مقالات سياسية

السودان: مؤتمر المانحين… مغالطات وتناقضات

د. التجاني الطيب إبراهيم

” قال الخبير الإقتصادي الدولي الدكتور التجاني الطيب في تصريحات خاصة (لخبطة نيوز) أن جملة الدعم النقدي من المبالغ التي قدمها مؤتمر أصدقاء السودان تبلغ 600 مليون دولار في حين أن المبالغ التي قدرتها الحكومة للخروج من الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني منها السودان حالياً من (5 إلى 8) مليار دولار ولهذا يعتبر المؤتمر فشل في تحقيق الدعم المطلوب نتيجة أخطاء في التنظيم والتوقيت وتحديد الأولويات والأهداف.
وأضاف أن الدعم في هذا المؤتمر مشروط بتنفيذ الإتفاق الذي يتضمن حزمة سياسات إقتصادية قاسية مع البنك الدولي (صندوق النقد الدولي) في رفع الدعم وتعويم الجنيه.

وأوضح التجاني أن الدعم المقدم في هذا المؤتمر قطرة ماء في محيط لا تسوى الصخب الإعلامي قبل وأثناء وبعد المؤتمر. وأن من أسباب الفشل التصريحات غير الموفقة مثل تصريح إقامة محفظة تجارية بمبلغ 2 مليار دولار مما أعطى المانحين الإنطباع أن السودان ليس لديه مشكلة حتى يستحق سخاء الدعم كما أن السلطات السودانية لم تقدم الدلائل والبراهين لعرض حاجة السودان الملحة للدعم النقدي بتقديم عرض مفصل للأوضاع الإقتصادية المتردية ناهيك عن وباء الكورونا وأوضاعه الكارثية.

وطالب الخبير الدولي بعدم خداع الناس والكشف عن فشل المؤتمر في خطاب واضح حتى لا يحصد الناس الهشيم ووضع رؤية لبرنامج إصلاح إقتصادي وطني لتركيز الإقتصاد ثم التوجه شرقاً قبل الهرولة نحو الغرب وصندوق النقد الدولي”. (إنتهى).

