مقالات سياسية

ماذا ننتظر من د. حمدوك بعد الاسبوعين؟

د. الحسن النذير

قبل كل شيء، لم يكن التعديل الوزاري من بين مطلوبات مليونية ٣٠ يونيو الماضي. لذلك فان موضوع استكمال مجلس الوزراء ليس بالهاجس الذي يؤرق جماهير الثورة. ما يؤرقها هو الحاجة لبرنامج إسعافي وعاجل يخفف أزمة  المعيشة ويوفر الخدمات  الاساسية كالعلاج والدواء والمواصلات العامة بالدرجة الاولي، اضافة الي استكمال هياكل السلطة الانتقالية وتحقيق العدالة  والقصاص للشهداء.
ليس المطلوب من السلطة التنفيذية، وضع او تطبيق برنامج تنموي طويل الأجل، كما أشار الي ذلك بعض وزراء الحكومة الانتقالية في البداية، لان الفترة الانتقالية نفسها قصيرة الاجل، ولان السياسات والبرامج الاقتصادية لا تورث.
 فيما يتعلق بما ورد في برنامج التكيف الهيكلي الذي اصر عليه وزير المالية السابق خاصة، في ضرورة الموازنة المالية كوسيلة هامة من وسائل علاج اختلالات الاقتصاد الكلي،  نذكر بان صندوق النقد والبنك الدوليين أنفسهم يضعون اعتبارات  لخصوصية وظروف الدول المختلفة. وكثيراً من الدول المستفيدة من عون هاتين المؤسستين، لم تقبل بكامل السياسات المدرجة في البرنامج. لذلك لم تكن هنالك جدوي للإصرار علي رفع الدعم او صلاح الدعم (في رواية اخري)  عن السلع الاستهلاكية الضرورية بطريقة متعجلة تحدث قفزة مؤلمة لمعدل التضخم وتدهور اكثر في مستوي المعيشة المأزوم اصلاً. في نفس الوقت يجب تجنب الأسلوب الهتافي (غير الواقعي) في رفض   كل توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين من حيث المبدأ، علماً بان السودان عضو اصيل في هاتين المؤسستين ويحق له الاستفادة منهما (مع المرونة والمراعاة الكاملة لظروف واحتياجات البلاد).
في الوقت الحاضر، يجب البحث عن سياسات اقتصادية واقعية تضع في الاعتبار  البنود الإيجابية   لبرنامج التكيف الهيكلي الذي  اجريت عليه اضافات عديدة فيما يعرف باجماع واشنطن المرفع -Augmented Washington Consenus
كالاهتمام بزيادة ميزانية الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة)، مكافحة الفساد، دعم الشرائح الضعيفة في المجتمع (مع الاختلاف في الوسيلة)، وتحسين حوكمة الموءسسات.
من الموءكد انه لا توجد وصفة مكملة لسياسة اقتصادية خالية من النواقص والاثار الجانبية. الواجب  الان ان نسعي لوضع ميزانيات عامة متوازنة (بقدر الإمكان) وان نسعي لسد العجز من مصادر غير تضخمية وغير موجعة،  بقدر الإمكان. وهذا ليس بمستحيل.
الملح والعاجل الان هو الاتفاق علي برنامج إسعافي بأولويات محددة يلتزم بها الوزراء وان لا يتركوا للاجتهادات الشخصية. والملح ايضا ان تعود الموءسسات الاقتصادية التي تتبع للقوات النظامية لولاية وزارة المالية مما يساعد في تقليص عجز الموازنة العامة. كذلك من الضروري تشجيع تصنيع المواد الخام المصدرة للحصول علي قيمة مضافة تساعد في تحسين الميزان التجاري.
من ناحية اخري يجب  ان يكون المجال للنقد والمحاسبة متاحاً من خلال المجلس التشريعي وبإقامة  منصة للحوار (موءتمر او سلسلة مؤتمرات اقتصادية) وحوار مجتمعي كالذي بادرت به جامعة الخرطوم حول البناء الوطني بما في ذلك مستحقات بناء السلام و بدائل السياسات الاقتصادية وتبادل الاّراء حول إيجاد الحلول للمشكلات والصعوبات التي تواجه الاقتصاد السوداني.  والتحول الديمقراطي.
ما ينتظره الشارع الثائر ليس بالحلول السحرية بقدر ما هو خطوات عملية إسعافية للضائقة المعيشية الخانقة ( البيع المباشر، التعاونيات، ترشيد استهلاك المحروقات – عبر حصص
