مقالات سياسية

الزراعة السودانية ومشاكلها ومناهج العلوم الزراعية بالكليات (9)

ب/ نبيل حامد حسن بشير

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث العلمي الزراعي

البحث العلمي الزراعي في السودان يقوم به بصفة أساسية هيئة البحوث الزراعية، وهي تتبع لوزارة الزراعة، أما ما يخص الانتاج الحيواني فتقوم به هيئة البحوث البيطرية وهي تتبع لوزارة الثروة الحيوانية سابقا ولا علم لي الى من تتبع الأن،  أما بالجامعات فيقوم أساتذة كليات الزراعة (12 كلية) وطلابهم  بقدر كبير جدا من البحوث في كل مجالات العلوم الزراعية قد يساوي أو يفوق ما تقوم به الهيئات والمراكز البحثية مجتمعة. كما أن هنالك بعض المراكز العلمية التابعة  لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأبحاث في مجالات الزراعة ومنها المركز القومي للبحوث، خاصة معهد أبحاث البيئة والموارد الطبيعية، وجزئية أخري يقوم بها معهد النباتات الطبية والعطرية.

من المعروف عالميا أن البحوث تجري  طبقا لخطط واستراتيجيات على مستوي الدولة مرتبطة باحتياجات الدولة وبرامجها وتمول طبقا لذلك. لو نظرنا الى الجهات البحثية اعلاه نجد أنها تتبع لجهات مختلفة وقد لا يربطها  ببعضها  أي صلات  بخلاف العلاقات الشخصية بين الباحثين. علما بأنه لا توجد قاعدة بيانات توضح عدد الباحثين وتخصصاتهم ومواقعهم بالسودان بحيث تكون متاحة  للوزرات و للباحثين انفسهم أو لمتخذي القرار وواضعي الاستراتيجيات أو الخطط أو البرامج!! ولكل جهة من هذه الجهات البحثية أهداف وخطط واستراتيجيات  لا علاقة لها بالجهات الأخرى. وفي أغلب الأحيان  يترك الموضوع البحثي للباحث وامكانياته العلمية والمعملية والمادية. لعمري هذا نوع من التخبط والرفاهية الفكرية لا تتماشي مع احوال البلاد  الاقتصادية. وفي أغلب الأحيان تقبع نتائج هذه البحوث بالأرفف والادراج ولا تري النور، علما بأن كل الجهات البحثية  العالمية والمنظمات و الجهات الممولة للبحوث تضع شرطا هاما واساسيا للتمويل وهو  (ما هو الأثر المتوقع للنتائج على الجهات المستهدفة من اجراء البحث).

فلنبدأ بالجامعات. البحث العلمي ككل، والزراعي على وجه الخصوص، ليس له استراتيجيات داخل الجامعات أو الكليات أو الأقسام أو حتى  بين أساتذة القسم الواحد! بل أن عمادات البحث العلمي بالجامعات نفسها ليس لديها خطط أو برامج تخص البحث العلمي وتركز على العمل الاداري داخل العمادة والجامعة فقط ولا تستطيع قبول أو رفض اجراء بحث ما حيث أنها لم تقم بتمويله وليس لها القدرة على السيطرة على  الاستاذ صاحب البحث! حرية البحث العلمي بالجامعات لا تعني اساءة الفهم لهذه الحرية. كما أن العديد من البحوث مكررة نظرا لغياب قاعدة البيانات، وهذا يعتبر اهدار  للجهد والمال والزمن. كما  لا ننكر ضعف الامكانيات المعملية وبالورش والمزارع التجريبية، ناهيك عن التمويل. أغلبية البحوث في الجامعات تجري  بغرض الحصول على درجة علمية ماجستير أو دكتوراه، وقد تنشر النتائج أو لا تنشر نظرا لعدم توفر مبالغ بالعملة الاجنبية  مقابل النشر بدوريات علمية محكمة. 

هناك مشكلة أكبر وهي تتعلق بما يسمي لجان البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والتي تطلب سنويا من أساتذة الجامعات  كأفراد أو كمجاميع أن يتقدموا بمقترحات بحثية للتمويل بواسطة الوزارة. هذه اللجان كونت منذ العهد  المظلم الظالم  وبواسطة الوزيرة السابقة وما زالت هذه اللجان  مستمرة وتمارس مكايداتها وأحقادها وعدم الشفافية وفرض الرأي حتى على كبارات البروفيسيرات بالجامعات، خاصة تلك التي خارج الخرطوم. بسببهم فقد العديد من الباحثين المتميزين  والدولة  تنفيذ بحوث كان من الممكن أن تقود الى حلول لمشاكل  أساسية ومؤرقة  لمتخذي القرار  والمنتجين والمواطن العادي. لابد من حل هذه اللجان وتكوين لجان بمعايير خاصة وخبرات عالية وتمثل فيها  كل الجامعات.