التصريح أعلاه نشر بعد يوم من نهاية مؤتمر المانحين في برلين (25 يونيو، 2020م)، بناء على طلب المصدر المذكور لقراءة أولية لنتائج المؤتمر المالية، خاصة الدعم النقدي المقدم. أما كيفية إخراج التصريح، فهذا شأن الناشر وليس مصدر الخبر كما هو متعارف عليه في عالم الإعلام. والخبر لم يكن حدثاً فريداً أو وحيداً في حد ذاته. فقبل أن يغادر المجتمعون قاعات إجتماعاتهم، كانت وسائل الإعلام الداخلية والخارجية تعج بالتصريحات السالبة والموجبة حول نتائج المؤتمر. أما تصريحنا، فقد تناقلته ثلاثة وكالات أنباء خارجية، ولم يحظ في الإعلام الداخلي بنصيب، فإكتفينا بنشره للعامة على صفحتنا في الفيسبوك، فأختلف معنا بعض وأتفق معنا بعض آخر من القراء. لكن “تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن”، ففجأة جاءنا من نفر عزيز عبر الواتساب تحليلاً مطولاً للخبر بدون عنوان مزيل في آخره باسم …، في مسعي يجافي أدبيات النشر وأخلاقه وتقاليده. فالدكتور المذكور عمل عدة سنوات بالبنك الدولي في مجال التعليم أثناء تواجدي هناك (1967 – 1986م)، بعد أن ترك بصماته في حقل التعليم العالي كأحد كبار مساعدي الراحل المقيم دكتور منصور خالد – له الرحمة والمغفرة – أبان فترة توليه وزارة التعليم العالي خلال الحقبة المايوية. رجل بهذه الخلفية، يفترض أنه يعرف أن التعليق أو التحليل لأي مادة منسوبة لمصدر يتم في نفس مكان نشر المادة، على أقل تقدير، لمعلومية الناشر ولإتاحة الفرصة للمصدر للإطلاع والرد أو عدمه (الأمانة المهنية)، وليس على صفحات قروبات التواصل الإجتماعي دون علم الناشر أو المصدر. ثانياً، يبدو أن الدكتور أختلط عليه البقر بخلطه بين الخبر والتحليل، فالخبر هو إضاءة أو إضاءات سريعة لحدث ما، ينما التحليل هو حصيلة معلومات وبيانات موثقة تتطلب مساحة واسعة للطرح والعرض والمناقشة. في غياب ذلك، من السهل جداً تحويل الخبر إلى مادة تحليلية محشوة بخواطر وأقوال وحتى تحريفات لا علاقة لها بالخبر أو مصدره لإشباع شهية الكاتب لشئ في نفس يعقوب، كما فعل الدكتور، الذي لا نعرف له مساهمات تذكر في الكتابة والتحرير والتحليل للإقتصاد السوداني خلال الأربعة عقود الماضية. أما ردنا فسنرسله أولاً للمصدر، الذي كشف لنا المستور، على أمل أن يصل الرد عبره إلى الذين وصلهم تحليل الدكتور. بعد ذلك سنضع الرد على المنابر العامة لعلم كل الذين إطلعوا على تحليل الدكتور أن الأمر لم يمر دون رد كما توهم البعض.
تعليق: في مجمله، التحليل ساده – للأسف – عدم الدقة المعلوماتية والمصداقية العلمية والمهنية. فما كُتب لا يعدو أن يكون مجموعة مغالطات وتناقضات إنشائية وتحريف في الإقتباس حيناً غير مؤسسة لا علمياً ولا منطقياً تنساق حسب ذوق وإشتهاء المحلل. فبادئ ذي بدء، قال الدكتور: “لا شك في أن الخبير الدولي الأخ التجاني… يعلم جيداً أن الوضع الإقتصادي العالمي المتردي والصعوبات المالية التي تعاني منها جميع الدول صغيرها وكبيرها لإنتشار مرض الكورونا. فعليه فإن إنعقاد مؤتمر المانحين في هذه الظروف الصعبة في حد ذاته إنجاز كبير وأن تحضره أكثر من خمسين دولة وكل مؤسسات تمويل التنمية المعنية على مستوى الرؤساء إنجاز غير مسبوق.”!

الرد: أولاً: قبل المؤتمر بشهرين، نشر لنا محلياً (صحيفة الصيحة) وعالمياً (الراكوبة) مقالة مطولة عن تداعيات الكورونا بعنوان: “وباء الكورونا وتداعياته الإقتصادية – قراءة أولية “، لذلك فمن المدهش ألا “يعلم” المحلل المتابع لأخبار الإقتصاد السوداني أننا سبقناه في هذا المضمار دون الحاجة لتذكير من أحد. أما القول بأن قيام المؤتمر “إنجاز كبير” دون ذكر المقياس لتحديد ما هية ذلك الإنجاز (المطلوب مقارنة مع الحصيلة كما ذكر في الخبر)، فهو قول عاجز لا قيمة مضافة له. ثانياً: المؤتمر لم تحضره، “أكثر من خمسين دولة، كما ذكر المحلل، وإنما 40 دولة فقط بحسب قائمة الحضور المرفقة مع البيان الختامي للمؤتمر! ثالثاً: القول بأن حضور المؤتمر، “على مستوى الرؤساء إنجاز غير مسبوق”، فهو غير صحيح! فلعل الدكتور قد سمع بمؤتمري أوسلو واحد (2004م)، وأوسلو أثنين (2008م) لدعم إتفاقية السلام في جنوب السودان، اللذان أمهما ضعف الرؤساء الذين شاركوا في برلين ومن كل أنحاء العالم، بينما غاب العالم العربي والإسلامي من برلين بصورة لافتة ومخجلة. ولذلك، كنا نتوقع أن يطرح المحلل السؤال البديهي عن أسباب ضعف حضور العالم العربي والإسلامي للمؤتمر بدلاً من محاولة نفخ الفار ليصير فيلاً.

