
من الخطأ الشنيع ألا نسترشد في تشريعاتنا بتجارب الغير، وأن نظن أننا محقون في كل شيء وغيرنا من أهل الملل الأخرى، مبطلون في كل شيء. فكل الدول، بغض النظر عن أديانها، حريصةٌ على أمن الناس، وعلى صحتهم البدنية والعقلية. يظن كثيرٌ منا أن الغربيين لا يسائلون من يسيئون التصرف بسبب الخمر، وهذا غير صحيح. الفرق بين الدول الإسلامية القليلة التي تتسم بالتشدد وبينهم، أن الغربيين علمتهم التجربة أن يهتموا بالجانب العملي في الإخلال بالأمن العام. فأصبحوا لا يطاردون مواطنيهم فيما وراء نطاق المجال العام. فإذا رأى الشرطي شخصًا يترنح في الشارع؛ فإنه يوقفه ويبعده عن المجال العام. وإذا شك في أن أحدًا يقود سيارته تحت تأثير الكحول، فإنه يوقفه في الحال ويعرضه لجهاز تحديد نسبة الكحول في الدم. فإذا تجاوزت الحد المسموح به، ينزله الشرطي من السيارة، ويأخذ منه مفتاحها. وسوف يتعرض لعقوبة قد تصل إلى السجن، وربما يجري سحب رخصة القيادة منه لمدة يحددها القاضي. أيضًا لا يُسمح لأي فرد عمره أقل من 21 عامًا بشراء مشروبات كحولية. وأي خصٍ توجد في سيارته قارورة خمر مفتوحة يتعرض لعقوبة قاسية جدا. وتسير أكثر من 80% من الدول الإسلامية المعاصرة على هذا النهج، مع الفارق أن الدول الغربية لها قدرة أكبر على إحكام الرقابة على المجال العام، وعلى إنفاذ القانون.
أوردت صحيفة “وولستريت جورنال” في 17 يناير 2019 أن استهلال المواد الكحولية، في الولايات المتحدة الأمريكية، يتراجع. وأوردت قناة بي بي سي في 15 فبراير 2011 أن استهلاك الكحول في بريطانيا استمر يتناقص، عامًا بعد عام، منذ 2002. هذا التراجع ليس بسبب المنع، وإنما بسبب التوعية والتحسن الطوعي في السلوك. فالمجتمعات هي التي تعلم أفرادها وتهذبهم وليس السلطات. أصبح الغربيون يستهجنون السكر بشدة، رغم أن المشروبات الكحولية متاحة. فالشخص الذي يشرب حتى يسكر في أي مناسبة اجتماعية، يُنظر إليه باحتقار، وقد يُعزل اجتماعيا. فالسلطة الاجتماعية، لها تأثير على تحسين سلوك الأفراد يتجاوز تأثير المنع القانوني. تغيير السلوك بسبب نظرة المجتمع يجري عن قناعة، وعن رغبة وحرص على رضا المجتمع، وقبوله.
لقد انشغلت كل الأمم بالآثار الضارة لاستهلاك الكحول، فجربت الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين، المنع الكامل للمشروبات الكحولية. في عام 1926 قدم أندرو فوروسيث شهادة أمام الكونغرس الأمريكي، ملخصها أنه راقب منطقة بعينها في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، قبل المنع مباشرة. فرأى أفرادًا في أسوأ صورة يمكن أن يرى بها المرء إنسانًا، بسبب إدمانهم الكحول. وبعد المنع رأى تحسنًا كبيرًا في أحوال الناس في تلك المنطقة. ثم عاد بعد عامين ليرى كيف استمر الحال، فوجد الناس على صورة أسوأ مما كانوا عليها قبل المنع، لأنهم انخرطوا في شرب الخمور غير القانونية، بالغة الرداءة. كما زاد المنع من انتشار الجريمة المنظمة، المرتبطة بالتجارة غير القانونية في الكحول، فتراجع الأمريكيون في عام 1933 عن المنع العام. أيضًا أكد المركز الأمريكي للوقاية والتحكم في الأمراض أن التدخين قد تراجع في عام 2016 بنسبة 14%، رغم أنه لا يوجد قيد مطلق على التدخين. كل ما في الأمر أن الأفراد ارتقوا في وعيهم، وأصبح المجتمع يضيق بالتدخين. فالوعي هو الذي يأتي بالنتائج، وليس المنع.
(يتواصل)
النور حمد
صحيفة التيار 24 يوليو 2020
دي الكتابة العقلانية البتخش في الراس ،
نجدد شكرنا علي الدوام للدكتور وإحترامنا كذلك
شرب الخمر ما بين المنع التام من قبل السلطات وبين عدم منعها مع تكثيف التوعية بمضارها ، وأورد الدكتور النور المجتمع الأوروبي مثلاً في خفض نسبة تعاطي الحكول عبر التوعية بدلا عن المنع التام من قبل السلطات ، وأجد أن الدكتور النور لم يستصحب في شرحه لوجهة نظره شيء أظنه في غاية الأهمية وهو الحالة السياسية والإقتصادية والإجتماعية للبلد كمحفز لشرب الكحول.
لم أعش في أوروبا حتي أتكلم عنها لكني عشت في السودان وأعلم أن الحالة السياسية الغير مستقرة لعقود من الزمن خلفت آثار إجتماعية سالبة ألقت بظلالها علي المجتمع وحفزت من زيادة نسبة تعاطي الكحول وبالذات وسط الشباب. لا نأمن حماقة ساستنا ، فهم حتي يوم الله هذا في غيهم وطيشهم وبلادتهم وبعدهم من الشباب سادرون ، وهم أس صناعة مشاكل الشباب وتضييق الفرص لهم ليحققوا ذواتهم وبالتالي يزيد التحفيز لشرب الخمر وغيره من المخدرات هروبا من واقع مرير تصنعه أيدي ساستنا هداهم الله.
بالرجوع إلي واقعنا السياسي والإجتماعي الذي لا يشبه علي الإطلاق واقع الدول الأوروبية نجد أن محفزات شرب الخمر والمخدرات تزيد عندنا كثيراً لذا ننصح بمنع تعاطي الكحول بواسطة السلطات حتي ينصلح حالنا السياسي والإجتماعي ويجد الشباب فرصة للعمل وتحقيق ذواتهم يبعدهم من الشعور بالإحباط وعدم النفع كلما تقدم بهم السن…