مقالات سياسية

أيهما أولى يا قحت؟

محمد التجاني عمر قش

في الوقت الذي تسيل فيه الدماء السودانية القانية، بلا مبرر، من فتابرنو غرباً حتى بورتسودان، على ساحل بحر القلزم شرقاً، وفي حين تقف حرائر السودان في صفوف ممتدة، أملاً في الحصول على قطع معدودة من الخبز، وتصطف سيارات النقل العام والخاص أمام محطات الوقود من أجل التزود بلترات معدودة من الوقود>

 

في هذا الظرف المؤسف والعصيب، تنصرف قحت، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، إلى البحث عن تشريع يبيح لها توفير الخمور، المحلية والبلدية، لفئة من الجمهور، تحت ذريعة حقوق الإنسان، والتمهيد لممارسة الديمقراطية، مع ادخال تعديلات على القانون الجنائي يتيح لها غطاء تشريعي لتطبيق عقوبة الإعدام على من تعدى على المال العام، من كبار السن، حسبما جاء على لسان ساطع الحاج في لقاء تلفزيوني!  هذه التعديلات.

 

كما يبدو من ظاهرها والطريقة التي تمت بها، يشبوها الاستعجال والرغبة في التشفي من الخصوم وإعلان حرب لا هوادة فيها على دين الله والأخلاق والقيم في السودان؛ وهي لذلك لا تكتسب الحجية القانونية؛ لأنها صدرت من جهة غير ذات صفة أو مخولة بسن التشريعات؛ إذ أن ذلك من صميم عمل الجهات التشريعية التي لا توجد في السودان الآن.

 

وبالله عليكم أيهما أولى: توفير الخبز والغذاء والدواء والوقود وضروريات الحياة الأخرى، أم سن التشريعات التي تبيح شرب الخمر وممارسة الدعارة في بلد تتجاوز نسبة المسلمين أكثر من 90% في معظم أرجائه؟ وعملاً بمعايير الديمقراطية وشعارات قحت التي يرددها الرجرجة والدهماء من أناصرها، دون وعي أو إدراك لمضمونها، هل يتحقق العدل والسلام وتسود الحرية بهذه الطريقة السمجة التي تمارسها وزارة العدل السودانية، التي باتت تهدم أسس التشريع، بتنفيذ أجندة اليسار الذي لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا يراعي أولويات الناس من مأكل ومشرب وغيرها من المباحات؟.

 

هذه الممارسات لا يمكن أن يقبلها الشعب السوداني الكريم، الذي يأبى، بفطرته السليمة، مقارفة المنكرات والخبائث؛ خاصة إذا علمنا أن أجيالاً عديدة لم تر الحانات في شوارع العاصمة المثلثة ومدن السودان الكبرى ولم تجلس في “الأنادي”، ولا تعلم شيئاً عن المواخير وفتيات الليل، مثلما كان منتشراً قبل أربعين سنة أو تزيد، فهل تريد قحت، بقصر نظرها وضلالها، أن ترد الناس كفاراً بعد إذ هم مؤمنون؟  إن الله يأبى هذا لخلقه من كل الديانات والأعراق في السودان وغيره من البلدان، وأنتم الآن لا تحاربون الإنقاذ والكيزان، بل تحاربون الله، بطريقة مكشوفة، وهو يمهل ولا يهمل، فربما يجعل الدائرة عليكم، على حين غفلة، ويأخذكم أخذ عزيز مقتدر. أما الشعب، إذا رضي بما تفعله قحت، جهراً نهاراً، فليأذن بحرب من الله في الأرزاق والأرواح؛ لأن الله لا يرضى لعباده الفسوق والعصيان.

 

كان الأجدر بحكومة حمدوك السعي لرفع المعاناة عن كاهل الشعب، وتوفير مدخلات الإنتاج من وقود وتقاوي، وفرض هيبة الدولة وبسط الأمن خاصة في مناطق النزاعات؛ حتى يتفرغ المواطن لحرث الأرض وكسب قوته، وتفادي إزهاق الأرواح السودانية بهذه الطريقة البشعة التي نشاهدها في أكثر من موقع. لكن للأسف الشديد كما يقول المثل السوداني: “ذيل الكلب عمره ما ينعدل”.

والثورات في بعض دول الجوار الإفريقي انشغلت بالتنمية والاستقرار والبناء حتى قدمت نموذجاً رائعاً في هذا المجال؛ لأنها تجاوزت المحن والمرارات عندما تولى شأنها حكومات راشدة تنظر بعين البصيرة وتضع مصلحة بلدانها وشعوبها نصب عينها، بينما ابتلينا بمجموعات من الناشطين السياسيين الذين جل اهتمامهم هو التنكيل بالخصوم وتوفير الخمور، وتسهيل ممارسة الدعارة وشرعنتها

.

وفي هذا الصدد لا أجد أبلغ مما عبر به أحد الشعراء الغيورين على الدين والقيم والوطن فهو يقول:

أواه يا وطن، ها قد سنّ لنا           قانون معصية للرب عصيان

الخمر أضحى مباحاً يستلذ به       في أيما موقع، حيثما كانوا

والردة انطلقت من دون حرمتها      والعهر والزنا في العرف صنوان

مناهج العلم يبغونها محررة           لا آية بها ولا في النهج قرآن

الموت آت وفي التاريخ موعظة    قد ضل من قبل فرعون وهامان

أتحسبون معاصي الرب مكرمة      بئس الحصاد جناه اليوم برهان

ماذا تقول أيا حمدوك إن عصفت    بك المنية هل ينجيك شيطان

الشرع يحميه رب العرش يحفظه     ولن يخدش الدين إنس ولا جان.

 

إن ما يجري في السودان، على مختلف الأصعدة، ينذر بكارثة وشيكة لا تبقي ولا تذر، وحمدوك الذي كان الشعب يأمل أن يكون منقذاً له، صار هو نفسه المصيبة التي نبحث عن منقذ منها، فهو يتصرف كالذي فقد البوصلة، أو يئس من روح الله، والسودان يتجه نحو الهاوية الأخلاقية قبل الاقتصادية، واليسار لا يهمه سوى الانتقام وإباحة الفجور؛ حتى يرضي الذين يريدون أن يكون “البنقو محل الشاي، والعرقي يكون مجان” حسب بعض شعاراتهم التي يتداولها الناس عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ومن كان هذا همه فكيف بالله أنتم تستطيعون هدايته بعد أن استحوذ عليه الشيطان وعدّل قادة قحت القوانين لغوايته!

محمد التجاني عمر قش

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..