مقالات متنوعة

رحل القلب الشفيف

ابراهيم بخيت

الى صديقى عز الدين هلالى فى ذكرى اربعينية رحيله
ايستمر الحزن امديا ام طويلا أم لحظيا أم بكل ما تتسع به ساعات الايام. أنا حزنى لم يصنف او يدرج على هذه المواقيت. اظنه حزن مخالف للطبيعة، وقد اعيانى باحساس يتملكنى ولا استطيع جمحه اوإجماحه او كتمه او تناسبه او اغفاله او الهروب منه بكل الوسائل. إنه احساس المشاعر الدافقة للوجود الحياتى وألم الفقد السرمدى لمن التصقت روحى به، وإاتلفت وجدانى به و تصارعت وإإتلفت مشاعرنا ورؤيانا ورؤاُنا على الذى نريده لهذا الوطن العالى.

نعم مرت علينا سنوات من عدم التلاقى الجسدى لم استقبله فيها بالاحضان وكذلك هو. وهى سنوات سوداء من تاريخ السودان مرت بكل بلاويها.

ولكنه عز الدين هلالى عاد ولم يك عوده سمبلة فهو لم يك شاعراً حبيس الرومانسية رغم ما تتبدى على تقاسيمه غصباً، ولم يك عزالدين عاطفيا لدرجة تخطى حدود العاطفة، لم يك عزالدين ممن يستهونون تضاريس الحياة فيعبرها مغمضاً، وعزالدين لما ينظر لوضعه وللحياة حوله لا ينغمس فى ذاته ولا يترك الحياة لتأخذه لما لا يشتهى ولا يريد للحياة ان تكون.

لقد اختار عزالدين مبكراً مواضع قدميه فى دروب هذه التضاريس المتنوعة المنسجمة والمتنافرة حفظها هضمها كلها ومن هذه الحقيقة تكَون عزالدين مثقفا فطناً عرف هموم وطنه معايشا لا متعايشا فكان قلمه لا يبتذل الحروف ولا الجمل ولا يرفرف حول المعانى، يكتب بحد السكين بقناعة حق المساكين فى الحياة المطمئنة من غوائل الحاجة وغيلان البطش بهم، وقد اكد ذلك جسديا حين كان يطيب له المقام وسط البسطاء المعتصمون على تخوم القيادة العامة.

كان عزالدين نموذجاً لتكامل جينات المثقف السودانى، عرف درب الفنون بعمومها وادرك دورها وموقعها فى سلم الرقى الانسانى، اختار ان يكون من زمرة الممثلين بالحب والمسرحيين بالتعلم والعلم، فصار مَعلماً ومُعلماً، نظم الشعر كما ينبغى ان يكون الشعر معبراً عن لواعج النفس المفطومة على حب الخير للناس كل الناس بلا هوية او ايدولوجية فكان من اوائل من تخطواعتبات الجدل العقيم فى باب ساسة يسوس وكان له ان يجد مكاناً بين ارزقيه المناصب ولكنه عف عن كل ما يحيد به عن قناعاته التى اختارها. فاختار ان يغترب بجسده سنينا عددا ليعود ويساهم فى اثراء الحياة التقافية ويباشر الفعل الثورى حين انضم لحداة التغيير،
ويكتب
يا بلادي
بالمبادىء الفينا خالدة
اسمعيني وكوني شاهدة
انت والبت البريدة
حاجة واحدة
ويا بلادي
ويا اصيلة

وانت يا رفيق درب الاحاسيس النقية والمشاعر المتجاوزة للهموم الشخصية المؤقتة. كنا نرتجيك عونا فى تعاريج عهدنا الجديد زميلنا عزالدين. ولكنه الفراق المحتوم يا مبذول النفس والعطاء لحب الوطن وحب الانسان والانسانية . إنه الفراق الذى لانستطيع صده ولا يستطيع غيرنا أن يتأكده او يتناسناها أو يتجاهله أو ينفيه أويمنعه.

إنها إرادة الاقدار وحكم الزمن. أنعيك يا ابيض النفس والنفس والسروالسيرة والسريرة والثوب، وأنت اكثر صبرا على فقرنا الفكرى وعجلتنا المتعجلة للمأمول لعزة شعبنا. اذكرك هلالى واظن انك هلالا فى عليائك فارجو ان تنير دروبنا عندما نلتقيك فى عالمك الابدى, حزنى الشخصى عليك لا ادرى مداه ولكنه يمور عاصفا. لك الرحمة بقدر ما ابديت من جليل اعمالك للوطن.

ابراهيم بخيت
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..