استهلاكية تقشفية- محاكمات عاجلة ورادعة لمهربي السلع، اعتماد اولوية لتوريد الادوية والمعدات المنقذة للحياة، توفير الاعتمادات اللازمة لمدخلات الانتاج الزراعي، خاصة للمحاصيل الغذائية وتحسين الامداد الكهربائي  …الخ)؛ اضافة الي قيام موءسسات قابضة لتصدير الذهب، الحبوب الزيتية، الماشية واللحوم، الصمغ العربي…الخ  لضمان التحكم في حصيلة الصادر.
بالنسبة لتعيين الولاة المدنيين، قد يكون من المناسب ان يتوكأ رءيس الوزراء علي عصا الوثيقة الدستورية وان يحسم الاختيار حسب ما ورد فيها(بما في ذلك تمثيل المرأة ) مع مراعاة معرفة الولاة المختارين، بظروف الولايات(جزء من الكفاءة ) التي يتم اختيارهم لها. في نفس الوقت يجب ان يتقيد الولاة بالبرنامج الإسعافي للسلطة التنفيذية ومتطلبات ترسيخ السلام (عودة واستقرار اللاجئين وتوفير الخدمات الضرورية لهم …الخ)،
وازالة تمكين وفساد النظام البائد، اضافة الي برامج إسعافية ولاءية يتم الاتفاق عليها وإجازتها بواسطة السلطات الولاءية من اجل ترسيخ واستدامة السلام.
لكي يخرج رءيس الوزراء من الضغوط التي تمارسها بعض الكيانات السياسية (المحاصصة)  من المواجب ان يحسم الامر باختيار ولاة برنامج وليس ولاة كراسي، معتمداً علي الشرعية  التي أولاها له الثوار في مليونية ٣٠ يونيو الماضي، وعلي الوثيقة الدستورية.
علي حمدوك ان يتحمل هذة المسئولية في تلبية مطالب الجماهير،  استناداً علي السند الشعبي والتفويض الذي لم يحصل عليه اي من الذين حكموا السودان من قبل. هذا الحسم يتطلبه الموقف السياسي المرتبك حالياً والظرف الحرج والمازوم اقتصادياً وامنياً في معظم ولايات البلاد.
ما ينتظره ثوار المليونية، من حمدوك ايضاً، ان يضع مطلب الإسراع في تحقيق العدالة  (محاكمة رموز النظام البائد وكل من اجرموا في حق الشعب السوداني خلال الثلاثين عاماً الماضية ومرتكبي جريمة فُض الاعتصام …الخ)  ان يضع ذلك امام مجلسي السيادة والوزراء وبحضور رءيسة القضاء والنائب العام وقحت، ليتم اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الشأن. وفي حالة تعذر ذلك، ليس امام رءيس الوزراء خياراً اخر غير مكاشفة قحت ولجان المقاومة وجماهير الثورة عامةً، لاتخاذ ما يلزم مما يلزم (بضم الياء)!.
اخيراً ما تنتظره جماهير المليونية الثانية من د. حمدوك، ان يجري الاتصالات الضرورية مع قحت (بما فيها حركات الكفاح المسلح) من اجل تسريع عملية تكوين المجلس التشريعي.  وهو مجلس مناط به واجبات حددتها الوثيقة الدستورية. ويرجي الا يكون هذا المجلس محل للخلافات بقدر ما هو في الأساس جهاز رقابي ومساعد للسلطة التنفيذية والتحضير للموءتمر الدستوري والانتخابات العامة في نهاية المرحلة الانتقالية. من الموءمل ان يتم هذا العمل بسلاسة ومسئولية تعبر عن نضوج القوي السياسية المنضوية تحت قحت (بما فيها حركات الكفاح المسلح) وان لا يكون مكاناً للمماحكات السياسية والصراع الذي يضر ضرراً بالغاً  باستكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي. تتوقع جماهير المليونية ان يلعب د.حمدوك دوراً حكيماً وحاسماً في قيام هذا المجلس وعلي وجه السرعة.
هذا ببساطة ما يتوقع من د. حمدوك كقائد وطني وثوري، في مسعاه للاستجابة لمطالب مليونية ٣٠ يونيو الماضي والتي سلمتها له تنسيقية لجان المقاومة الباسلة.
اللهم اعن الدكتور عبدالله حمدوك علي تحمل المهام الجسام الموكلة اليه من قبل جماهير ثورة ديسمبر المجيدة وعلي تخطي الصعاب والعقبات من اجل إنجاز استحقاقات التحول الديمقراطي وفتح أبواب التقدم والازدهار الذي يستحقه هذا الشعب الابي.
د. الحسن النذير
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..