تعليق: ويواصل الدكتور عملية النفخ والتضخيم فيتحفنا بقوله: “… فقد كان المدهش أن يبادر البنك بالبحث عن وسائل غير تقليدية وفكر خارج الصندوق لمساعدة السودان فبادر بإنشاء وإدارة صندوق متعدد الأطراف.. لتمويل برنامج السودان لمساعدة الأسر الفقيرة والمساهمة فيه بمبلغ 400 مليون دولار.. كما سيسعى البنك لمساعدة السودان لإيجاد حلول لملشكلة الديون الخارجية..”!

الرد: هذا الإطراء يذكرنا بشعار بدايات مايو: “أبوكم مين.. نميري”! فيبدو المعلق وكأنه يمني النفس يرفع شباب ثورة 2019م، نفس الشعار مع وضع إسم البنك الدولي بدلاً من إسم نميري، عليه الرحمة. فبرنامج دعم الأسر الفقيرة هو الدعم النقدي الشهري المباشر، الذي وصفه السيد وزير المالية المستقيل بأنه: ” توجه عالمي لدعم المواطن بصورة مباشرة، يمكن أن يكون دعماً كلياً يسمى الدخل الأساسي الشهري” (أنظر جريدة التيار، 25 نوفمبر 2019م، صفحة 3).

يكلف البرنامج حوالى 2 مليار دولار في العام، ومن شبه المستحيل تمويله في ظل أوضاع السودان المالية الحالية ومساعدات المانحين المحدودة وغير المستدامة، بما في ذلك مساهمة البنك الدولي المذكورة، والتي لا تمثل إستثناءاً للسودان. لذلك، فالحديث، “عن وسائل غير تقليدية” والتفكير، “خارج الصندوق”، هو مجرد تغريد خارج السرب بعيداً عن جوهر القضايا وليس فيه ما يدعو للدهشة. أما بخصوص الدين الخارجي، فقد بدأت المشكلة منذ عام 1983م، فأين كانت عبقرية البنك الدولي طوال العقود الماضية ليأتي في 2020م ، من يريد أن يوهمنا بأن لدى البنك عصا سحرية لحل مشكلة ديون السودان الخارجية. فمعالجة المشكلة تحتاج إلى تغيير سياسات الصندوق والبنك وليس إلى تفكير “خارج الصندوق”. هنا أيضاً، لم يكن التوفيق حليف الدكتور في عدة نقاط. أولاً: برنامج الإصلاح الإقتصادي المذكور هو برنامج بدون تمويل ويشرف عليه موظفو الصندوق وليس المجلس التنفيذي للصندوق، وهو البرنامج الوحيد المتاح للسودان لأن السودان غير مؤهل للإقتراض غبر برامج الصندوق الممولة بسبب متأخرات الديون. لذلك، فهو شرط أساسي لإنعقاد مؤتمر المانحين والوصول إلى نقطة القرار بالنسبة لمبادرة الهيبيك (أنظر أدناه). وبالتالي فالصندوق لم يمن على السودان بشئ يستحق الثناء. ثانياً: مرة أخرى إختلط البقر على المحلل، فليس هناك “مبادرة معالجة الديون للدول النامية عالية المديونية (hipc)، ولا علاقة لذلك بالمبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (Heavily Indebted Poor Countries Initiative – HIPC Initiative9) وإختصارها هيبيك (أنظر معجم مصطلحات صندوق النقد الدولي، 2008م، صفحة 183).

ثالثاً: ليس صحيحاً أن رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيؤدي تلقائياً إلى الإستفادة من مبادرة الهيبيك. فهناك ثلاثة شروط لا بد من إستيفائها قبل ذلك: (1) النجاح في تنفيذ شروط برنامج الإصلاح الإقتصادي المدار بواسطة موظفي الصندوق. (2) تأكيد المانحين، بما فيهم أمريكا، إستعدادهم لإطفاء ديون السودان، وهذا ما لم يحدث في برلين! (3) تكلمة “ورقة الإستراتيجية لتخفيف حدة الفقر PRSP”، التي لم تبارح مكانها منذ عام 2013م (أنظر تقرير الصندوق 38/20/SM، 7 فبراير 2020م، صفحة 17 و36). لذلك، كان الأفيد للسودان، مثلاً حلحلة النقطتين الأخيرتين قبل الدخول في برنامج مع الصندوق لتحسين فرص النجاح.

