مقالات متنوعة

مؤانسات الجمعة

د. محمد حسن فرج الله

أسئلة الطفولة المربكة

في طفولتي البعيدة  كنت كأي طفل غرير لم تعجم عوده رحلة  الحياة الماكرة بعد ارتبك  أمام اسئلة من شاكلة:

 – اسمح هنا ولا الخرطوم؟
 – ما عرفتني  ؟
ولكن السؤال المجلجل و الذي  احتجت الي زمن طويل لأصل الي اجابته كان  :
– بتريد أمك ولا أبوك أكتر ؟

ما يزيد الأمر ارباكاً أن السائل سيكون غالباً من أهل الأم أو الأب و لن ينجيك حينها أن تتحيز لجهة السائل لأنك لن تأمن غوائل  دلّه بالاجابة علي أهل الطرف الخاسر ..!

لاحقاً عرفت أن العلاقات داخل الأسرة الواحدة قد تختلف في نوعها و لكنها تتشابه في عمقها ، ولم أجد أوفق من قصة طه حسين التي اوردها في سيرته الذاتية الموسومة ( الايام ) لتصف باختصار  طبيعة هذه العلاقات المختلفة المتشابهة ؛ فقد حكي في كتابه أنه في أحد جلسات عائلته علي مائدة الفطور  تدفق  بعض ما كان يأكله من عسل علي صدره بسبب فقدانه لنعمة البصر و قد  قال في وصف رائع  لردة فعل افراد أسرته علي ذلك:

أما أخي فقد ضحك  ..
و أما أمي فقد بكت ..
و أما أبي فقد قال : ما هكذا يؤكل العسل يا بُني ..!
الجميلات هُن الزرافات !
شبّه الشعراء محبوباتهم بأشياء مختلفة ، لعل أكثرها كان بالغزلان  منذ ابن الملوّح الذي خاطبها قائلاً:
عيناك عيناها و جيدك جيدها
لكن عظم الساق منك رقيق !
و حتي الحاردلو الذي قال حين اجفلت منه اسراب الغزلان  :
يا بنات الريل خباركَنْ بتجفّلن من  خالكن

لا باكل لحمكن.. لا بريد كتالكن ……

و الحاردلو مولع بتشبيه الجميلات بالصيد حتي ان أشهر مساديره قد سمي ( مسدار الصيد )
و من قوله في ذلك ما غناه الكابلي في مقدمة أغنيته المشهورة :
طوّلتْ بالعسين قانص بدور كلبيْ

ما لقيت من يستحق نمي و نوادر قلبيْ

و قد ظل مخلصاً بولعه هذا حتي أواخر عمره حين ادارت له الحياة ظهرها فوصف ذلك بقوله :
شردن مِني ْ صِيدات الهويد الدُرجْ
و لِقَنْ الدنيا ماسكابي الدروب العُرجْ
و الحاردلو من المجيدين في  تشبيه الجميلات بالحيوانات
و لكن نزار قباني بلغ في ذلك مرتقيً صعبا حيث أنه أول و آخر من  نجح في تشبيه المحبوبة بالزرافة ، وذلك حين داهمه الحنين عندما جاء الوقت الذي كان يجلس فيه لتناول  الشاي مع زوجته العراقية بلقيس التي كانت ممن يصدق فيهن قول  محمود درويش ” الطويلات هُن الجميلات ” و التي  توفت في تفجير السفارة العراقية بلندن  فقال في رثائها :
هذا أوان الشاي العراقي المعتق كالسلافة
فمن سيوزع الأقداح أيتها الزرافة ……..!
د. محمد حسن فرج الله
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..