أياً كان لونك السياسي أو خلفيتك العقدية، دينية كانت أم انسانوية، فهنالك مبادئ كبرى يتفق عليها كل عاقل، ومن يخالف هذه المبادئ أو ينكرها، فهو بالضرورة يخالف ما يعتقد، ذلك لأن الانسان بطبعه دون النظر إلى معتقده فإنه يسعى لتحقيق انسانيته عن طريق معرفة نفسه، ومن عرف نفسه عرف ربه، أياً كان ربه، فالانسانية تعلو كلما اقتربت من “صفات الله تعالي”، مثل “الرحمة والعدل والحكمة والرأفة” لذلك جاء في الأثر تخلقوا بأخلاق الله، وهذا ما نجده بكثرة ووفرة في الأدب الصوفي، وهو بالمناسبة خميرة الانسان السوداني التي مازته عن غيره.
أن تكون سودانياً بحق، ملسماً سلفياً أو صوفياً أو مسيحياً أو حتى لا دينياً أو وثنياً، فعليك أن تؤمن ببعض المبادئ الأساسية التي تمثل الأرضية المشتركة التي تسمى الوطن، فالوطن هو مجرد مفهوم اعتباري في أذهان الناس، تم اسقاطه على رقعة جغرافية معينة فخلق نوع من التجانس وتوحدت به أهداف الناس، فبدون هذه الفكرة فلا وطن ولا صراع. ونشهد الآن فقدان فكرة الوطن في بعض الدول التي أصبحت في عرف الساسة دول فاشلة “Failed states”، أي انتهت عندهم فكرة الوطن، رغم بقاء الجغرافية والانسان والموارد، فانتبه!
تلك المبادئ ببساطة هي: حرية وسلام وعدالة وديمقراطية بموجبها يصبح الحكم وآلية انتقاله ممكنة! بدون ذلك يا صديقي فانت منافق كاذب ولص تبتغي سلب الناس حقوقهم ومقدراتهم، باسم عقيدتك الفاسدة!
من يظن أن هذا الكلام تحصيل حاصل فاعلم، أن بيننا أناس مازالون يعتقدون أن الحرية والعدالة والمساواة هي امتياز لاخوانهم في العقيدة أو الحزب أو العرق أو الاقليم، وبالتالي فهم لا يؤمنون بفكرة الوطن القُطري، فهم يعتقدون أن المصري والفلسطيني والتشادي أو الاثيوبي له حق في هذا الوطن أكثر من السوداني الذي يخالفهم، وهم بالمناسبة كثيرون جداً!! وهم ليسوا دعاة الخلافة فقط كما يتبادر إلى الذهن، بل هم تقريباً جل الأحزاب والحركات وان بدرجات أخف!
فإن كنت علمانياً وتؤمن أن العلمانية هي سبيل الخروج من هذا النفق المظلم، فأول مبادئ العلمانية ألا تتجرأ على عقيدة غيرك، وألا تسب دين غيرك، فذلك خروج عن مبادئ العلمانية التي لم تفهمها، فانت تهرف بما لا تعرف وتمارس فقط ضغائنك وعقدك باسم العلمانية، التي اختطفتها من أهلها وسياقها الذي نشأت فيه دون أن “تُبيئها” أو تستنبتها في أرضك، لذلك لا يحق لك أن تتكلم باسمها، فانت انسان عاجز عن التفكير وكسول، فانت مجرد عامل توصيل “delivery boy” يأكل خلسةً من الطلبية التي يحملها.
أما إن كنت سلفياً أو صوفياً متشدداً واعتقدت ضلال غيرك، فامتثل لقوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)، فالاصل في الخلق الاختلاف ولذلك خلقهم، وهو من سيحاسبهم، ثم لا تبخس مبادئ الناس الانسانية (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ)، فعليك أن تأخذ مبادئ العلماني وتؤمن بها إن تطابقت مع مبادئ العدل والرحمة، فالحكمة ضالة المؤمن، وإلا فأنت كذلك مجرد عامل توصيل “delivery boy”، تاه في حواري مدينة الأنفس لأنك بعد أن فقدت خريطتها الالهية.
صديق النعمة الطيب