مقالات سياسية

الخمور بين القانون والأخلاق (3)

النور حمد

ذكرت في العمود السابق، أن الفقهاء صنفان: صنف متشدِّد وآخرٌ معتدل. يميل الصنف المتشدد إلى العنت، والمعتدل إلى اليسر. يضاف إلى ذلك، أن روايات الأحاديث النبوية والوقائع التاريخية الإسلامية، يقع فيها الاختلاف. وقد يجد المرء حديثًا مرويًا بعدة صيغ، أو رواية لحادثة بعدة صيغ، تخلق اقدرًا من الاختلاف في المضمون. وسوف أورد نماذج لهذا في ذيل هذا المكتوب. أيضًا، من المعروف تاريخيًا والموثق، أن جمع الأحاديث جرى بعد أكثر من قرنٍ من بداية التاريخ الهجري. لذلك، فإن درجة الموثوقية العالية التي يمنحها المشتغلون بالفقه للأحاديث، ليست بالتماسك كما يظنون، ويظن كثيرون. وقد كثرت في الفترة الأخيرة الآراء الداعية إلى أخذ روايات الأحاديث بحذرٍ شديد، خاصة حين تتعارض مع نصوص القرآن، ومع المعقولية اللائقة بدينٍ رباني. وقد ذهب البعض إلى ضرورة الاستناد إلى القرآن بوصفه النص الأوثق، الذي ينبغي أن يكون المرتكز النهائي، حين تستشكل الأمور. وعمومًا، فإن العصر الذي جرى فيه تدوين الأحاديث لم يكن عصر تقوى، كصدر الإسلام، وإنما كان عصر ملك عضوض، أصبحت أهواء السياسة حاضرةٌ فيه بشدة.

أكثر من ذلك، يورد بعض الباحثين أن هناك أحاديث صحيحةً تنهى عن كتابة أحاديث النبيّ، مطلقًا. فقد روى أحمد، ومسلم، والدارِميّ، والترمذيّ، والنسائيّ، عن أبي سعيد الخدريّ، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: “لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن، فمَنْ كتب عنّي شيئاً غير القرآن فليمحه”. الشاهد، أن الظن بأن الأحكام المستنبطة من جانب الفقهاء هي أحكامٌ نهائية غير قابلة للمراجعة، أبدًا، ظنٌّ غير صحيح.

من أمثلة الروايات المختلفة للأمر الواحد، ما رواه أبو موسى الأشعري من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو ومعاذًا إلى اليمن. قال أبو موسى: قلنا يا رسول الله إن بها (أي اليمن)، شرابين يُصنعان من البر والشعير، أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع، فما نشرب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اشربا ولا تسكرا”. أما الرواية المغايرة فقد ورد فيها أن النبي قال لهما: “اشربا، ولا تشربا مُسكرا”. فرواية “اشربا ولا تسكرا”، أباحت لهما الشرب بشرط ألا يسكرا. أما الرواية الثانية فتقول: اشربا ولا تشربا مسكرا” وفي هذه غرابة. لأن السائلين ما سألا إلا لأنهما يعلمان أن هذين الشرابين مسكرين. ولذلك، كان رد النبي الكريم، “اشربا ولا تسكرا”. فهذه الرواية أكثر تماسكًا من الأخرى التي قالت: “اشربا ولا تشربا مسكرا”. فهما لم يسألا عن مطلق شراب، وإنما سألا تحديدًا عن شرابين، مسكرين، باسميهما.

أيضًا، من الأدلة على أن العقوبة إنما تنصب على السكر، ما جاء في سنن البيهقي من: “أن رجلا أتى سطيحةً لعمر، فشرب منها فسكر، فأتي به عمر فاعتذر إليه، وقال: “إنما شربت من سطيحتك”، (أي من نفس وعائك). فقال عمر: “إنما أضربك على السكر”، وضربه عمر.” حاول هذا الرجل أن يُعفى من العقوبة لكونه قد شرب من نفس الشراب الذي يشرب منه عمر. فرد عليه عمر بأن السبب في معاقبته ليس مجرد الشرب، وإنما السكر. وهذا واضح جدًا في قول عمر: “إنما أضربك على السكر”. واجبنا اليوم أن نجتهد، لا أن نستسلم كليًّا للأقدمين. (يتواصل)

