
دشن تعيين الولاة المدنيين مرحلة متقدمة في مطلوبات السلطة المدنية والتي تشكل أحد أهداف الفترة الانتقالية التي طرحتها ثورة ديسمبر المجيدة، هذا القرار الذي تأخر كثيراً (كعادة حمدوك) صنع تداعيات عميقة أضافت تعقيدات ليست بالسهلة على كامل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي، بل أكثر من ذلك أضرت بهيبة الثورة وصورتها في قلوب كثير من أهلنا في الولايات، حيث حافظت الولايات على كامل وجود الطاقم الإنقاذي القديم بكل سلوكه وممارساته التي كانت أحد أسباب ثورة الشعب في ديسمبر، خاصة في الجانب الأمني، وهو التحدي الكبير الذي سيواجه كثير من الولاة، خاصة في دارفور وكردفان وبعض ولايات الشرق خاصة في كسلا.
هذا التحدي سيكشف عن قدرات حكومة حمدوك في قراءة المشهد بشكل كلي واستراتيجي وكذلك قدرتها على امتلاك آليات تنفيذ وضع أمني جيد.
الانفلات الأمني الخطير الذي تشهده بعض ولايات دارفور وكردفان يجب عدم التعامل معه بالتبسيط الذي درجنا على سماعه بأنه مجرد صراع قبلي، لأنه في حقيقته مرتبط بعدة دوائر وعناصر منها:
1/ عدم امتلاك حكومة حمدوك لأي قدرات وأدوات تمكنها من وضع استراتيجية أمنية شاملة للبلد، لأن الجيش والشرطة والدعم السريع بيد المكون العسكري، مما جعلها خارج إطار سيطرة الحكومة المدنية.
2/ سيطرة النظام القديم على كل مفاصل القرار في الولايات، مما أتاح له حرية الحركة والقدرة على افتعال الصراعات بين القبائل مع توفرهم على علاقات ممتدة ومستمرة مع المتفلتين من جميع القبائل.
3/ وجود المليشيات التي سلحها النظام السابق بكامل قوتها وعلاقاتها سواء بالنظام القديم أو حتى متنفذين.
4/ التحريض وخطاب الكراهية الذي يقوم به بعض النشطاء في الوسائط الإعلامية وبشكل يومي ومكثف.
5/ تضرر كثير من القوى الاجتماعية من سقوط النظام البائد، فهي تمارس التحريض حتى تكون ضمن المعادلة الجديدة للسلطة والمصالح.
6/ الصراع المستتر بين الحركات في من هو الأحق بتمثيل الهامش.
7/ الصراع حول الأرض والموارد.
8/ غياب سلطة وهيبة الدولة..
إذاً يجب عدم اختزال الحل في توقيع اتفاق مع الحركات سواء في الجبهة الثورية أو خارج إطار الجبهة الثورية مع أهمية الوصول لتفاهمات مع حاملي السلاح، لأن القضية تجاوزت قضايا سياسية وأمنية فقط لتصبح ذات أبعاد اجتماعية، ومثل هذه القضايا يجب أن تحل من داخل حقلها الاجتماعي، ولذلك نقترح على حمدوك وحكومته وحكام ولاياته الآتي:
1/ وضع القوات النظامية الأمنية والعسكرية تحت سيطرة الحكومة المدنية، هذه مسألة مفتاحية لابد منها، فعدم حسمها والدوران على تخومها لن يفضي لأي تقدم في الفترة الانتقالية وخاصة في الجانب الأمني.
2/ عقد مؤتمر للسلم الأهلي لكل الفعاليات السياسية والأهلية…. إلخ، في دارفور وكردفان، ومناقشة كل جوانب المشكلة، الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ.
3/ جمع السلاح من الجميع.
4/ العمل على إنزال مشروع العدالة الانتقالية لأرض الواقع بالتوازي مع عمل مصالحات قبلية.
5/ التوجيه الصارم للولاة بالإسراع في تفكيك التمكين وإزالة الفساد من الولايات.
المسألة الأمنية في ولايات دارفور وبعض ولايات كردفان يجب التعامل معها بجدية وتجاوز البرود ومنهج إطفاء الحرائق الذي تتعامل به حكومة حمدوك، فالقضية ملحة وتحتاج لإرادة سياسية وشجاعة وعدم الخوف من خوض معارك سياسية، أياً كانت، حتى ولو مع جزء من السلطة، لأن الوضع لا يحتمل التسكين والتخدير والتردد، إنه زمن فرضت فيه المعطيات ضرورة المواجهات والشفافية العالية والإيمان المطلق بأهداف الثورة والثوار.
ثم يأتي التحدي الكبير الخاص بالوضع الاقتصادي الذي فشلت فيه حكومة حمدوك حتى الآن بامتياز، فالجميع يعلم ان الضائقة المعيشية كانت هي أداة الاشتعال لكثير من الثورات والانقلابات والتغييرات الكبرى، وقد شهدنا في سبتمبر 2013م تلك الهبة العظيمة والتي كانت نتيجة لقرارات سلطة الإنقاذ بتحرير سعر الوقود حسب اتفاقها مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ وصفته، وكذلك ذات الأسباب كانت الشرارة التي فجرت ثورة ديسمبر العظيمة والتي أطاحت برأس النظام
البائد، والإجابة البسيطة لاستمرار التدهور الاقتصادي حتى بعد إسقاط نظام الإنقاذ، هي في السير بذات النهج والسياسات الاقتصادية لنظام الإنقاذ، فالحكمة تقول لا يمكنك أن تسلك ذات الطريق وتحلم بالوصول لمكان مختلف، ومن جرب المجرب حاقت به الندامة.
ظللنا ننبه د. عبد الله حمدوك بأن نجاح الفترة الانتقالية رهين بإحداث قطيعة كاملة مع نهج وسياسات النظام السابق، هذا هو المعيار المنطقي لقياس ومعرفة هل نسير في الطريق الصحيح أم لا.
لذلك نقول لسعادة رئيس الوزراء المحترم أن الأخذ بمقترحات اللجنة الاقتصادية هو الطريق الوحيد للخروج من هذه الحفرة، فاستمرار الهروب للأمام بتجريب رفع الدعم مرة ثم تعويم قيمة الجنيه السوداني كلها حلول كاذبة وزائفة لأزمة حقيقية، وتجعلنا كمن يطارد ظله.
خاتمة:
وهي رسالة للسيد رئيس الوزراء، أن هناك مواجهتان ضروريتان عليك دخولهما بعنفوان الثورة، وكل جماهير الثورة ستكون أمامك وخلفك، لأهميتهما في تحقيق الأمن وتحسن الاقتصاد:
1. السيطرة التامة على الأجهزة الأمنية والنظامية.
2. استرجاع كافة الشركات المملوكة للجيش والأمن والدعم السريع لمصلحة وزارة المالية.
د. أحمد بابكر
[email protected]