مفاوضات سد النهضة: دعوةٌ لفك الإرتباط مع مصر والتوقيع على إِتفاق عنتيبي الإطاري
خالد الطاهر

مفاوضات سد النهضة: دعوةٌ لفك الإرتباط مع مصر والتوقيع على إِتفاق عنتيبي الإطاري..
بقلم: خالد الطاهر
(١)
نشرنا قبل مدةٍ سلسلة مقالاتٍ عن قضايا المياه وجوارُالسودانِالشقيِّلمصرَ.. إنتقدنا في هذه الكتابات الصفوةَ المصرية وأَخذناها بالشدَّة في تشريحنا لعوارِ تفكيرها وسخفِ تدبيرها..
قلنا إِنَّ الصفوة المصرية – مفكرةً وحاكمة – تبْنِي سلوكها علىعقيدةٍفاسدةٍ فحواها أن مياه النيل “حقٌ خالصٌ لمصر، لا شريكَ لها”، تتصرف فيها كما تشاء: منعاً بلُؤمْ أو منحاً على مضض!!..
على أن مبادرة دول حوض النيل وإتفاقية عنتيبي الإطارية (2010) الناجمةُ عنها، شكَّلتْإختباراًجدياً لهذه العقيدة الخديويةِالبائدة لأن الإتفاقية إِرتكزت على مفهوم إِستفادة جميع دول الحوض من مياه النيل على قاعدةِ الإستخدام المنصِف والمعقول، فيما أضفى مشروع سد النهضة الأثيوبي بعداًعملياً لهذا التحدي..
(٢)
المفاوضات الحالية بين السودان، إثيوبيا ومصر برعاية الإِتحاد الأفريقي تحاولُتخَطِّي النقاط الخلافية في إِتفاق واشنطن الذي تقاسم إِعداد مسودته البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية، هذه النقاط متعلقة بملءِ بحيرة سد النهضة وقواعدِ تشغيله ومن ثَمَّ التأطير القانوني لكلِ ذلك…
من المعلوم بالضرورة إنَّ السد الرئيسي والسروجي (رديفه المساعد) مصممٌلتسعَ بحيرته تخزين 74 كلم³ (74 مليار متر³) من المياه منها 14 كلم³ تخزينٌميِّت .. إِقترحت لجنة الخبراء من الدول الثلاثة في العام الماضي أن يتم ملء البحيرة على عدةِ مراحل بحيث تخزن 4,9 كلم³ بين يوليو واكتوبر 2020، تليها 13.5كلم³ في باقي السنة (على أساس المقترح الأثيوبي بتمرير 30 كلم³ من مجمل إيراد النيل الأزرق البالغ في المتوسط 48 كلم³) إلا أن المفاوضات اللاحقة فيما يبدو قد أسفرت عن تبني مقترح السودان القاضي بتمرير 37 كلم³سنوياً…
المُعضِلةُ هنا إن مصر تتعنت بربطِ التخزين في بحيرة سد النهضة بمستوى المياه في بحيرة ناصر وتتمسك بأن لا يقل منسوب الأخيرة، حتى في سنوات الإيراد الشحيح، عن 148 متراً لكي تضمن استمرار توليد الكهرباء من السد العالي.
لا أَدرى ما إذا كان المفاوض السوداني قد فكَّ الإرتِباطْ مع الموقف المصري في نقطةمستوى المياه في بحيرة ناصر التي لا تهمنا في شيء، لكن ما يعنيني هنا أن أُنبِّهَ سكان منطقة وادي حلفا للتحسبـلِحُسنِ الحظـ لزراعة حوالي 140 ألف فدان من إلاراضي عاليةِ الخصوبة ستنحسر عنها مياه بحيرة النوبة داخل الحدود السودانيةربما تُعوِّضُبعضاً مما تكبده أهلنا النوبيون من خسائرَ جسيمة بسبب إتفاقية مياه النيل عام 1959 ..
(٣)
والحديث عن اتفاقية 1959 ذو شجونْ، إذ أنَّ مصر كانت قد وظفت – إبان المباحثات – كل ألاعيبها الاستخباراتية من تجنيد العملاء، التجسس على وفد التفاوض السوداني وإِبتزاز أَعضائه لتظفرَ من جنرالات عبود بمعاهدةٍ مجحفة لَبَّتْ كل أطماعها على حساب حقوق السودان المائيةبالإستِحواذ على 65.5 كلم³كنصيبِسنويٍ من المياه مقابل 18.5كلم³ فقط للسودان!!!(يخطئ الكثيرون في حساب الأنصبة بتجاهل 10 كلم³ فاقد التبخر من بحيرة ناصر الذي تُحمِّل الإتفاقية السودان نصفه في حينِ وجوب إضافتِهِ لحصة مصر)….
