جيشٌ وصبرٌ ورغيف

عجبت لعنوان ورد في صحف اليوم عن استنكار الجيش لاعتداءات حركة الحلو على المواطنين ، وفي ذات الوقت استنكارما قام به المواطنون في حادثة الكباشي بالحتانة، فمع أي مواطنين هو ياترى ؟؟ ولماذا يستنكر ؟؟
لاستنكارات الجيش المتتالية في رأيي المتواضع سبب وحيد هو فشل الجيش في التوفيق بين وظيفته الأساسية ، وبقية الوظائف الجانبية التي حشر فيها نفسه حتى أصبحت تسبق الوظيفة الأساسية في صدارة الإهتمام .
بسط سيطرة وهيبة الدولة على أراضيها ،وصدّ كل اعتداء خارجي عليها ، هي الوظيفة التي أوجدت القوات المسلحة من أجلها ، وعلاقتها الأساسية تكون مع أي مهدد خارجي ، أما الأوضاع الداخلية ، فهي شأن أمني شرطوي خالص ، من المفترض أن لايتدخل فيه الجيش إلا في حدود ضرورات الدعم اللوجستي ، كأن يقوم بمساعدة المتضررين في كوارث الفيضانات ، وغير ذلك من المسائل التي تقررها الدولة وفقا لحاجتها له في الداخل وبأجل محدد وتكليف محدود .
كنا نتوقع من الجيش تدخلا وليس استنكار لما تعرضت له تلك الأراضي من انتهاكات في مقاطعة الحلو والفشقة وحلايب وشلاتين وأجزاء واسعة من دارفور ، بدلا عن أن يظل في أعيننا هو ذات الجيش الذي أضحى اهتمامه بالسياسة والحكم يسبق اهتمامه ببسط هيبة الدولة بدليل ضياع ماضاع وماخفي أعظم ، وعدم اهتمامه بالتركيز على مهمتة الأساسية دون تشتيت اهتماماته بين إدارة الشركات التجارية ، وإغلاق الجسور والكباري ، ومطاردة منتقديه الناشطين من المواطنين بالشكاوى القضائية ، وصفقات السيارات الفارهة والولائم المثرة للجدل ، وتصيّد الإدارات الأهلية ، والصراع مع القوى السياسية .
والحركات المسلحة المرابطة في جوبا عليها أن تفهم أن الصراع بينها والعسكر لا المدنيين العزّل ، وأن مكانه ليس المدن ولا المواقع السكنية ، فالجيش يسكن الثكنات لا المساكن ، واستهداف المواقع المأهولة يعني حربا على المدنيين ، وعلى الحركات ومفاوضيهم من الجهات الرسمية إدراك أهمية الإسراع في توقيع السلام لو كانوا يريدون اللحاق بقاطرة الحياة المدنية ، أما الترتيبات الأمنية فهي شأن عسكري أكثر مما هو مدني ، ويجب أن لايؤثّر على استقرار الثورة طالما أن كل الأطراف المتنازعة تتحدث كلها بلسان واحد هو لسان متطلبات ثورة الشعب والوطن .
والأشدّ فتكا من كل الصراعات هو صراع الخبز بحركاته المختلفة التي لاتقل عددا عن حركات جوبا من سماسرة واتحاد مخابز وموردين ووزارة ونقابة وغيرها من الجيش الجرار من الحركات الأشدّ صراعا من الحركات المسلحة والتي ينفض سامر اتفاقاتها دائما بالخروقات ومزيدا من المعاناة .
الدولة تحتاج سياسة وطنية للخبز ، وتجربة دول شبه القارة الهندية خير نموذج ، ولابد لنا من وضع وتنفيذ خطة استراتيجية تستفيد من منتوجنا الداخلي من القمح وأخواته من عينات الذرة ، وتكوين توليفة تتناسب مع المذاق السوداني ، وفي ذات الوقت دعم الانتاج الذاتي لكل منزل ، فالبوتوجازات أصبحت متوفرة في كل منزل ، وأزمة الغاز عارضة ، وبإمكان كل منزل صناعة حاجته من الخبز ولاداعي لذلك الطنين الذي يزداد بغياب الاستراتيجية القومية للمعالجة .
بناء سوداننا الجديد لن يكون سهلا .. والصبر بالتأكيد سيطول ، والشعب ليست له مشكلة في الصبر ، ولكن مشكلته هي أنه يريد أن يصبر على هدف يؤمن به ويؤمن بحتمية تحقيقه
وقد بلغت
عبدالدين سلامه
[email protected]