
ثقافة الاعتصامات التلقائيه التي انتشرت مؤخرا في كثير من الولايات السودانيه وكان ابرزها علي الاطلاق اعتصام نيرتتي بولاية وسط دارفور وماتلتها من اعتصامات في شمال درفور (كتم – فتابرنو – كبكابيه) وامتدت الي ولاية شرق دارفور (الضعين – ياسين) والوقفات الاحتجاجيه في جنوب دارفور (نيالا – كاس) .ان السمه البارزه لهذه الاعتصامات والوقفات الاحتجاجيه هي السلميه وهذا تحول كبير في نسبة الوعي الجماهيري في المطالبه بالحقوق خاصه في اقليم دارفور الذي عرف بالعنف خلال ال٣٠ عاما من حكم الانقاذ المباد. وهذا يعطينا مؤشر ان العنف ليس هو السمه الشائعه لاهل دارفور كما روج لها دعاة الفتنه في زمن الانقاذ الغابر.تلك الاعتصامات قاداتها هم في الغالب من الفئه العمريه مابين ١٨ – ٣٠ وهؤلاء هم الجيل الذي ولد في ظل الازمه ونشأوا وترعرعوا في ظل ظروف غايه من القساوة، وبيئه إستقطاب أثني وجهوي ومناطقي وحزبي غير مسبوق في التاريخ كل القراءات كانت تشير الي ان هذا الجيل سوف يكون جيلا عنيفا في تعاطيه مع محيطه ومع مايمكن ان يطرأ من مشكلات يصعب التعامل معها بمرونه خاصه ان اسباب ومسببات الاعتصام كانت فظيعه ومفجعه الي حد الانتقام.
إن التعامل الراقي والقدرة العاليه للشباب الاعتصام في إدارة الازمه والتحول الكبير في طرائق المطالبه بالحقوق كانت بمثابه الضربه القاضية التي قصمت ظهر دعاة الفتنه ومافيا المتاجرة بازمات البسطاء.
# الدور المغيب للادارة الاهليه:
عرفت الادارة الاهليه علي امتداد تاريخها الطويل انها صاحبة المبادرة في حل المنازعات التي تنشب بين مكونات المجتمعات المختلفه وهي الجهه الرادعه للمتفلتين الذين يمارسون النهب والسلب في خروج صارخ للقوانين العرفية المنظمه لحياة المجتمعات .الا ان الحكومات ومنذ العام ١٩٧٠ اضعفت وبشكل مقصود دور رجالات الادارة الاهليه وتجريدها من بعض سلطاتها.
فترك الامر للدوله ولكنها ولم تتمكن من بسط سلطاتها تعويضا للمواطن عن سلطات الادارة الاهلية المسلوبه.وفي ظل هذا الفراغ الاداري استشرت بعض الظواهر السالبه التي أثرت بشكل مباشر في تهتك نسيج المجتمع.وقياسا علي ذلك التدهور الذي قلل من دور رجل الادارة الاهليه فإن.تلك الاعتصامات اثبتت فشل الادارة الاهليه بكل ماتملك من قوانين واعراف متوارثه وعدم قدرتها علي التصدي للمشكلات اليوميه التي تواجه المزراع والراعي والتجار في حياتهم وعند ممارسه مهنهم في المزارع والبوادي والنجوع. وهنا تأتي الحاجه الي تطوير وتفعيل دور الاداره الاهليه حتي تواكب ضرورات المرحله وعدم اغفال التحولات الاجتماعيه الكبري التي طرأت حديثا وسن قوانين ووضع اعراف تتواثق عليها المجتمعات تكون راشده الي هدي السلام ومفارقه وكر الانزواء القبلي والجهوي دون رجعه.
# حركات الكفاح المسلح في فتيل:
لم تكن لغه الفتيل هي لغة التعاطي في الموضوعات ولكن اندياح الثورة جعلت من لغتها هي الاساس في التعاطي في مثل هكذا قضايا. فإعتصام نيرتتي وغيرها من الاعتصامات وضعت حركات الكفاح المسلح في فتيل وهي الان امام خيارات صعبه بحثا عن مخرج من هذا الموقف الذي وضعت فيه من قبل المعتصمين.
فقد اعطت تلك الاحتجاجات الحضاريه درسا بليغا لحركات الكفاح المسلح ،مفادها ان قواعد اللعبه قد تغيرت وماعاد حمل السلاح هو الوسيله المثلي لتحقيق المطالب وهي رساله للمتشككين من قادة الحركات المسلحه ان النظام الذي لايعرف التحاور الا بالسلاح كما هتف بذلك المخلوع: (قد اتينا بالسلاح ومن ارادها فليحمل السلاح والميدان هو الفيصل) تلك اللغه الان قد تغيرت تماما ، فهي دعوة مبطنه من المعتصمين للحركات التي مازالت تحمل السلاح بان لا سبيل للحل إلا بالحوار مع الحكومه وهم جزء منها بحكم المشاركة في صناعة ثورة التغيير التي جاءت بالحكومه الانتقاليه.
