الرطانة والبربر سلاحان في خاصرة الحضارة الأفريقية

:الظواهر الإجمتاعية الثقافية: اللغة، الدين، العادات، التقاليد وجميع المظاهر الثقافية الأخرى, هى ظواهر طيبة وتشكل نقاط للتلاقي والتواصل والتبادل الثقافي بين الشعوب. اللغة مثلا؛ هى فى الأصل وسيلة للتواصل بين الأفراد داخل المجتمع الواحد الذين تجمعهم اللغة المشتركة بينهم، ولكن اللغة لا تقف عند هذا الحد، بل هى تمثل جسر للتواصل حتى بين المجتمعات في ما بينها لأن اللغة ليست وسيلة جامدة كما أيضا تمثل وسيلة للإكتساب المعرفة والعلم.
رغم هذه الصفات الطيبة و الكسب الكبير التي تحققها اللغة، إلا أن الطامعين و الطغاة يستخدمونها كسلاح في صراعاتهم الحضارية ذات النفوس الاستعمارية، وذلك بغرض تدمير الثقافات والحضارات المجتمعات الأخرى.
ففي العالم القديم كانت الامبراطورية اليونانية Greek Empiree تسبط سيطرتها ونفوذها على الشعوب العالم. فكانت اللغة اليونانية Greece Language هي اللغة الصاعدة أنذاك، و بحكم التطور الذي شهد الحضارة اليونانية، أصبح شعوب العالم يتسابقون نحو اليونان والثقافة اليونانية؛ مما شلكت فرصة للطامعين في إستعلاء الثقافي، فقام القائمين على أمر ذلك الصرع العالمي بإطلاق مصطلح “البربر” على الشعوب الذين يتحدثون لغات غير اليونانية. ومفردة “بربر” في اللغة اليونانية تعني الكلام غير المفهوم (الهرتقة). في إشارة واضحة إلى أن اليونانية هى الأصل اما البقية هي مجرد هرتقة. وكانوا يسمون الذين يتحدثون غير اليونانية ب”البرابر”أو المهرتقين. فأصبح كلمة البربر سخرية تهرب منها الناس, مما جعلت اللغة اليونانية رمانة ذلك العهد. فاصبحت اليونانية هي الوجهة التي تتسابق إليها الجميع، وقد ساهمت هذه الواقعة في موت معظم لغات العالم القديم في اسيا وشمال إفريقيا وغرب أوربا. في شمال إفريقيا مثلا لم تصمد امام المد الثقافي اليوناني سوى الامازقية وبعض اللغات النوبية، التي نافست اليونانية بقوة وتمكن من البقاء، كما ظلت الامازقية إلى الان هي واحدة من أقدم لغات إفريقيا وهي تمثل مفخرة إنسان شمال أفريقيا الصحراوي.
و اللغة الأمازيغية سهامت في الحفاظ والبقاء على كونونة هذه القارة، كما خرجت منها كلمة إفريقيا نفسها، التي أصبحت لاحقا اسم هذه القارة، وإستعارتها جميع لغات العالم منها. فكلمة أفريقيا في الأصل هي كلمة مركبة من كلمتين هما: “إفري و كان”. “إفري” تعني السكان و “كان” تعني الكهف او الكهوف، حيث تعني مركب “إفري كان” سكاني الكهوف. وجاءت هذه التسمية نيجية للإختلاف المناخي بين شمال القارة وجنوبه، شمال القارة هي منطقة صحراوية فساهم هذا المناخ الصحراوي في تشكل طبيعة الحياة ساكن هذه المنطقة، فكانوا يستخدمون الأبنية الطينية في مساكنهم، وهم من أناس ذوات البشرة البيضاء. بينما تطغى جزء الجنوبي من القارة مناخات اخري: من السافنا الفقيرة إلى الغنية كلما اتجهت جنوبآ إلى المناخ الإستوائي، وهذه المناخات الجنوبية ممطرة وغابية وبه حيوان كثيرة. وفق هذه الطبيعة كانوا سكان جنوب القارة يستخدمون الكهوف مساكنا لهم للوقاية من المطر والحيوانات المفترسة وهم من البشر ذوات البشرة السوداء. فكان يطلق على سكان هذه القارة البيضان والسودان حسب ألوان بشرتهم، بينما كان البيضان في الشمال يطلقون على السودان في الجنون سكاني الكهوف نسبة لإتخاذهم الكهوف مساكنا لهم. فسار هذا الاسم لاحقا اسم للقارة كلها، باللفظ الأمازيغي إفري كان.
وفي هذا الزمان وإيضا في بلاد السامرا “إفريقيا” وبالتحديد في دولة السودان ظهرت مصطلح “الرطانة” التي تعني بعربية كلام غير المفهوم شأنها كشأن البربر قديما. هي إشارة إلى جميع اللغات المحلية وإقليمية دون العربية واللغات العالمية الأخرى كالانجليزية والفرنسية…الاخ. وهذه المفردة كثيرة الاستخدام وسط السودانيون النوبون المستعربون الذين ماتت لغاتهم بسبب تسارعهم نحو العربية بحجة نزول القرآن بها.
الرناطة هو السلاح الثاني الذي استخدم ضد الثقافات الإفريقية وكما البربر! الرطانة أيضا ساهمت في قتل العديد من اللغات السودانية خاصة في شمال، حيث أصبح الناس يهروب من عن يطلق إليهم لفظ الرطّانة. فأصبحوا يتسارعون نحو العربية واللغات العالمية الأخرى فأهملت لغاتهم إلى أن مات الكثير منها ولم يبقى إلا القليل. و من المؤسف جداً عن تجد كتَاب أمثال مكي شبيكة الكاتب السوداني الشهير صاحب كتابي(وقفات في تاريخ السودان, وتاريخ السودان القديم) و الكاتب اللبناني المُتسوّدن رفيق المستعمر نعوم شقير يوردان كلمة “بربر” في كتابتهما عن تاريخ السودان مؤشران إلى قبائل الملثمين في منطقة المغرب بشمال غرب إفريقيا والغزازفة في ليبيا ومجموعة الملثميين في النيجر والمالي وتشاد وحتي غرب السودان.
ادم على عبدالله
[email protected]