أما عن الهيئات والمراكز البحثية فان الصورة  لا تختلف جوهريا عن تلك التي بالجامعات مع بعض الخصوصية لكل منها.  أغلبية الباحثين والباحثات  الحاليين  ( أكثر من 90%) تم تأهيلهم محليا وبالإمكانيات الفقيرة والضعيفة وغير المواكبة المذكورة أعلاه بالكليات الزراعية. عدد كبير منهم لا يجيد الانجليزية مخاطبة وكتابة ،خاصة العلمية منها، أو أي لغة أجنبية أخري.  وكما ذكرنا في الحلقات السابقة أن مفاهيم الزراعة والتقنيات الزراعية الحديثة تغيرت تغيرا جوهريا.  وأن الباحثين  بالمراكز العالمية والجامعات الأن يفكرون بطريقة  لا علاقة لها  بما نقوم به نحن الأن حيث أن طريقتنا التقليدية الكلاسيكية أصبحت  تقريبا فاقدة للصلاحية  obsoleteبالنسبة لما  يدور في العالم وتعدوه بمئات السنين. يتطلب هذا  ابتعاث هؤلاء الباحثين الى انجلترا  وأميريكا  وهولندا تحديدا  حيث يستطيعون  ممارسة الانجليزية والتعرض للمستجدات العلمية من مفاهيم وأجهزة وتقنيات، والتعرف على أقرانهم  بهذه الدول وتبادل الأفكار  والبرامج والمشاركة في المؤتمرات وورش العمل المتخصصة اقليميا ودوليا.

هنا لابد من أن نركز على تأهيل المعامل والمزارع بأحدث الأجهزة البحثية لكل باحث، على أن نبدأ بمعمل مركزي متكامل لكل هيئة أو مركز، ولابد من مشاركة القطاع الخاص والمشاريع القومية في اعادة تأهيل هذه الهيئات والمراكز والمعاهد، حيث أنه لا  تطور بدون علم، وبدون حل المشكلات بما يتناسب مع ظروفنا، وتوفير المعلومات والبيانات والاحصائيات الدقيقة. لدينا ألاف العلماء وبمؤهلات معقولو نسبيا وفي كل التخصصات تقريبا، لابد من الاهتمام  بتحديث مفاهيمهم وتوفير بيئة العمل لهم  بدلا عن اللافتات التي نراها بالمكاتب والمعامل التي ينعق فيها البوم وتعشش فيها الطيور والخفافيش اليوم وتجعلنا  نسمع جعجعة في الاجتماعات ولا نري طحينا. هؤلاء العلماء كلفوا الدولة  مبالغ ضخمة، أملين أن يقدموا  لها الكثير، لكننا لم نوفر لهم  الوسائل، فاصبحوا محبطين ويحاولون أن يصنعوا من الفسيخ شربات!!! أن أردنا أن نطاع فلابد  من أن نطلب المستطاع. 

كل الدول حوالينا أصبحت جامعاتها ومراكزها البحثية على أعلي المستويات ومصنفة  تصنيفا عالميا متقدما، خاصة مصر، وكينيا ويوغندا وأثيوبيا، أيضا زامبيا وزمبابوي وبتسوانا،   ولا أريد أن أدخل في مقارنة مع  جامعات جنوب أفريقيا ونيجيريا. لا أتحدث  عن هذه الدول سماعيا،  لكنني رأيت كل هذا بأم عيني ولم تكن أقل من تلك لتي رأيتها بالولايات المتحدة  وانجلترا وفرنسا والمانيا  واليابان والهند. أما بنين وبوركينا فاسو وغانا والسنغال فهي تتقدم بخطى حثيثة، وبها مراكز تميز على مستوي العالم. ليس أمامنا الا أن نساله اللطف بنا (أمين).

ب/ نبيل حامد حسن بشير
[email protected]
جامعة الجزيرة
22//2020م

‫3 تعليقات

  1. كما وانه هناك لجنة تمكين لارجاع حق الشعب المنهوب …فانه يجب تكوين لجان علميه من كبار علماء السودان الذين جودوا علمهم بالخارج ومشهود لهم بذلك(وكاتب المقال أحد هؤلاء العلماء المعروفين فى مجاله) …يجب مراجعة كل الدرجات العلميه التى أعطيت فى فترة ال30 عام السابقه.ومن المؤسف أن حملة الدكتوراه والبروفسر بالسودان اصبح لا حصر لهم …والادهى فانك اذا راجعت أى ورقه علميه لاى من هؤلاء فستجد فرق كبير فى ما بين لغة البحث بالورقه العلميه ولغة الباحث الذى لا يستطيع تركيب جمله انجليزيه واحده سليمه .هؤلاء يجب نزع هكذا درجات منهم… سواء من هم بداخل او خارج البلد. لابد من العوده للابتعاث للخارج ( وذلك بعد انتقاء الكوادر المؤهله له وليس على مبدء المحسوبيه) وتجويد طرق البحث العلمى على اسس علميه بمستوى العالم المتقدم.

  2. يا دكتور بالإضافة لما ذكرت، وربما أهم مما ذكرت، أن مشكلة الزراعة في السودان هي السياسة، النخب السياسية كلها تفكر بعقليات طفيلية (يبحثون عن الكاش السريع الجاهز في البترول والذهب وصندوق النقد والبنك الدولي) أو عقليات انتهازية ترى أن كل ما لن تستفيد منه شخصيا لا يهم ولا يجب أن تبذل فيه جهدا.
    إن سيرة الزراعة في السودان هي الأشد حزنا بين كل سيَِر خزينا وفشلنا ولن نصير بشرا إلا يوم أن نعرف كيف نستغل الأرض والماء الذي حبتنا به الطبيعة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..