وقعتُ قبل مدَّة على كتابٍ لرجلِ المخابرات المصري عبد الفتاح ابو الفضل عنونه ب”كنت نائباً لمدير المخابرات”.. كتب الرجل بأنه حلَّفي الخرطوم مقيماً فيها تحت ستارعمله كمراسلٍ صحفي لجريدة الجمهورية القاهريةفي سنة 1955… فَصَّلَ هذا الأبو الفضل في ص 141 من كتابه كيف إنه قد تمكن من تجنيد أحدِ الخوَنة – وهو سودانيٌ للأَسفْ- يعملُموظفاً في وزارة الري وتمكَّنَ المدعو أبو الفضل عن طريقه من الحصول،أولاً بأول، على التقارير السرية والمُوجِّهات المرسلة إلى وفد السودان الذي كان يفاوض في القاهرة على إِتفاقية مياه النيل (إقتباس: ..كانت هذه التقارير ذات السِرِّية العالية تصلني في وقتٍ مناسب جداً وكان يتم تصويرها وإعادة المستندات الأصلية. وبالإتفاق مع رجال شركة مصر للطيران كانت صور هذه الوثائق المهمة ترسل أولاً بأول لتكون في متناول يد المفاوض المصري قبل إجتماعات التفاوض..)، فتأمل!!!!..
لا يُجدِي التحسُّر، فلن نستطيع إرجاعَ عقارب الساعة، لكنَّ الوعي المُتناميوالإحساس بالضَيْم والخديعة دفعَ أغلب السودانيين في وقتنا الراهن للتنادي بالإنسحابِ منهذه الإتفاقية المشؤومة..غير أنني كمهتمٍ بالعلاقات الدولية والأمن لا أري مخرجاً مُوفَّقاًسِوى فكِّ الإرتباط مع الموقف المصري إزاء مبادرة دول حوض النيل..
(٤)
يُعضِّد رؤيتي المُتواضِعة بضرورة أنينأى السودان بنفسِه عن التقديرات المصرية وأنْ يخطو نحو التوقيع على إتفاق عنتيبي هو ما رشحَ من اخبارٍ حول مداولات القمة الإفريقية المصغرة التي إنعقدت بالأمس (21 يوليو) برعاية الإتحاد الافريقي وبمشاركة حمدوك، السيسي وآبي احمد…ما تسرّبَ من أخبار يشي بأن الأولوية الآن هي إبرامُإتفاقٍ حول سد النهضة على أن يتم لاحقاًبلورةُإتفاقٍشاملٍ بخصوص إستخدام مياه النيل كَكُلْتُشارِكَ فيه كل دول الحوض الأحدى عشر .. فإن نبادر الآن خيرٌ من أن نتأخر فنحصُل على القليل …
توقيعُالسودانِ على إتفاق عنتيبي الإطاري سيجعلهُتلقائياً في حِلٍّ من إتفاقية تقسيم مياه النيل مع مصر (1959)، إذ أن القانون الدولي يعتمدُ مبدأ أن “المعاهدةُ اللاحقة تَجُبُّ السابقة”.. حتى بإِفتراضِإنَّ مصر ستواصل إعتراضها عليه، فإن إتفاق عنتيبي (2010) سيدخل حيِّزْ التنفيذ الجماعي بمجرد توقيع السودان ومصادقته عليه مما يعطيه زخماًويُجرِّدُمصرَ من إِستقوائها بالسودان ويجعلُإِمتناعها منفردةً بلا قيمة.. جدير بالذكر إن الدول الموقعة حتى الآن هي إثيوبيا ودول حوض النيل الجنوبي (تنزانيا، يوغندا، رواندا وكينيا) التي رأت محقةً في الإتفاق الإطاري مسوقاً للتحلل من إتفاقية 1929 الإستعمارية…
في حُكمِ المؤكَّدْ أن السودان، في ظلِّ مبدأ عنتيبي “الإستخدام المنصف والمعقول”، سيحصُلُ على حصةٍ أكبر من المياه نظراً لأراضيه الزراعية الشاسعة وفرصِهِ المستحقة في أن يصبح من أعظم منتجي الغذاء عالمياً خاصَّةً وإنَّهُ يمتلِكُ مزايا نسبيَّةوكفاءةًعاليةً في إستخدامِ المياه، بالمقارنةً مع بقية دولِ حوض النيل..