تعليق: ويستمر المحلل في مسلسل بيع السمك في الموية فيقول: “وفي ختام هذا الجزء فالخبير الدولي أول من يعلم أن اللجوء للصندوق والبنك لا مفر منه لأي دولة نامية تحاول الخروج من التردي الإقتصادي فبدون شهادة حسن سير وسلوك منهما لن تأتي المساعدات.. ولنا في تجربة فيتنام ومصر القريبة أسوة حسنة”! أما عن المساهمات، فيقول المعلق: “.. فعلى الرغم من أننا لم نستغرب مساهمات… فمن منا كان يتوقع أن تساهم الولايات المتحدة ب 350 مليون دولار.. والأهم من ذلك الدعم المعنوي من دول.. مثل اليونان.. (و) أستونيا”!

الرد: أولاً: لم نقل في الخبر المذكور من بعيد أو قريب أن هناك مفر من التعامل مع الصندوق والبنك، خاصة وقد أمضينا ثلاثة عقود في خدمة المؤسستين تعلمنا ما لا يعلمه إلا القلة النادرة، التي حباها الله بفرصة العمل في التوأمتين. رغم ذلك، نشكر الدكتور على تذكيرنا بأن علينا أن نكون، “أول من يعلم” بضرورة التعامل معهما، ونؤكد له أننا نعلم الكثير وما يخفى، ولذلك نتحدث من المنابر العامة من منطلق الخبرة والتجربة لا من “خارج الصندوق”. ثانياً: قبل يوم واحد من صدور التصريح موضوع النقاش، نشرنا مقالاً مطولاً أفردنا فيه حيزاً لبرنامج موظفي الصندوق وكيفية التعامل معه في الحالة السودانية من منطلق الخبرة المهنية (أنظر للكاتب: “زيادة المرتبات والأجور… خطأ التوقيت والخيارات” – صحيفتي الإنتباهة والراكوبة كمثال).

لكن الغريب أن يطلع ويحلل الرجل تصريح ولا يطلع على مقالة مطولة تناولت واحدة من أهم قضايا الساعة المالية والإقتصادية! فلو فعل لكفانا والقارئ كثرة التكرار والدوران حول الحلقة المفرغة. ثالثاً: القول: “.. أسوة حسنة”، فهذه فرية تنم عن جهل أو تجاهل مقصود للحقائق! فليست هناك سمة علاقة بين تعامل فيتنام ومصر وتعامل السودان مع الصندوق. فالدولتان تعتبران من الإقتصادات الناشئة ولم يكونا كالسودان دول متأخرات أو في مجموعة الدول الأقل نمواً ولم يحتاجا في يوم من الأيام لشهادة حسن سير وسلوك تتطلب تنفيذ برنامج يراقبه موظفو الصندوق بدون تمويل. فكلا الدولتين تقترض من الصندوق حسب برامج التمويل المتاحة في الصندوق، وبالتالي من البديهي أن تنفذ كل واحدة منهما الشروط المطلوبة في إطار التسهيل الإئتماني المناسب. للأسف، لم يذكر الدكتور حجم المبالغ المقدرة في نظره، ولعل ذلك تحاشياً للحرج، لأن المسهمات التي لم يستغرب لها أعلن معظمها من منابر الخرطوم قبل برلين. لكن الحيرة في إندهاش الدكتور المعمم بأنه ما من أحد كان يتوقع أن تساهم أمريكا بالمبلغ المذكور! ولو عاد الكاتب ذاكرته للوراء قليلاً، لعلم أن المبلغ الذي أدهشه غاية في التواضع مقارنة مع مساهمات أمريكا في أوسلو (1) و (2). فلو كان الكاتب جاداً ، فالدهشة الحقيقية لو أعلنت أمريكا في المؤتمر فقط رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب دون أي مساهمة مالية. أما الحديث عن “الدعم المعنوي” فهو ترف عاطفي لا يشبع ولا يغني من جوع! فكم من ملايين الدولارات كانت أستونيا، مثلاً، ستدفعها لتقدم نفسها إلى ملايين السودانيين وغيرهم، بينما وفر لها المؤتمر ذلك بالمجان؟ ثم ماذا يعني “الدعم المعنوي” لغالبية أهل السودان الذين يعيشون تحت خط الفقر ويمضون معظم وقتهم في طوابير الخبز والغاز، والمواصلات..إلخ؟ أضف إلى ذلك، المؤتمر عنوانه: “مؤتمر الشراكة مع السودان”، فما علاقة الشراكة ب “الدعم المعنوي” رغم أن الحكومة لم تقدم مشروعاً واحداً للشراكة؟