وهناك رسالة اخري للحركات من خلال هذه الاعتصامات مفادها انها لم تكن هي الجهة الوحيده التي يعول عليها في التغيير والتعبير عن تطلعات المواطن التي هي خرجت من أجله خاصه وانها غير قادرة علي ردع المتفلتين الذين أرقوا مضاجع الآمنين بالسلب والنهب وقطع الطرقات واغتصاب الحرائر وقتل الاطفال والنساء والشيوخ بقوة السلاح دون دارع.
# قضايا الهامش وغياب المركز بعد التغيير:
إن ثورة ديسمبر لم تكن كغيرها من الثورات من حيث المشاركه المجتمعيه من كل ولايات السودان واشتمالها علي قضايا وتطلعات المواطن السوداني مركزا وهامش علي السواء .فالشعار الجامع الذي عبرت عنه الثورة ( حرية _ سلام _ عداله ) وتعالت به حناجر الثوار لهي كانت كفيله بوحدة الوجدان وعكسها علي ارض الواقع قولاً وعملاً.
على الرغم من تشكيل الحكومة الانتقاليه في اغسطس من العام ٢٠١٩م ومرور اكثر من عشرة اشهر علي ميلادها الا ان أداءها دون الطموح خاصة في الولايات التي مازال يحكمها عناصر النظام البائد ولم يشعر المواطن بالتغيير رغم التضحيات الجسام التي دفعت ثمنا لذلك التغيير.
الاحداث المؤسفه في الريف الدارفوري وتنامي وتيرتها بشكل اعنف وتهاون لجان الامن وعدم استجابتها للبلاغات الجنائيه بالصوره المطلوبه هي التي دفعت ثوار نيرتتي وغيرها من المناطق الي لفت انتباه المركز بضرورة اجراء تغييرا ثوريا علي الارض وتأكيدا علي ان السودان ليس هو الخرطوم فقط.
# حقيقة إنقسام المجتمعات في دارفور:
من الطبيعي ان تكون هناك قضايا مجتمعيه لمكونات المناطق والمطالبه بحلها من قبل السلطات…ولكن اعتصام نيرتتي وفتابرنو ومطالبهما اظهرت انقسام تلك المجتمعات وصعوبه التعايش مع بعض مالم تحدث إجراءات علي الارض تحدث توافقا مجتمعيا يمكن جميع الاطراف من العيش معا كما كانوا يتعايشون في السابق.. استمع الوفد المركزي الي مكونين يمثلون مجتمعا واحدا وهو مجتمع نرتتي كان الاجدي ان تقدم المطالب الخاصه بانسان المنطقه في ورقه واحده ولكن الهوة الكبيره بين تلك المكونات واختلاف قضاياها حالت دون تقديمها موحدة.
اللجنه الامنيه التي زارت كتم وفتابرنو ايضا استمعت الي مكونين لسكان المنطقه وقد اسهمت تلك الجلسات المنفرده في تأجيج مشاعر بعض المكونات كانت نتيجتها اقتحام مقار الشرطه واعقبها فض اعتصام فتابرنو بالقوة المفرطه من عناصر مجهوله حسب رواية السلطات ،وقد وصف المعتصمين الجهات المعتديه بمليشيا الجنجويد.
#غياب دور منظمات المجتمع المدني:
هذه الظواهر المجتمعيه وتلك المطالب المشروعه هي قضايا يقع اختصاص معالجتها بالمناصفه بين الحكومات والمجتمعات فمايلي الحكومه هو بسط الامن وفرض هيبة الدوله وتقديم الخدمات.ومايلي المواطن هو انزال الحلول المتعلقه بالسلام ومتطلباته علي الارض وهنا ياتي دور منظمات المجتمع المدني.
الضرورة تقتضي في هذه المرحله الحساسه من عمر الثورة تضافر جهود منظمات المجتمع المدني والوقوف علي تلك المشكلات وتدريب المواطن وتعريفه علي تعقيدات المرحله واقناعه علي التعايش مع هذه التعقيدات التي طرأت علي المجتمع.
اعتقد الوقت قد حان لطرح مبادرات تلامس قضايا المواطن اليومي وتعزز فرص التعايش السلمي بين المجتمعات واعتقد ان ذلك ممكنا بكل تأكيد اذا خلصت النوايا.
زكريا ادم علي عبدالرسول
[email protected]