(٥)
المطلوب من مصر أن تتحلى بالواقعية، فَقدَرُها أن تكونَ بلاداً صحراويةً شحيحةِ المياه.. كما إنها من ناحيةٍ ثانية مسؤولةٌ بنفسها عما تُكَابِدهُ منإِنفجارٍسكاني، لذا فليس من المنطقي أن تُحمِّلَ شركائها من دول حوض النيل عبءَ هاتين المُعضلتين وأن تطالب هذه الدول بتوفير نسبةٍ غير معقولةٍ من المياه تُهدرها في زراعةِ الأرز وقصب السُّكر وشبكاتِ الرَّي المتهالكة ..
الظاهرة العجيبةُ التي تشدُّ إنتباهَ كُلَّ متابعي الشؤون المصريةهي حقيقةَ إن لإعلامِ هذه الدولةُ كلفٌ غريب ب”نظرية المؤامرة”، وإعتقادُ المصريين الراسخ بإن كل دول العالم مشغولةٌ ليلَ نهاربحياكة “الدسائس لتعطيشهم” كما لو أنّ صُراخ قنوات يوتيوب بمُستطاعِهِ إختلاقُ “حقوقٍ تاريخيَّةٍ ” مُدَّعاة!!!.. وما كتبنا ما سلف عن أهمية المصادقة على اتفاقية عنتيبي لأننا “نكرهُ” مصرَ و”نحقدُ عليها”، بل نحن ببساطة ندافعُ عن المصالحِ القومية العليا للسودان، رغم أن مشاعر الغضب لدى كل السودانيين أكثر من مبررة بحكمِإنَّ مصر تواصلُ إحتلالها الغاشم لمثلث حلايب ونتوء وادي حلفا وترفضُ حتى مجرد التحكيم ـ الذي للمفارقةـ هو غايةُسعيهاوما تتمنَى في نزاع سد النهضة!..
وعلى ذكرِ الإحتلال، فإن من مصلحة النخبِ الحاكمة في ألقاهرة أن تطوي هذا الملف بأعجل ما يتيسرإن كانت حصيفة، وتعيد ما إغتصبته من أراضٍ سودانية.. حينها فقط، ربما تكسب موافقةَالخرطومِ على التفاوض حول مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل الذي تأمل القاهرة بأن تحصل من خلاله على 90 كلم³سنوياً من مياه جمهورية الكونغو الديمقراطية..
لنا عودة..
خالد الطاهر
الأستاذ/ خالد الطاهر:
لك التقدير و التحية على هذا المقال الضافي بمعلوماته الغزيرة و أسلوبه الشيق.
وايه اخبار الأراضي المحتله من إثيوبيا. وكل فتره تقتل سودانيين.
احسن خليك في حارة الزبالين بتاعتك
يا هذا .. لا تشتت الافكار و الجهود .. لا يمكن عمل كل شئ فى نفس الوقت ..
مصر تحتل و تمصرن و تقيم القواعد العسكرية و تطرد الوحدات العسكرية السودانية و تستهلك الموارد و تطهر عرقيا لما تحتله .. و هى تعلم سلفا إنها ليست باراضيها .. اما اثيوبيا .. فعلى الصيد الرسمى تقر بان ما يحتله مواطنيها هو اراض سودانية و هذا ثلاثة ارباع الاسترجاع للحق. هذا شئ و ذاك شئ آخر .. و لكل مقام مقال ..
اما ان كنت مصريا .. فهذا حالكم دوما .. زرع فتن و قلاقل و مشاكل و إثارة الغبار للتغطية على جرائمكم .. فالرجاء فى حالة ان كنت مصريا .. لا نريد سماع صوتك و لسنا بديمقرطيين تجاهك و لا تستحق ان نكون عادلين معك .. حيث الديمقراطية و العدل و الصدق يجب أن تكون من كل الاطراف لا من طرف واحد .. اما من يكون صادقا مع كاذب و عادلا مع ظالم و ديمقراطى مع مستبد فسيخر كثيرا.
