غير مصنف

إنتقالية السودان .. إلى أين؟

آدم فضيل

إنتقل الحكم في السودان بسقوط نظام البشير من حزب الرجل الواحد الى أطياف مختلفة من الفصائل السياسية والعسكرية بل والاهلية احيانا.
وكان حلم الشعب بل والمجتمع الدولي ان يرى سودان ينعم بسواعد تنوعه بعد ان انهكته سلطة نظام البشير باستخدام التنوع بصورة سلبية بعد ان سخر نظام البشير كل امكانياته لزرع فتيل الحروب الاهلية وزعزعة الامن بعدد من اقاليم البلاد وهذه الاستراتيجية منحته حكم ثلاثة قرون من الزمان .
أسقط البشير بثورة شعبية تمردت على كل اشكال القمع والشمولية وعصت على العنصرية والاحتراب الداخلي، الا اننا وبعد كل التضحيات نجد وللاسف أن عاقبة سياسات الحكومة الانتقالية التي فوضت نفسها سيف الثورة وسفينة نجاة السودان، نجد انها ودون مبالاة تصطاد من بركة النظام السابق وتلتف على أهداف الثورة التي نصبتها للانتقال بالسودان إلى بر الحرية والديمقراطية والسلام، عبر نظام حكم إنتقالي يمهد لدولة الدستور والعدالة.

الوثيقة الدستورية:

يحكم سودان ما بعد الثورة بوثيقة تعارف عليها مكوني الصراع (صراع الحكم بعد اسقاط البشير) المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير. وتوافق الطرفين بعد صراعات امتدت لقرابة عام على الشراكة وفقا لبنود وردت في وثيقة تعارفوا على انها (دستورية) الوثيقة التي عطلت العمل بالدستور وجعلت من مكوني الحكم أساس للتشريع والعدالة والسلطات المطلقة، فدون اللجوء الى إنتخابات او تأسيس لبرلمان أو حتى قضاء مستقل، إنفردت أطراف الوثيقة التي تمثل الحكومة الانتقالية الحالية في السودان انفردت بخوض غمار تجربة حكم لم تراعي فيها لشعارات الثورة أو قيم الديمقراطية والانتقال السليم الى فضاء تكوين السلطة الدستورية او بنود الوثيقة الدستورية نفسها .

اما وقد انقضى نصف الفترة الانتقالية تقريبا فلا صوت يعلوا في المشهد المعقد على صوت الحليفين (العسكر وقحت) ولم يتردد بعض قادة الحلف على البوح علنا بان الثورة صناعتهم الخالصة وانهم ابناءها الخلص، بل وفي اكثر من تصريح رسمي، اكد افراد المكون العسكري انهم من اسقطوا النظام السابق وليس الشارع.
الواقع وبطبيعة الحال يعكس مفاهيم الحلف الذي يرتجل قوانين وتشريعات دونما رقيب او حسيب، فلا مؤسسية ولا ديمقراطية ولا عدل ولا سلام ينعكس على المشهد الغاتم الذي تجددت فيه صراعات مسلحة بين المكونات القبلية في أقاليم لم تشهد احتراب حتى في عهد البشير (شرق السودان نموذجا) فضلا عن اتفاقية سلام مشبوهة النوايا مختلة البنود، نتج عنها مزيد من الانشقاقات طالت ايقونة الثورة (تجمع المهنيين) وتابعنا في بادرة خطيرة بروز حلف جديد (تجمع المهنيين والحركة الشعبية) الحركة التي عادت الى مربع اطلاق شرارة الحرب، غير معترفة بقاعات جوبا التي تحتضن محادثات السلام مع الحركات المسلحة.
فرقاء الأمس وحكام اليوم (المكونين) اصحاب السلطة المطلقة في السودان لا تعنيهم بنود الاتفاقية اوالدستور حسبما توافقوا على تسمية الوثيقة، لم تعنيهم البنود بقدر ما تشغلهم افكار البقاء في السلطة مستمدين من خرق بنود الاتفاقية مرتكزا لتوقيع مزيد من الاتفاقيات التي تطيل امد الانتقالية المزعومة فالاتفاقية التي وضعت وفقا لمصفوفة زمنية تعمل خلالها الحكومة على تكملة هياكل الحكم وإرساء السلام وتحسين الاقتصاد، تم اغفالها تماما على ما يبدو … فاشتعلت نيران الحروب وغاب الامن في شوارع الخرطوم وساءت الاوضاع الاقتصادية وانهارت العملة ليبلغ سعر الدولار الواحد 150 جنيه سوداني، ليتغلب بذلك على عبقرية الخبير الاقتصادي د.عبدالله حمدوك.

رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية الذي توافقت عليه مكونات التحالف، الدكتور عبدالله حمدوك ورغم ما سبقه من ذكر طيب وسمعة حميدة الا ان الاخير ايضا لم ترى له الساحة الاقتصادية حول ولا قوة، ففي اخطر تصريحاته ادلى الرجل بانه لم يستطيع كبح جماح الدولار ولا صنع منظومة اقتصادية كاملة لان مجلس الوزاء ليس لديه صلاحيات التحكم في سياسات بنك السودان المركزي وان البنك المركزي ضمن صلاحيات المكون العسكري؟؟؟ الا ان البنك وبعد فترة من التصريح السابق اصبح تحت تصرف حمدوك ومجلسه ولن نرى حتى الان سوى مزيد من المآسي الاقتصادية، فهل انتشلت قوى الحرية والتغيير(المكون المدني) البنك المركزي كبديل للحليف العسكري وليس لموظفها حمدوك صلاحيات حتى الان؟؟؟؟

عبدالله حمدوك يعتبر رمزية لقطاع عريض من الشعب الحالم بسودان يشبه تطلعات الثورة، فهل يستطيع حمدوك العبور بالانتقالية الى بر الامان؟
أم ان ادوار العسكر وقحت تجد في حمدوك (المقبول للشارع) مطية لخوض تجاربها وإشباع تعطشها للحكم وممارسة كل اشكال الفساد السياسي وإدارة خلافات الحلف الداخلية في كتمان تضمن خلاله عدم تجدد الثورة والمطالبة بتصحيح المسار؟

فبين السلطة (السابقة) للبنك المركزي التي كانت تتبع للمكون العسكري وسلطته (الحالية) التي تتبع لقوى الحرية والتغيير، فضلا عن تعيينات الوزراء الذين يتبع بعضهم للعسكر والاخر لمكون الحلف الثاني (قحت) يتسائل الشارع …ماذا يصنع عبدالله حمدوك؟؟؟ وما هي السلطات المخولة لرئيس الوزراء بحكم الواقع والمعلوم وليس بحكم المداد الذي كتبت به صلاحيات رئيس الوزراء، فkحن أمام حلف لم يعترف حتى بمداد وثيقته الدستورية.
على الشارع السوداني أن يعي ان السلطة الشمولية التي تغيب فيها الشفافية لن تنتقل به إلا إلى مهالك متتالية والوضع ماثل أمامنا حيث ان الإنتقال قادنا إلى:

إقتصاد متهالك إنعدم فيه قوت المواطن ولقمة الخبز
تردي في الخدمات العامة من كهرباء وصحة
إتساع رقعة الصراعات والحروب
خطر وجود قوات الدعم السريع (غير النظامية) على هرم السلطة
الإستمرار على نهج البشير تحت وصايا الإمارات والسعودية
المحاصصة السياسية وإقحام القبائل والادارات الاهلية في السياسة

هذه النقاط والكثير من الاخفاقات المشابهة، هي كل ما جنيناه من ثورة امهرناها دماء ابناء الشعب السوداني.
فهل ستتعقل حكومتنا الانتقالية وتخاطب ضميرها الإنساني والوطني بحس المسؤولية الأخلاقية والوطنية؟

آدم فضيل
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..