تعليق: ويواصل الدكتول تحليله للخبر، فيقول في مكان آخر، “أما قول الدكتور (المقصود هنا أنا) إنه كان الأجدى بالحكومة أن تقدم وثيقة تفصيلية بالوضع الإقتصادي وإحتياجات السودان للمساعدة فهو إتهام لا يقوم على دليل ولا يعقل أن تدعو الحكومة كل هذا الجمع ولا تخبرهم بما تريد.. فالكل يعلم.. الوضع الإقتصادي في السودان في أدق تفاصيله”.

الرد: أولاً: كلمة “الأجدى” تعني خياراً وليس إتهاماً، ما يعني عدم فهم لمعاني مفردات اللغة العربية، وهذا ليس شأننا. ثانياً: لم يقل لنا الدكتور ما هو الدليل الذي يريد، خاصة وهو نفسه لم يقل ما الذي قدمته الحكومة للمؤتمرين في مجال المشاريع مثلاً “تخبرهم” فيه “بما تريده” كدليل! ثالثاً: لو إطلع الدكتور على تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين فقط، لعرف أن قوله “فالكل يعلم” غير صحيح وأن الكل لا يعرفون الكثير، ناهيك عن “أدق” تفاصيل أوضاع الإقتصاد السوداني، لكن ربما هو الوحيد الذي يعلم ما لا يعلمه الكل! فالمعروف أن السودان من أضعف دول العالم في توفر البيانات والإحصاءات المالية والإقتصادية.
تعليق: أما فيما يتعلق بحديثنا عن إعلان المحفظة التجارية، فيقول المحلل: “أما القول بأن الإعلان عن محفظة وطنية يمكن أن يعطي الإنطباع بأن السودان غني بموارده الذاتية قول لا يسنده منطق، فهو يكشف عن إجتهاد الحكومة لإيجاد حلول غير تقليدية لحشد الموارد من جميع قطاعات الإقتصاد لحل إحدى مشاكل الإقتصاد الأساسية”.

الرد: أيضاً، هنا يحاول الرجل مرة أخرى تفسير الماء بعد الجهد بالماء! فكيف يكون القول بأن قيام محفظة تجارية بمبلغ أثنين مليار دولار من موارد قومية يعطي الإنطباع بأن السودان غني بموارده غير منطقي، بينما جمع نفس المبلغ، بأي وسيلة كانت، يعتبر منطقياً، بل وإجتهاداً! وإذا كان إجتهاد الحكومة ” والسعي لإيجاد حلول” غير تقليدية” يؤديات إلى قيام محفظة وطنية بأثنين مليار دولار قد تصل إلى عشرة حسب تصريحات رئيس الآلية العليا للطوارئ الإقتصادية، أي ما يكفي حاجيات السودان من النقد الأجنبي ويزيد، فما المشكلة إذن، ولماذا الجري وراء سراب المانحين؟ لكن من الواضح أن الدكتور لم يطلع حتى على الوثائق الأساسية لقيام المحفظة! لو فعل، لعلم أنها لا تمثل حلاً، بل ضربة موجعة للمؤسسية لأنها سلبت من وزارة المالية، وبنك السودان، وزارة التحارة، أهم مهامها في مجال الصادر وحصائل الصادر! أضف إلى ذلك التكلفة الإدارية والتمويلية للمحفظة التي سيتحملها المواطن والإقتصاد، ناهيك عن الفساد بسبب هشاشة الهياكل التنظيمية والإدارية والقانونية، التي تنظم عمل المحفظة. وفوق كل ذلك، لو إطلع الدكتور على التحليل المميز للمحفظة، الذي نشره الأستاذ هباني قبل يومين من تصريحنا، خاصة في ما يتعلق بالمخاطر الحقيقية التي وردت في وثائق المحفظة، لما أنساق وراء فرية “إجتهاد الحكومة” وعبقرية إبتكار “حلول غير تقليدية”، (أنظر للأستاذ الهادي إدريس هباني : قراءة وتحليل لمحفظة السلع الإستراتيجية – 3 حلقات، صحيفة الراكوبة الإلكترونية).