و لتفادى الخسارة يجب أن تقابل السيئة بسيئة مثلها او اكبر منها.
اما قوله تعالى .. و اتبع السيئة الحسنة .. ذلك حينما يشهد لمن كان مسيئا بانه ذو اخلاق و مصداقية و مروءة و شرف .. اما ان تحسن لمنافق كاذب غادر خائن حاقد حاسد .. فلا أعتقد أن ذلك هو الشخص المعنى بالاية الكريمة بالاحسان إليه حين يسئ.
شكرا للمقال وأضيفك فيما يتعلق باتفاقية 1959
أولا: أن الاتفاقية لم تحدد مدتها وانما جاء نصا نهاية هذا القرن .. وهذا كان من غباء الوفد المفاوض الذي كان يقوده المتمصر اللواء طلعت فريد صاحب الأهواء .. ثم غباء حكومةالمخلوع البشير الذي لم ينتبه لمراجعة الاتفاقية اواخر التسعينات ولعل السودان وقتئذ كان مورط بحادثة اغتيال حسني مبارك .. ولعل هذا المحاولة نفسها كان بتدبير بعيد من المخابرات المصرية لتوريط السودان حتى لا يفكر السودانيون في موضع الماء تحديا اتفاقية 1959.
ثانيا: طلعت فريد مصري الاصول ما كان مؤهلا لترأس الوفد المفاوض إلا انه فرض على حكومة عبود من حث لا يشعرون فقبل به تحت اصرار المصريين بمعنى ان مصر رات فيه خير من يمرر عبره الاجندة.
ثالثا: سمعنا ان نص هذه الاتفاقية في الأصل كانت مسودة الاولية للاتفاقية وكان المفترض تعديله ومراجعته قبل توقيعه ولكن الوفد الذي يترأسه طلعت فريد وقع في نصب وفخ مصري وضع للوفد باحكام .. فقد ذكر ان المصريين أقاموا مباراة كرة قدمم خصيصا بوجود الوفد – شرك يعني – لأقوى فريقين يومئذ في مصر، وفي الوقت الذي كان مفترضا مراجعة الاتفاقية جاؤوا يستعجلون الوفد لحضور المباراة ويحثونهم الا طلعت فريد لإانهم أخروا ليقلوه بوفد خاص للاستاد وبعد خروج الوفد استفردوا بطلعت فريد فوقع على الاتفاقية ولهذا كان نص الاتفاقية مهزوزا
مقال في الصميم وفي منتهى الروعة ومهم على كل سوداني حادب على مصلحة بلده الاطلاع عليه. لقد انكشف المستور وتبين حتى للاعمي ان المصريين لا يضعون للسودان اى اعتبار ولا تهمهم الا مصلحتهم. وحتى البعض ممن خدعوا بشعارات “احنا اخوات” وغيرها من عبارات الاوانطة ما عادت تنطلي عليهم مثل هذه الاكاذيب. مصلحتنا فوق كل شىء. وانت محق تماما استاذ خالد لو كان المصريين يتمتعوا بأى درجة من الذكاء والحكمة لاعادوا الاراضي السودانية واعتذروا على الخطأ الذي وقعوا فيه ولكن يبدوا انهم يراهنون على ان السودان سوف يكون نفس سودان ابراهيم عبود ونميري عندما يأتي وقت تمرير مشروع نهر الكونغو. الحمد لله الان لدينا جيل واعي ومثقف واتمنى من كل قلبي ان يخرج الشارع ويعبر عن رفضه لاى اتفاق تحاول مصر تمريره فيما يتعلق بمياه النيل ومشروع نهر الكونغو الا بعد ان تنسحب من الاراضي السودانية المحتلة وتلتزم بعدم تكرار هذا التصرف مرة اخرى وتقدم ضمانات بذلك وهو امر لا اعتقد بانها ستفعله. لقد ظلت النخب المصرية تتآمر على السودان وتتعامل معه بمنتهى الاستخفاف ولكن لا يحيق المكر السىء إلا بأهله والان اتتهم المصيبة من حيث لا يحتسبون. اكرر كلامك استاذ خالد اى مشاريع مستقبلية بشأن المياه يجب ان تكون مقرونة بالانسحاب من ارضينا , غير ذلك يجب علينا فك الارتباط مع مصر والانضمام لمجموعة عنتيبي.
ولك خالص التحية.