك الشركات فورا وضم أصولها الثابتة السائلة إلي البنك الأم مع تصفيتها تصفية تامة.
يلاحظ أن الجهاز المصرفي في السودان به حوالي ستة وثلاثون بنكا وهذا العدد يعتبر عددا ضخما لاحتياجات السودان ، وهل السوق في السودان تحتاج الي عدد مثل هذا؟ ، اضافة الي أن المؤسسات المصرفية أنفة الذكر تمنح الائتمان بصور متعددة جدا وتقدم خدمة الائتمان بصورة غير منتظمة ، ولا تقوم بواجبها كما يجب ، وتفتقر للرؤية الواضحة في اداء وظيفة الائتمان (ونتج عن ذلك الديون المتعثرة بمبالغ كبيرة ، وليس هذا فحسب بل أن معظم المؤسسات المصرفية التي أنشئت حديثا كانت صغيرة الحجم نسبيا ولا يمكن ان يعول عليها لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية ، كما لا يمكنها من مواجهة الطواريء وبالتالي تمثل عبئا علي البنك المركزي وعلي سبيل المثال ( بنك نيما) وبنك الصفا ، وهذا يستتبع بالضرورة تضاؤل فرص التعاون بالمؤسسات المصرفية لتلبية احتياجات الائتمان ومركزية المخاطر ، اضافة الي زيادة التكاليف الادارية وغيرها من التكاليف الأخري .
تتطلب المصارف روؤس أموال مناسبة وادارة ذات مستوي عالي من الكفاءة والخبرة والدراية التي لا يمكن أن تتوفر في المصارف الصغيرة لكي تتحول من مصارف تقليدية الي مصارف حديثة.
أخيرا لا بد من العمل بالنقاط التي ذكرناها في هذا المقال حتي نتمكن من تأسيس بنك مركزي مستقلا استقلالا كاملا كما تم وصفه سابقا لتصفية البنوك التجارية التي كان الغرض منها سياسية التمكين علي حساب الاقتصاد السوداني , نكرر لابد من عمل لجان تحقيق في عمل البنوك التجارية و البنك المركزي والبنوك المتخصصة، وتكون هذه اللجان تابعة للجنة إزالة التمكين.
وشــــــكــــــــرا ،،،،،،،
عثمان محمد الحسن نصر
مصرفي سابق
[email protected]
5