النور حمد
صحيفة التيار 18 يوليو 2020

‫2 تعليقات

  1. يقول تعالى في سورة النساء الآية 43 (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا۟ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا۟ مَآءًۭ فَتَيَمَّمُوا۟ صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) صدق الله العظيم.
    يقول ابن عاشور في تفسيره: هَذِهِ الآيَةُ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ حُكْمَيْنِ يَتَعَلَّقانِ بِالصَّلاةِ، دَعا إلى نُزُولِها عَقِبَ الآياتِ الماضِيَةِ أنَّهُ آنَ الأوانُ لِتَشْرِيعِ هَذا الحُكْمِ في الخَمْرِ حِينَئِذٍ، وإلى قَرْنِهِ بِحُكْمٍ مُقَرَّرٍ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلاةِ أيْضًا، ويَظْهَرُ أنَّ سَبَبَ نُزُولِها طَرَأ في أثْناءِ نُزُولِ الآياتِ الَّتِي قَبْلَها والَّتِي بَعْدَها، فَوَقَعَتْ في مَوْقِعِ وقْتِ نُزُولِها وجاءَتْ كالمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ تِلْكَ الآياتِ. تَضَمَّنَتْ حُكْمًا أوَّلَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلاةِ ابْتِداءً، وهو مَقْصُودٌ في ذاتِهِ أيْضًا بِحَسَبِ الغايَةِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ . وذَلِكَ أنَّ الخَمْرَ كانَتْ حَلالًا لَمْ يُحَرِّمْها اللَّهُ تَعالى، فَبَقِيَتْ عَلى الإباحَةِ الأصْلِيَّةِ، وفي المُسْلِمِينَ مَن يَشْرَبُها. ونَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ ومَنافِعُ لِلنّاسِ﴾ [البقرة: ٢١٩] في أوَّلِ مُدَّةِ الهِجْرَةِ. فَقالَ فَرِيقٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: نَحْنُ نَشْرَبُها لِمَنافِعِها لا لِإثْمِها، وقَدْ عَلِمُوا أنَّ المُرادَ مِنَ الإثْمِ الحَرَجُ والمَضَرَّةُ والمَفْسَدَةُ، وتِلْكَ الآيَةُ كانَتْ إيذانًا لَهم بِأنَّ الخَمْرَ يُوشِكُ أنْ تَكُونَ حَرامًا لِأنَّ ما يَشْتَمِلُ عَلى الإثْمِ مُتَّصِفٌ بِوَصْفٍ مُناسِبٍ لِلتَّحْرِيمِ، ولَكِنَّ اللَّهَ أبْقى إباحَتَها رَحْمَةً لَهم في مُعْتادِهِمْ، مَعَ تَهْيِئَةِ النُّفُوسِ إلى قَبُولِ تَحْرِيمِها، فَحَدَثَ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: صَنَعَ لَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعامًا فَدَعانا وسَقانا خَمْرًا وحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ونَحْنُ نَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ . قالَ أبُو عِيسى: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    وأقول والله أعلم إن هذه الآية أبقت على الإباحة الأصلية لشربها ولكن أشارت إلى إثمها وهو السكر الذي يتغلب على أي نفع للخمر وجُعِل هذا علة للتحريم اللاحق لهذه الآية في سورة المائدة الآية 90
    (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌۭ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم. فرجس الخمر هو في حالة السكر الذي ينتج عن الافراط في شربها والرجس هو عمل أو حالة ناتجة عن عمل الشيطان وعمل الشيطان في شارب الخمر هو إغراؤه بالافراط في شربها حد الثمالة والسكر وإلا فإن مجرد شرب الحمر لا يمنع من الصلاة لا بسبب الرجس أو النجاسة.
    وهنا يجب الانتباه إلى قاعدة فقهية قانونية وهي أن ارتكاب المعاصي أو الجرائم بلغة القانون بسبب السكر يعتبر هذا عاملاً مشدداً أو مغلظاً للعقوبة وليس مخففاً لها؛ أما مجرد شرب الخمر بحيث لا تويد نسبتها في الجسم عن الحد القانوني المسموح به.

  2. هذا زمانك يا مهازل فامرحي….والله لقد عجبت من هذا الجهل المطلق والعبث في دين الله. يا اخي هذا الدين كامل متكامل ولن ينال منه امثالك. ثم انظر الي قولك “و قد اورد بعض الباحثين” !!!! من هم الباحثين الذين استندت اليهم؟؟؟ خليك امين في الكتابة. ختامة الامر عاوز تشرب امشي اطفحها محل ما عايز ولكن ما تجي تفتي للناس في دين الله. جعفر نميري خلصنا من مرض ولا ينكر الا جاحد النعمة آلتي جنيناها من تخليص مجتماعتنا من تفكك للبيوت وادي للمجتمع، عاوزين نجوا تفسدوا ما أصلحه غيركم؟ الله المستعان عليكم ونفوض امرنا الي الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..