الى جنات الخلد الموسيقار والطبيب الجراح على نور الجليل

الى جنات الخلد الموسيقار والطبيب الجراح على نور الجليل
قال له اديب السودان العالمى الطيب صالح : كيف تداوى القلوب و قلبك موجوع على السودان ؟؟!!
قال عنه وردى : عند دخول على نور الجليل المستشفى وقف له جميع العاملين احتراما و تبجيلا وهم يقولون مستر جليل
قال عنه شرحبيل: على نور الجليل صديق طفوله ورفيق نضال موسيقى شغله الطب عنا اتمنى له كل خير

نحن السودانيون تنطبق فينا المقولة الشهيرة ” لا كرامة لنبى فى وطنه” وكانها قد فصلت تفصيلا على السودانيين , ففى مساء السبت الماضى 8/8/2020 وفى مدينة مانشستر اسلم الطبيب السودانى ابن حى العباسية الامدرمانى و جراح القلب العالمى الذى أجرى أول عملية قلب مفتوح بمستشفى (ويذينشو) بمدينة ما نشستر الانجليزية قبل ما يقرب لفترة من الزمن الذى اختار المعاش الإختيارى مؤخرا ليتفرغ لدراسة علم الموسيقى بجامعة مانشستر العريقة. الدكتور البروف على نور الجليل على اسلم الروح الى بارئها ابن حى العباسية الامدرمانى و جراح القلب العالمى الذى أجرى أول عملية قلب مفتوح بمستشفى (ويذينشو) بمدينة ما نشستر الانجليزية قبل ما يقرب افترة من الزمن ل ، و الذى اختار المعاش الإختيارى مؤخرا ليتفرغ لدراسة علم الموسيقى بجامعة مانشستر العريقة.وهو كذلك امن لا يعرفونه
, ولم نعلم بفداحة الامر و الفقد الا عندما نعاه الدكتور حمدوك رئيس الوزراء وجاء فى النعي:

” فُـجعت بلادنا بفقدان الدكتور علي نورالجليل أحد أميز المتخصصين السودانيين في جراحة القلب، والذي انتقل إلى جوار ربه بمدينة مانشستر بالمملكة المتحدة.

بجانب اسهامات الفقيد المهنية والعلمية في مجال الطب، عُرف كذلك بإسهاماته المتميزة في الدفاع عن القضايا الوطنية السودانية في حِلّهِ وترحاله ومن خلال دوره في تأسيس الهيئة النقابية للأطباء السودانيين بالمملكة المتحدة وعمله الصبور لاستعادة الديمقراطية وتأسيس دولة العدالة في السودان. ترك الفقيد الراحل بصماته الواضحة في مجال الثقافة والموسيقى عبر مشاركات معتبرة ومهمة ستُدون في سجله الوطني الحافل. إنني إذ أنعيه للشعب السوداني، أدعو الله أن يتغمده بوافر رحمته وأن يُلهم اهله وأصدقائه وعارفي فضله الصبر وحسن العزاء “.

وفى هذا النعى الذى لخص مسيرة الفقيد الراحل عرف السودانيون انهم فقدوا بالاضافة الى طبيب عالمى ذو صيت فهو مناضل عتيد و عريق من اجل الديمقراطية و الحكم المدنى وفى سبيل ذلك قاوم كل الانظمة العسكرية الديكتاتورية فى البلاد من عبود الى نميرى و البشير و الانقاذ ! وظل وحتى وهو بعيدا عن الوطن يحمل همومه و يتالم لاوجاعه و ما اكثرها ! حتى ان الاديب السودانى العالمى الطيب صالح قال له ذات مرة ” كيف تداوى القلوب و قلبك موجوع على السودان ؟؟!!

وقد كتب الاستاذ جعغر عباس واحدة من القصص التى جمعت بين المرحومين العملاق وردى و الدكتور على نور الجليل :
حكى لي الفنان الراحل محمد وردي انه وخلال إقامته في بريطانيا أحس باضطراب في وظائف القلب، فرتبت له البارونة كوكس لقاء مع طبيب قلب قالت إنه بارع في مدينة خارج لندن نقلوه اليها بسيارة اسعاف ،ولما وصل المستشفى المنشود، أدخلوه غرفة وشرعوا في قياس العلامات الحيوية ثم فجأة صار من كانوا حوله من الأطباء والممرضات يهمهمون: مستر جليل، مستر جليل، ثم وقفوا كما العسكر صامتين ومتصلبين، فإذا بي أفاجأ بدخول علي نور الجليل “الما بيغباني” فقلت له: متين بقيت مستر يا ود العباسية وجايبني ليك من آخر الدنيا.. وضحكنا وتعانقنا.