لكن يبدو أن فريات الدكتورلا حدود لها طالما أنها تقلل من شأن تصريحنا المتواضع، فها هو يأتي بسوءة لا تليق بمثله حيث قال: “.. الإدعاء بأن تنظيم المؤتمر كان سيئاً يدحضه إجماع كل المعلقين..”! فلو أعاد الرجل القراءة وتبصر قليلاً أنه بحشره كلمة “سيئاً”، التي لم ترد في التصريح، لعلم أنه إرتكب خطأً لا يفعله إلا أصحاب السوابق في القرصنة العلمية. أما الحديث عن، “.. إجماع كل المعلقين”، فهو يدحض نفسه بنفسه ولا أخاله ينطلي على فطنة أحد غير المحلل. أما الطريف في الأمر، فبعد الدوران الطويل في حلقة مفرغة من المغالطات والتناقضات وتضخيم الذات، ختم المعلق بجملة واحدة نسف بها كل مرافعاته الإنشائية! فها هو يقول: “.. فإني أتفق مع الدكتور بأن الدعم الخارجي وإن توفر بالقدر المرجو لا يغني عن وجود برنامج وطني للتنمية الإقتصادية يعتمد في الأساس على مقدرات وموارد البلد”! فإذا كان هذا هو الحال، فأين هي المشكلة إذاً؟ رغم ذلك، فالإعتراف بالحق فضيلة وهذه محمدة للرجل يشكر عليها. لكن لو قال ذلك من على المنابر العامة كرأي يخصه، بدلاً من التخفي تحت منصة شلل الواتساب الخاصة دون التعرض لشخصنا، لدخل بورصة التصريحات من أوسع أبوابها، ولوجد ما يليق بقامته وخبرته من إحترام وتقدير. رغم ذلك، فإننا نأمل أن لا يحرمنا الدكتور وقراء المنابر العامة من مساهماته القيمة في وضع “برنامج وطني للتنمية الإقتصادية”، بدلاً من مضيعة أفكاره وخبرته في تحليل تصريحات الآخرين بالمسيار.

ونختم بقول الشاعر محمد عبد الباري:
شجر من الحدس القديم هززنه حتى قبضت الماء حين تبخرا

الخرطوم: خبطة نيوز (26 يونيو2020م)
من/ طارق شريف

تعليق واحد

  1. موضوعك طويل وآسف أنني لم أجد متسعا من الوقت لقراءته ولكن لاحظت أن هذا الدكتور مع إحترامي له ولكنه لايجيد غير النقد ولا يقدم بدائل فما أسهل النقد حيث يمكن لأي انسان أن ينتقد أي فكرة أو مشروع أو حتى إنجاز مهما كان ولكن طرح البديل الممكن في الظرف الممكن هو التحدي. فهو عندما يقول أن مؤتمر المانحين فاشل لم يأتي بجديد فالكل يعلم أنه فاشل وحتى حمدوك والحكومة لم يقولوا أنه ناجح ولكن هذا كان الممكن في ذلك الوقت وفي هذه الظروف يعني لا الحكومة لديه متسع من الوقت لكي تنتظر ولا العالم يمر بظروف عادية تمكن دوله من التعامل مع المشاكل الخارجية بأريحية فكرونا أدخلت العالم في فتيل والحكومة أصلا في فتيل. أرجو من الدكتور إذا أراد أن يقدم شيئا مفيدا لبلاده غير النقد فاليقم بتقديم محاضرات وندوات تطوعية لرفع قدرات العاملين في ديون الضرائب ومؤسسات التمويل هذا هو المفيد وليس النقد فهو أسهل مما يقوم به أي شخص

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..