
في البدء لا بد من تذكير الجميع بأن الثورة الظافرة الباذخة التي إقتلعت نظام الإنقاذ الكئيب، لم تكن بتخطيط او تدبير حزب أو جماعة سياسية. هذه الثورة ولدت من رحم الثوار و في حواضنهم الشعبية.. و مهرها شباب يفع بدمائهم و دموعهم.. هي ثورة غضب ضد نظام ظالم و مفرط في السوء و الإنحطاط و التخلف.. ثورة كرامة عفوية ضد تسلط فئة باغية لم تراعي في الوطن و أهله إلا و لا ذمة، و ذلك سبب طهرها و نجاحها، أعني الثورة.. شباب و شابات في عمر الزهور تقاطروا بالملايين يملأون الشوارع ألقآ و بهاء و يرسمون لوحة خالدة لن تمحي من ذاكرة التأريخ أبدا.. و يرددون هتافات رومانسية و ثورية كأنها من وحي شاعر عبقري.. كان النبل الثوري في أقصي تجلياته.
عندما إتضح للأحزاب( كلها) و من يسمون بالنشطاء السياسيين أن الثورة هذه المرة بالغة أجلها و قد تأتي أكلها، بداوا في الإنضمام إليها زرافات ووحدانا… و عندما أنتقلت شرارة الثورة من الأطراف لتصم الهتافات الداوية آذان الطاغية و أتباعه في الخرطوم و بدأت تزلزل الأرض من تحت أقدامهم، بدأنا نسمع عن تجمع المهنيين، ثم قوي الحرية و التغيير.. و لأن أي ثورة أو تحرك جمعي يحتاج لقيادة تقوده و توجه بوصلته، رضيت الجماهير المتعطشة للنصر و المستعدة للتضحية بالمهج والأرواح، رضيت بمن تصدي للقيادة سواء كان تجمع المهنيبن، أو قوي الحرية و التغيير بعد ذلك.. و رأينا كيف لبي الثوار نداء تجمع المهنيين كلما دعوهم للخروج و لم يخلفوا وعدهم أبدآ. رغم العنف المجرم الذي إستعملته العصبة الباغية تجاه الثوار.
كان الأمل يحدو الجماهير الثائرة أن ترتقي القيادة الي طهر الثوار و الثائرات و نبلهم ، وأن ثلاثين عاما من الحكم العضوض كفيلة بأن تجعل القيادات تدرك خطورة المرحلة و حاجة البلاد الي أشخاص يضعون مصلحة الوطن و الشعب فوق أي إعتبار، حزبي كان او طموح شخصي.. و أن التجرد و السمو فوق الطموحات الذاتية هو السبيل الوحيد للنجاة و لتمهيد الطريق لحكم مدني يقود البلاد نحو التعافي و الانطلاق نحو التنمية و البناء. و لينعم هذا الشعب الصابر المحتسب بخبرات بلده التي أفاء الله بها عليه.. كان امل الثوار أن تمضي الفترة الإنتقالية دون تعقيد مخل، فالحكومة شكلت لمهمة محددة و محكومة بالوثيقة الدستورية التي تراضي الجميع حولها علي ما فيها من عوار و عيوب.
و لكن، ما أن هدأ غبار المعركة الصغري وهي معركة إزالة الطاغوت و القذف به في قاع مزبلة التاريخ، وبدأت المعركة الكبري، إلا وهي معركة التأسيس لدولة مدنية حديثة.. و هي المعركة الأهم و التي تمني الناس أن تنجب لهم أمثال مانديلا او مهاتير محمد ليقودهم نحو التعافي و البناء.. بدلآ عن ذلك خرجت علينا الأحزاب بكل موبقاتها و سيئاتها، و إنبرت تمارس كيدها و مكرها، كأنها لم تتعلم شيئا و لم تنسي شيئا.. و تبعها من يطلق عليهم ” النشطاء” السياسيين، يتبارون في أيهم يصيب الثورة في مقتل.. و أصبح الكل يسير مغمض العينين نحو الهاوية و الهلاك.. كأنهم لا يدركون أن ضياع هذه الفرصة يعني ضياع السودان و إلي أمد بعيد.. و ها هي احلام الثوار بالحرية و السلام و العدالة تتلاشى أمام ناظريهم ولا أحد يحرك ساكنا، فالكل مشغول بتقسيم الغنائم، علما بأنه لا توجد غنائم لتقسم، فالبلد في حالة اللاوجود.
فاليخرج علينا كل من يطالب بنصيب في السلطة و هذه المحاصصة البغيضة، ليفرد لنا كتابه، إن كان كتابه بيمينه و يرينا جرد حسابه في الثورة و الوطن..
و أيم الله إنهم جميعآ خائرون خاسرون، و لا أستثني منهم أحدآ.. يتقاتلون حول جثمان وطن مسجي، مثخن بالجراح، ينزف و يئن فلا يجد من أبنائه إلا العقوق و الإهمال. و ليعلم أولئك و هؤلاء، أن التاريخ يسجل و لن يرحم. و غدا لن يجدوا هذا الوطن الذي يتقاتلون حوله بكل بؤس وخيبة.. و سيندمون يوم لا ينفع الندم.
الا هل بلغت، اللهم فأشهد و الله من وراء القصد.
د. معتصم بخاري
قلت ….عندما أنتقلت شرارة الثورة من الأطراف لتصم الهتافات الداوية آذان الطاغية و أتباعه في الخرطوم و بدأت تزلزل الأرض من تحت أقدامهم، بدأنا نسمع عن تجمع المهنيين…..
والله يا أخ معتصم لولا إنى أعرفك شخصيا لقلت أن هذا الكلام صادر من شخص كوز …يادكتور تجمع المهنيين ده كان يعمل منذ ثورة 2013 بس فى سرية تامة ولو إنت ناسى د. محمد ناجى الأ صم كان مسجون أربعة أشهر بسبب قرائته لأحد بيانات تجمع المهنيين ولم يطلق سراحه إلا فى أبريل …