وتقول سيرته الذاتية انه من مواليد ام درمان 1936 التحق بكلية الطب جامعة الخرطوم حيث تخرج منها فى اوائل الستينيات من القرن الماضى و كان ذو نشاط سياسى بوصفه كان فى اللجنة التنفيذية لاتحاد الجامعة وعرف عنه مقارعته لكل الانظمة العسكرية و الديكتاتورية و لكن اشرسها كانت مع نظام الكيزان الذى اغتال الديمقراطية ذات ليل كالح السواد فى تاريخ السودان بانقلاب غادر ومخادع وصار يحكم السودان بالسيف والنار حيث تعرض الفقيد الراحل شانه شان جميع الشرفاء و الاحرار فى السودان الى الملاحقة و المطاردة و التضييق حتى هاجر مكرها الى بريطانيا وترك بلاده التى يهيم بها حبا و وهياما وهناك فى بلاد الضباب صار ملء السمع والبصر بكفاءته ومهنيته وأخلاقه العالية، وصارت بريطانيا تفخر به في المحافل الدولية، وصار السودان مرتع خصب الناس من شاكلة ” الطيارة جات طافية النور و ضربت الهناى بالبتاع ” “و الحرب بالسواطير” و” لحس الكوع ” و ” الزارعنا غير الله يجى يقلعنا ” و” انحنا لو ما جينا الشعب كان بقى كلو شحادين !! ” , واتمنى من الكيزان الذين ترتفع اصواتهم فى الفترة الاخيرة بالاحتجاجات و الشكاوى اتوجه اليهم بالسؤال الاتى:

لماذا فعلتم ما فعلتم بخيرة ابناء السودان واجبرتوهم على مغادرة بلادهم واوطانهم التى احبوها, ما الذنب الذى اقترفوه وماهى الجناية التى ارتكبوها ؟؟

اما الجانب الاخر من شخصية الدكتور الراحل وهو الجانب الذى اراه اكثر رسوخا و ثباتا فيه هو انه كان موسيقيا مطبوعا و موهوبا تجرى فى دمائه حب الموسيقى وعرف عنه اجادته للعزف على الاكورديون و البيانو و الة البانجو و الاكورديون وهى من عائلة الوتريات مثل العود و الماندولين و الغيتار . وقد كنت سعيدا بحكم ابحاثى فى الموسيقى السودانية بمعرفة انه كان من مؤسسي فرقة شرحبيل احمد ومصدر سعادتى اننى قد عثرت على واحد من اهم رواد موسيقى الجاز فى السودان و الى جانب الرواد شرحبيل احمد و عثمان المو و بدرالدين على عوض وكمال كيلا و صلاح براون وعمر عبده واخرين ( هنالك مقالات متخصصة عن موسيقى الجاز فى السودان سوف اقوم بنشرها قريبا بان الله) ولكى نعرف تماما اهمية الدكتور الراحل فالنقرأ معا ما ذكره الاستاذ شرحبيل احمد ملك ملوك الجاز حيث قال:

” بروفسير على نور الجليل. هو صديق ولصيق ومتابع وهو ابن الحى وكنا جارين.كان وقتها فى كلية الطب..والتقت امزجتنا الموسيقيه.وكان هو رئيس شعبة الموسيقى وكان يتابع البحث والنقاش فى كيفية وامكانية التطور.وعن الجديد عن الموسيقى والسينما..وكنا نذهب لسينما النيل الازرق.وكنا نبحث عن فرص ومخارج جديده..وكان لدينا جيتار مودوزن بطريقه مغايره..وفى ذات مره كنت فى مكتب النشر واتى على نور الجليل واخبرنى بانه التقى بمجموعه من الجنوبيين يجيدون العزف على الجيتار بطريقه مذهله.واخبرنى انه دعى احدهم وهو اميل عدلان للغذاء معه فى الداخليه والح على فى الحضور والمشاركه..كانت فرصة للتنعرف على الجيتار واميل عدلان من الجنوب من الزاندى.وذهبنا وبداوا العزف قبل الغذاء واندهشنا .ثم عملنا معهم صداقه شديده .ولما رجعت الى البيت استطعت ان ادوزن الجيتار الدوزنة الصحيحه..وبعدها كنا نذهب مع الاخوه الجنوبيين الى حفلاتهم الخاصه ونعزف معهم “.

ويذكر ايضا بان فرقة شرحبيل تضم ايضا الباشمهندس كامل حسين ابن العباسية ايضا عازف الساكسفون العريق و قائد الفرقة وهو ايضا كان قد درس هندسة وصيانة اجهزة الاتصالات ببريطانيا مع مع والدى المرحوم المهندس احمد شاهين حيث ارتبطا بصداقة ظلت قائمة بينهما الى ان انتقل والدى من دار الفناء الى دار البقاء ومازالت هذه العلاقة متواصلة مع الموسيقار الباشمهندس كامل حسين وكحال الموسيقيين الحقيقيين فقد استقال كامل من الوظيفة المرموقة ذات الدخل العالى( مهندس مواصلات سلكية ولاسلكية) وتفرغ تماما للمويسقى , وهذا ما فعله الدكتور الراحل باستقالته من الطب و تفرغه للموسيقى.

اللهم اغفر له وارحمه واسكنه الفردوس الأعلى وأبدله دارا خيرا من داره واجعل قبره روضة من رياض الجنة ولاله و ذويه الصبر و السلوان وانا لله وانا اليه راجعون

امير شاهين
[email protected]