مقالات سياسية

من أخبار (الغتغتة و الدسديس)

علي يس

معادلات

•       خبران تداولتهما صحف أمس الأول ، يؤكدان ، بما لا يترك فسحةً للشك ، أن ما انتظرناهُ من شفافيّة و صدق من الحكومة تجاه الشعب ، هو حُلمٌ ما يزالُ بعيد المنال ، حتى بعد ثورةٍ عظيمة (كنّا نظن ، و بعض الظن إثم، أنّها ختمت ثلاثين عاماً من الكذب و الخداع )..

•       ما  فتئت الحكومات التي توالت على شعب السودان ، منذ الاستقلال و حتى اليوم ، تعاملُ الشعب على أنه (طفلٌ كبير) ، لا يمكن إرضاؤه إلا بالخداع و الكذب .. كنا نظن أن حكومةً جاء بها هذا الشعب ، بدماء أبنائه و بالدموع  و العرق ، و بالتعذيب و بيوت الأشباح و القتل و الاغتصاب و السحل و النهب .. كنا ننتظر من حكومة جيء بها بهذا المهر الغالي أن تعامل الشعب ، على أقل تقدير ، باعتباره شعباً (بالغاً ، عاقلاً ، مقيماً)..

•       أحد الخبرين يتحدث عن (رفض) البشير ارتداء ملابس السجن ، و لقد بحثت في ثنايا الخبر عن “الخاتمة” التي يتوقعها كل قارئ خبرٍ مكتمل ، فلم أجد سوى أن إدارة السجن قد عرضت عليه ارتداء ملابس السجن فأبى، و أن زملاءه ، أعضاء عصابته ، قد ساندوه .. انتهى الخبر ..

•       أما ما بعد ذلك ، ماذا فعلت إدارة السجن إزاء هذا الرفض ، فلا  أحد سأل ، و لا أحد أجاب .. مما يجعل القارئ يخرج بـ” سيناريو” قوي الاحتمال يتمثل في حوار تم كالآتي:

–       سيدي الرئيس ، نرجو منك ، شاكرين و ممتنّين ، أن تتكرم فخاتمكم بارتداء ملابس السجن ..
–       ماذا ؟ أنا ألبس ملابس السجن ؟ أنا كنت رئيس هذا البلد و القائد العام و..و..و..
–       على رسلك ، لا تغضب سيدي الرئيس ، هو مجرد اقتراح قلنا  نطرحه على سيادتك ، أما إذا لم يعجبك الأمر فنحنُ آسفون جداً ، نرجو أن تغفر لنا سيادة الرئيس ..

•       إن خبراً يرد بالشاكلة التي رأيناها بصحافة أمس الأول ، يصعب أن نتصوره خلاصة لحوارٍ غير هذا المقترح أعلاه .. و بالتأكيد لم يُطرح من قبل ، و لن يطرح من بعد ، على أي سجين ، اقتراح أن يلبس ملابس السجن إن لم يكن لديه مانع .. يبدو أن البشير ما يزال يُعامل باعتباره رئيس دولة ، و يبدو أن ضابط الشرطة الذي أدّى التحية للبشير  أثناء التحقيق معه ، و دخل في مشادة مع وكيل النيابة  مؤكداً  أن من واجبه تحية (السيد الرئيس) لم يخرج عن النص .. و يبدو أن الشعب الذي فجّر ثورة ديسمبر المجيدة ، و الذي واجه أبناؤه الرصاص بصدورهم العارية ، يُعامل ليس فقط كما يُعامل طفلٌ ، بل كما يُعامل طفلٌ متخلّف ..

•       الخبر الآخر ، في ذات اليوم ، يتحدث عن استقبال السيد رئيس الوزراء جماعة  من المشائخ  ليطمئنهم على حرص الحكومة على مقدسات الإسلام .. صيغة الخبر توحي بأن رئيس الوزراء يستقبل (جالية مسلمة) في بلد لا يدين بالإسلام ، و لو قرأه أجنبي لا يعرف أن شعب السودان شعبٌ مسلم ، بل من أعرق شعوب الأرض إسلاماً ، لاعتبرها  لفتةً طيّبة من رئيس  حكومة غير مسلمة ، تجاه أقلّيّة دينية  تبحث عن الأمان..

•       و لكن المزعج في الخبر ، أن السيد رئيس الوزراء كان في الحقيقة يستقبل طائفة ممن ظلوا ، حتى قبل ساعة من سقوط عصابة المؤتمر الوطني ، يتوعدون الثوار السلميين بالويل و الثبور و سوء المنقلب جراء خروجهم على الحاكم ، و يعتبرون الثوار “شويّة شيوعيين ملحدين يريدون إسقاط الحكم الإسلامي بقيادة الخليفة الراشد عمر البشير”.. و هؤلاء المشائخ أنفسهم كانُوا قد صمتوا  صمت القبور على إراقة دماء المسلمين بأيدي زبانية البشير ، و لم يفتح الله على أحد منهم بحرفٍ  يدين قنص أكثر من مائتي شهيد ، بينهم أطفال ، عام 2013 ، ضمن (الخطة “ب”) التي  صرح بها البشير بعدها بأيام لصحيفة خليجية .. و الخبر  يبدو ، لمن يتابع  ما جرى في الأيام الفائتة ، كما  لو كان السيد رئيس الوزراء يستقبل هؤلاء المشائخ  ليتوقّى غضبتهم مما يعتبرونه تعطيلاً  لقوانين الشريعة و إباحة للخمر ، حسب تفسير الكذبة الموتورين للإصلاحات القانونية التي اتخذت خلال الأيام الفائتة ..

•       ما نزال في انتظار الشفافية و الصدق ، و مواجهة أهل الباطل بما يستحقونه ..
•       ما يزال الشعب ينتظر من حكومته أن ترتقي و لو قليلاً ، إلى قامة ثورته ، فتحسم الإهانات اليومية التي يوجهها  أذيال البشير للثورة و الثوار ، إلى حدِّ أداء التحيّة العسكرية لمجرمٍ هو أدنى مقاماً من نشّال ، و أحط خلقاً من مغتصب أطفال .. ما يزال الشعب ينتظر من حكومته أن تقطع يداً ترتفع بالتحيّة للص الحقير.

تعليق واحد

  1. خليني أزيدك من الشعر أبيات من الإهانة والمهانة للثورة والثور والخبر يقول عندما خرج المحامي ممثل الإتهمام من المحكمة وهو يهتف حرية سلام وعدالة أخد علقة ساخنة من أتباع النظام البائد ولولا أن أسرع به بعض الحضور لداخل المحكمة والشرطة تتفرج لكان صيوان العزاء بتاعه منصوب من أمس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..