
اذكر انه كلّما حلَّت بالبلاد نكبة من النكبات أو ازمة من الازمات ، كان يخرج علينا أحد الانقاذيين فيقول : ما حل بالبلاد هو جزاء بما كسبت أيدي الناس ، وبالتأكيد الناس الذي يقصدهم هم ( المحكومين ) وليس (الحاكمين ) لأن الحاكمين عباد منزَّهون ، لا يعصُون الله ما أمرهم، ويحكمون بما أنزل الله بالعدل والقسط ، ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ، اما المحكومين هم الذين ابتعدوا عن الدين القويم وجروا وراء الدنيا وملذاتها ونسزا الخالق فانساهم انفسهم، بينما العكس هو الصحيح .
وحدث ذات مرة ان طلبوا من الناس التجمع في الساحة الخضراء بغرض الدعاء والاستغفار ،بان يلطف الله بالبلاد والعباد بازالة الغلاء ليعم الرخاء ، فمن اين سياتي الرخاء ويزيل البلاء ؟ وأنَّي سيستجاب الدعاء اذا كان النظام نفسه وضع حجر اساسه على الظلم ؟ وكان سادرا في غيه وظلمه حتى سقط سقوطا مدويا غير مأسوف عليه تحت ايدي الثوار في ثورة ديسمبر المجيدة .
اليكم اول نموذج من ظلم الانقاذ لانفسهم وليس للناس ولكنهم كانوا يشعرون وذلك مع بداية انقلابهم المشؤوم.
في موسم القمح بالولاية الشمالية عام استيلائهم على السلطة 1989م (اتحدث اليكم بلسان شاهد للواقعة وصاحب مشروع زراعي في تلك الفترة بجانب عملي بمهنة التدريس.) مع الحصاد مباشرة ظهرت مجموعة من رجالات اجهزة الامن مدجّجين بالسلاح ومعهم موظفين تابعين للمحلية ،امام كل مشروع زراعي بكافة قرى الولاية الشمالية ، وكأنهم الشياطين وهم يحملون فرماناً امنياً لا ندري من اي جهة صادرة .
مضمون الفرمان يقول على اي مزارع وليس صاحب مشروع زراعي فحسب، تسليم الحكومة ثلث ما انتجه من القمح بدون اي مقابل مادي او عيني . يعني ( قلعوا من الناس قلع ). بالرغم من انها لم تقدم لاصحاب المشاريع الزراعية ولا المزارعين أي دعم في مدخلات الانتاج ، لا سماداً ولا مبيداً ولا ديزل ولا زيوت ولا شحوم للطلمبات الرافعة للمياه.
والأدهى والأمر انهم اخذوا الثلث عنوة لا جزاءاً ولا شكوراً ودون ان يدفعوا مليماً واحداً مقابل تلك الالاف من الجولات التي تم نهبها ومصادرتها من المزارعين الذين كانوا يزرعون فقط لاستهلاكهم الشخصي وليس للبيع لان المنتج بالكاد كان يكفي المزارع حتى الموسم التالي يعني كأمن غذائي له ، واين ذهبت تلكم الكميات لا ندري حتى يومنا هذا ؟ والغريبة ان المزارع سلم قمحه للحكومة ودخل في رحلة البحث عن القمح ليشتري ما يكفيه لبيته ، يعني زرع وسلم الحكومة وبدأ يبحث عن القمح ليشتري !! وقد صاحب هذا التسليم تندر ساخر كانت تلوكه الالسن ( تلت للطير وتلت للزبير والمزارع فاعل خير ) ..
أما نموذج الظلم الثاني أيضا حدث في نفس عام انقلاب ما سمي زوراً بثورة الانقاذ الوطني ، في تلك الفترة كنت اشغل منصب السكرتير التعاوني للجمعية التعاونية لقريتنا الواقعة بمحلية عبري بالولاية الشمالية ، ذات يوم ،وصلني خطاب من محلية عبري معنون الى سكرتير الجمعية التعاونية ، مع صورة الى جهاز امن الدولة بمحلية عبري ، وصورة اخرى الى قسم شرطة قريتي .ومن مظروفه اتضح انه يحمل صفة السرية|، حيث كتب على المظروف ( سري للغاية ) ،أما مضمون الخطاب ، والذي كان أمراً عليَّ تنفيذه بموجب مواد ذكربالخطاب ، يطلب من سكرتير الجمعية ان يقوم بحصر سلع معينة اذكر منها ( سكر، شاي ، زيت طعام ، دقيق ) بكافة المحلات التجارية بالقرية، وافادة المحلية بالكميات الموجودة لدى كل تاجر ، على ان تقوم شرطة القرية في مرافقتي عند زيارة كل متجر .
بالفعل نفَّذنا ما أُمِرنا به وقد استجاب كل التجار خوفاً ،وافصحوا عن كافة الكميات الموجودة لديهم . وبعد ان ارسلنا كشفا بالقائمة التي حصرناها للمحلية ،وصلنا خطاب أخر ولكن هذه المرة من جهاز الامن التابع للمحلية ، يامرنا بالاستيلاء على كافة هذه الكميات من المحلات التجارية التي ذكرناها ،وان نقوم ببيعها للجمهور بأسعاروضعوها على هواهم بالخطاب، اي محدِّدين رطل السكر بكذا والشاي بكذا والزيت ووو .. ولكم ان تتخيلوا هذه الاسعار التي ارسلوها كانت أقل من قيمة شراء تاجر التجزئة المُصّادَر منه البضاعة من تاجر الجملة بنسبة 50% حيث عرضوا علينا فاتورة الشراء الاصلية ، يعني ظلم ما بعده ظلم .
هكذا قمنا بالاستيلاء على هذه الكميات تنفيذاً للأوامر الصادرة الينا من جهاز الامن ،وفي يوم مشهود جمعنا الناس وقمنا بتوزيع هذه الكميات للناس وهم كانوا في غاية السعادة لانهم اشتروا هذه السلع باسعار لم يكن ليحلموا بها من شدة الرخص . وبعد انتهاء البيع سلمنا كل الدخل لكل تاجر حسب الكمية التي استولينا منه . هكذا حاول الكيزان ان يكسبوا ود الناس بظلم فئة من الناس ، وهكذا حارب الانقاذ التجار البسيطين ليقفلوا محلاتهم، وبعد ذلك قاموا بمحاربة الجمعيات التعاونية فاغلقت ابوابها ، ليظهر بعد ذلك تجار جدد ، هم تجار الكيزان .
فانى يستجاب الدعاء اذا كان النظام اساسا غير شرعي ، ووضع قواعده واساسه على الظلم ؟ وسار في ظلمه ، وانني بكل ما شاهدت وعاصرت أرى ان كل ما يعلن من قبل لجنة ازالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الاموال يعتبر جزء يسير ويسير، لان ما خفي على اللجنة اعظم واعظم لان هؤلاء الناس لم يكونوا حكاما بل كانوا عصابة ممنهجة .لقد كانوا يحسبون انهم يظلمون الناس ولكن كانوا انفسهم يظلمون وهم لا يشعرون .