بالعدالة وبمحاربة الفقر يأتي السلام !!!

بكل تأكيد ما شهدته بعض ولايات الغرب والشرق والنيل الأزرق من أحداث قبلية ،ونعرات إثنية ،واقتتال دامٍ بين مكوناتها الاجتماعية المتنوعة شئ مؤسف للغاية ويندى له الجبين ، حيث فقدت المئات أرواحها ، والالاف مساكنها ومتاجرها ومزارعها
التعايش السلمي من أهم قواعد ثورة ديمسبر المباركة والتي قامت على دعائم وأركان أساسية ثلاثة ( حرية ، سلام ، عدالة ).
هذه الأركان الثلاثة تعتبر في غاية من الأهمية ، وخاصة ركنا ( الحرية والعدالة ) لان في تحقيقهما يكمن جوهرالسلام وبغيابهما ينفرط عقد الأمن، ويغيب السلام وينوب عنه الاقتتال والتناحر القبلي ،ولا يمكن أن يحدث تعايش سلمي بين مكوِّنات أي شعب اذا انتشر الفقر بينهم وغابت العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وأُهدِرت حقوقُهم، فحينما يشعر الفرد بان ثروة بلده تؤثرعليها فئة دون أخرى، وحين تشعرمجموعة أو طائفة بتفضيل أو تمييز مجموعة أو طائفة اخرى على حسابها ،فعندئذٍ تختل موازين الدولة والتعايش السلمي بين افرادها، وبالتالي يولد ذلك الإجراء الضغينة في نفس المُهمَّش الذي وقع عليه الظلم ، فيحاول أن ينتقم باي أسلوب يراه مناسبا قتلاً كان أو سرقة أو تخريباً .
الحرية والعدالة والمساواة غابت في عهد الظلاميين، فناب عنهما الاقتتال والتشظي ،وكانت نتيجته الحتمية انفصال جزء عزيزٌ من الوطن ،جنوب السودان الذي مازلنا ندفع فاتورة إنفصاله حتى يومنا هذا .فكيف يشيعُ السلام والعدالة مفقودة أو منقوصة ؟ لا يمكن ان يتحقق السلام بمعزل عن العدالة والحرية .
بنجاح ثورة ديسمبر المجيدة تحقّق أول ركن من أركان الثورة وهو الحرية والديمقراطية ، فيمكن لأي شخص في ظل الحرية التي ننعم بها حالياً ،اذا شعر بأنه مهمَّش أو أن حقوقه مهضومة فيمكنه أن يتقدم بمطالبه أو بتظلّمه بكامل الحرية التي كفلها الدستور ، واذا لم يجد حلاً مرضياً فعليه أن يصعِّد طلباته بالمظاهرات والاعتصامات الحضارية كما حدث في ( نيرتتي بمنطقة جبل مرة ) فلا تستطيع قوة في الأرض أن يمنع شخصاً أو جماعة وقع عليها الظلم أو التهميش من أن يعبروا عن مطالبهم واعتراضهم بشرط ان يتم ذلك باسلوب حضاري، أما الجنوح الى العنف لتحقيق اي مأرب أو مطلب باسلوب الاقتتال والعنف، فهذا مرفوض عُرفاً وأخلاقاً وقانوناً ولا تقر به كافة الشرائع السماوية أو الارضية ،وكذلك المواثيق المحلية والدولية وحقوق الانسان .
بعض عناصرالنظام السابق يحاولون إعادتنا الى المربع الأول الى عهد الاقتتال الطائفي والقبلي، وذلك بزرع الفتن أو ايقاظ النائمة منها هنا وهناك، لينالوا من الثورة التي إجتثَّتهم . لا يمكن ان يتحقق السلام في ظل عدالة مفقودة أو منقوصة ، ولهذا تحاول حكومة الثورة جاهدة ان تبني أركان نظامها على العدالة والمساواة .
النوبيون كما ذكرنا في مقال سابق ،بطبعهم متسامحون ويتعايشون مع أي مكوِّن اجتماعي آخر من مكوِّنات الوطن في تجانس وإخاء، لانهم بالفطرة يعيشون في لُحمة متماسكة في جماعات وافراد في نسيج وتكافل اجتماعي قوي الترابط .
بعد التهجير من حلفا القديمة الى الجديدة في منتصف ستينيات القرن الماضي ، وبالرغم من توزيعهم في قري متباعدة وبارقام مختلفة لكل قرية، مازال التواصل مستمراً بينهم ، ويتعايشون بانسِجام حتى مع القبائل الأخرى التي زحفت الى داخل قراهم وشاركتهم في الاقامة فيها جنباً الى جنب مع اصحاب الارض ،والعمل معهم في حواشاتهم الزراعية ،مثل الزغاوة والهدندوة والزبيدية وغيرهم ،تلك القبائل التي تختلف في لغتها وعاداتها وتقاليدها وعرفها مع النوبيين ، هكذا كانوا ومازالوا يعيشون مع بعضهم نحو أكثر من نصف قرن مضى ، ولكن يبدو ان هذا التجانس كان لا يعجب بعض دعاة الفتنة والفرقة الذين للأسف الشديد نجحوا في ايقاع الفتنة بين هذه المكونات المتعايشة ، فحدث ما لا يحمد عقباه قبل يومين ، حيث شهدت حلفا الجديدة وتحديداً القرية (10) (مُرشد) فتنة مدمِّرة نتجت عنها اشتباكات عنيفة بالاسلحة البيضاء بين أبناء تلك القرية ومجموعة من الزغاوة، لم يحدث مثلها منذ تهجير الحلفاويين قبل اكثر من نصف قرن. نتجت جراء تلك الاشتباكات اصابات بينهم مع تخريب وتدمير وحرق عدد من السيارات والمنازل والممتلكات الأخرى .
لكي لا ينفرط عقد الأمن أكثر فأكثر ،على الدولة أن تعمل على نشر ثقافة الوعي بين المواطنين ،ورتق النسيج الاجتماعي بكافة الولايات ،وأن تبسط هيبة الدولة بفرض سيادة القانون لحماية كل المواطنين على اختلاق تنوِّعهم ومشاربهم الفكرية والثقافية والعقدية والاجتماعية ،وان تفكر وتعمل بكل جدية في محاربة الفقر لأنه اساس كل هذه المشاكل التي تحدث بين المكونات القبلية في السودان ، لان السلام لا يمكن ان يتأتى في ظل تنامي الفقر بين المواطنين.
أ/ عوض كفي
[email protected]
امك وضعتك كرها اي تكرهك يبكون بعيونهم عدالة ماذا .عدالة ابيك ابيك هو الله افهموا الدنيا لكل فعل ردة فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه .