لن تستلم اصلا .. لن تستلم اصلا هكذا صرخ احدهم عبر قناة طيبة من تركيا جوار النوادي الليلة وبارات اروتاكوي ناسبا جهله للدين الاسلامي وعادات اهلنا بنهر النيل والشمالية رافضا تولي النساء السودانيات لمنصب حكومي.
انتظم الولاة المدنيين في اجراءات التسليم والتسلم من الولاة العسكريين الذين قدموا نموذج محترم في التعامل والتعاون معهم وهذه من أجمل لوحات ثورة ديسمبر المجيدة التي تعاني من تكالب القريب قبل الغريب لافشالها وايقاف تقدمها نحو تمدين السلطة وتحقيق الاهداف في إزالة التمكين وبناء سودان الحريه والسلام والعدالة.
خلال التسعة شهور الماضية كنا نقيم اداء حكومة من 18 وزير بعضهم غادر وبعضهم مكلف وتفاقمت عوامل سقوطها بضعف الاداء وتكالب الاعداء وصراعات النخب وتردي الخدمات وزيادة الضغوط المعيشية وبما انها صمدت بهيكل من 18 وزير آن الاوان ان يبدا التقييم والعمل الحقيقي للحكومة الانتقالية بتشكيل الحكومات الولائية المدنية.
آن الاوان لحركات الكفاح المسلح ان تستفيد من تجربة تعطيل تكليف ولاة لمدة 9 شهور فهذا الخطأ كاد ان يودي بالحكومة الانتقالية الى هاويه السقوط والعودة بالثورة الى نقطة البداية، بل زاد معاناة اهلنا وفاقم النزاعات والفتن وبث الروح في الزواحف وخرجوا من جحورهم التى دخلوها يوم السقوط.
آن الاوان ان يقول عبدالواحد وعبدالعزيز الحلو ماذا قدموا للفترة الانتقالية غير رفض التفاوض احيان وايقافه احيان اخرى وعليهم القول بكل وضوح ما الذي يمنع السلام؟ ما الذي يوقفهم من الانخراط في بناء الدولة وتأسيس الجمهوريه الثانية على المواطنه والسلام والعدالة فقد تحققت الحريه بشكل لم يعرف له السودانيين مثيل طوال ثلاثة عقود من القمع والاستبداد، فالدول لا تبنى بالسلاح والنصر على نظام المخلوع البشير وتشييعه لمزابل التاريخ لم يكن بالسلاح، والمطالبة بالحقوق لم تعد بالسلاح في دولة عرف شعبها دروب النضال السلمي وادواته المجربه والفعالة.
تعيين الولاة المدنيين خطوة ثانيه نحو استكمال هياكل السلطة ورغم ايجابية الخطوة تعلمنا من التجربه ان لا نحتفي بشخص الا من خلال عمله لا كلماته، اذا نجحوا في إزالة التمكين وتحسين الاوضاع المعشية لاهلنا حينها ستتحدت عنهم اعمالهم واذا فشلوا سيشيعهم الاهالي بأمر الثورة.
لن تكون المهمه سهله ولكن من قبل التكليف يدرك ان الولايات كانت الملاذ الاخير للفلول وسيقاوموا بكل ما يملكوا وسيلعبوا على التناقضات واشعال الفتن وستكون المعركة الاخيرة اشبه بزنقة كديس في زقاق والبدقس من الولاة بتخربش، وكلما تأخروا في حصار الفلول سيحاصروهم بالازمات والفتن ولكن الثورة التى انتصرت على نظامهم في ظل جبروته ستنتصر عليهم وهم يعانون من الفطام الجزئي الذي يجب ان يكون كاملا خلال الشهور القادمة.
سيسجل التاريخ للشباب تضحياتهم التي جعلت هذا ممكنا، وسيسجل للنخب صراعاتهم المكاسب على الذاتيه التي اضعفت الفترة الانتقالية وابطئت حركة السير نحو البناء، وسيسجل لبعض قادة الحركات انهم لم يقدموا للفترة الانتقالية سوى المزايدة ما استطاعوا.
فالشعب الذي لم تعد تنطلي عليه المزايدة باسم الدين هو ذاته الشعب الذي لم تعد تنطلي عليه المزايدة بالشعارات ويريد من يخوض معه معركة البناء لا التعالي فالتاريخ يصنعه العمل الدؤوب لا التمترس خلف الشعارات البراقه.
تقدمت جامعة الخرطوم بمبادرة البناء الوطني تحمل بذرة مشروع وطني ويمكن لجامعة السودان التقدم نحو ملف الصناعة وجامعة النيلين نحو ملف الاقتصاد والتجارة وجامعة الجزيرة نحو ملف الزراعة، والجامعة الاسلامية نحو ملف التطرف والمتاجرة بالدين، وجامعات ولايات دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان نحو ملفات السلام، وجامعات الشرق نحو ملف التعايش السلمي فتصاعد خطابات الكراهية والفتن المنتنه وصمه عار في جبين كل من خاض فيها ومن صمت عنها وعلى رأسهم الاكاديميين، ويمكن لكل ولاية ان تكون جامعتها الحاضنة الحقيقية للبناء بالتعاون مع الولاة المدنيين وفتح بوابتها على قضايا الشارع بدلا من اغلاقها بالحرس، فالولاة لديهم حاضنة سياسية برغم صراعاتها المخجلة، ولديهم حاضنة شعبية متمثلة في لجان المقاومة بكل ثوريتها وتجردها، ولكن تنقصهم حاضنة البناء القائم على تقديم الحلول العلمية، ونحن في مرحلة انتقالية بين السودان القديم بكل مشاكله، والسودان الجديد بكل احلامه، وبين الواقع المأساوي بكل ضغوطه، ولتكملة الانتقال يحتاج وطننا لكل ايادي الخير وبتجرد واقدام لا التعالي والخوف من خوض معركة البناء.
﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾
سيد الطيب – فيسبوك