جنوب كردفان : (خور الورل)… من يُشعل فتيل الأزمة؟

دفعت أحداث “خور الورل” بولاية جنوب كردفان إلى بروز أصوات عالية تنادي بالتعامل الموضوعي والواقعي مع هذه الاحداث العنيفة التي راح ضحيتها عدد من الأبرياء.
فيما أبدى عدد من المحللين والناشطين مخاوفهم من تحول هذه الأحداث إلى تفاقم الصراع في المنطقة بشكل أكبر، ومن أن يكون لسير مفاوضات السلام بين ” الحكومة والحركة الشعبية” تأثير على مجرى الأحداث.
وخلال الـ72 ساعة الأخيرة تبادلت كلّ من القوات المسلحة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتهامات بشأن اعتداءات مسلحة على مدنيين بمنطقة (خور الورل) بجنوب كردفان، التي تقع في جنوب شرق مدينة الدلنج، وتشهد تماساً ما بين الرعاة والمزارعين.
وأعرب كثير من المراقبين والفاعلين في المجتمع المدني تخوفهم من تحول هذه الأحداث، وقال المحلل السياسي محمد أحمد شقيلة لصحيفة السياسي “إن التوتر الدائر بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية، يُبعد الناس خطوات عن السلام الذي يتوقون إليه، بغض النظر عن من هو المخطئ أو المصيب.
وكانت القوات المسلحة قالت في بيان إن قوات تتبع للحركة الشعبية جناح الحلو قامت بالهجوم والاعتداء على مرحال الرعاة العائدين من الجنوب إلى الشمال، والقوة التي تعمل على تأمينه والتابعة للقوات المسلحة، وذلك بنصب الكمائن وزراعة الألغام في طريق المرحال بمنطقة خور الورل بجنوب كردفان، الأمر الذي أدى إلى إزهاق العديد من أرواح المواطنين والقوات النظامية وتدمير معدات عسكرية ومدنية.
وأضاف البيان، أن القوات المسلحة تؤكد قيامها بواجب التأمين اللازم لحركة المواطنين وضمان ممارسة حياتهم الطبيعية وحمايتهم مع التزامها التام بوقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة.
في الجانب الآخر، اتهم بيان الحركة الشعبية، الذي صدر عبر سكرتيرها العام عمار أمون دلدوم، الحكومة الانتقالية بخروقات جديدة بمنطقة (خور الورل) التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، وتربط بين المنطقة الغربية و(كاودا).
وأوضحت حركة الحلو أن الخروقات هي نفسها التي حدثت بتاريخ 14 أكتوبر 2019م، مما أدَّى إلى انسحاب وفدها من التفاوض آنذاك، عندما قامت القوات المُسلَّحة السودانية بمُساعدة أفراد قبيلة الحوازمة (دار نعيلة) بتخطِّي مناطق (أونشو) بالمسار الشرقي المُختلف حوله، وبعدها قامت بنصب كمين في الطريق الذي يسلكه المواطنون بالمناطق المُحرَّرة في منطقة (خور ورل) وقاموا بإلقاء القبض على المواطنين.
وأكدت على أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه المُمارسات التي تستهدف المواطنين بمناطق سيطرتها، ولن تتردَّد في الدفاع عنهم وحمايتهم.
مزيد من التوترات
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل توالى صدور البيانات من كلا الطرفين حول الأحداث في المنطقة، حيث أصدر والي جنوب كردفان حامد البشير إبراهيم بياناً جاء فيه أن الحركة الشعبية قامت “بتبني قرار إغلاق المرحال، وقد تمَّ تنفيذ ذلك رسمياً هذا العام بزراعة أرض المرحال وتسويرها وزراعة الألغام فيها”.
وأضاف البيان أنه يوم الخميس الموافق السادس من أغسطس 2020م عبر هذا المرحال ومحاولتهم العبور شمالاً تصدت لهم قوة من الحركة الشعبية شمال (جناح الحلو) وقتلت ثلاثة منهم وجرحت ثمانية.
وقال البيان “إن ولاية جنوب كردفان تعمل جهدها لدعم السلام المجتمعي بين كل مكونات مجتمع الولاية، والعمل على تفعيل الأعراف والتقاليد القديمة الخاصة بتنظيم استغلال الموارد دعماً للتعايش السلمي وتحقيقاً للتناغم والتكامل بين الزراعة والرعي وبين المزارعين والرعاة”.
أما بيان الحركة الشعبية فجاء فيه أن الصراع “بسبب فرض وإصرار الحكومة والقوات المُسلَّحة و قوات الدعم السريع على مرور (مُرحال) الحوازمة وسط أراضٍ زراعية كان يتم إتلافها باستمرار أثناء المُرحال، اشتبك مُلَّاك الأراضي مع هذه القوات دفاعاً عن أراضيهم.
وأضاف أن “الحركة الشعبية لا علاقة لها بما يدور من أحداث بين الرُعاة والمُزارعين في (خور الورل)، برغم أن هذه المعارك تدور في مناطق سيطرة الحركة الشعبية، ولا يمكن لمواطني المنطقة زراعة الألغام في أماكن تجوالهم للزراعة والرعي”.
تخوفات ودعوة للمرونة
ويقول المحلل السياسي محمد أحمد شقيلة إنه برغم حرب البيانات بين الطرفين، إلا أن الأمر قابل للتدارك وعدم التصعيد، والتعامل مع الأمر وحله في نطاق تأثيره المحدود، حتى لا يتحول إلى صراع أهلي.
واضاف شقيلة في حديثه لـ(السياسي) أنه في مثل هذا الوضع فإن المطلوب من الجميع التزام جانب الحكمة، وترجيح صوت العقل.
ويقول الناشط المدني في قضايا السلام سانديوس كودي “كانت هناك مسارات معروفة تمر بمناطق الجبال ما بين فصلي الصيف والخريف، لكن الحرب خلقت وضعية جديدة، وأصبحت المناطق مقفولة نسبة للوجود العسكري. الأمر الذي أدى لتقليل مساحات الرعي، وجعل المرور ما بين المناطق المختلفة صعباً.
ويضيف كودي “تسيطر الحركة الشعبية على مناطق جغرافية، يكون المرور فيها وفق اشتراطات وتفاهمات معينة، ومع وجود قبائل رعوية تمتلك السلاح والتداخل ما بينها وبين أجهزة الدولة. ويؤدي كل ذلك إلى حدوث مناوشات، وهذه المناوشات نتيجة لوجود هذه الحالة العسكرية في المنطقة، وتبادل الاتهامات بشأن الاختراقات التي تحدث.
ويختم كودي حديثه “بالرغم من أن اتفاقية السلام متوقفة لأسباب ليست ذات صلة بأحداث خور الورل، لكن أعتقد أنه في حالة حدوث اختراقات في ملف السلام، فذلك يمكن أن يعيد ترتيب وتحديد مسارات الرعي والتفاصيل المتبقية. ومنع تحول هذه الأحداث المحدودة إلى نزاعات أكبر”.