مقالات سياسية

الأزمة المفتعلة في شرق السودان (1/2)

آمنه صالح ضرار

يختار كل كاتب العنوان الذي يجذب الاخرين لقراءته خاصة إذا لم يمتلك ناصية البيان والمعرفة العميقة بما يريد تناوله ويضخم المشكل ويلونه وفق هواه ويخرج عن العلمية والموضوعية  بحجتهما أيضاً. لذا قد تصبح أزمة السودان في الشرق أو أزمة الشرق أو أزمة القرن الأفريقي أو أزمة غرب البحر الأحمر ولربما الأزمة العالمية في السودان، كلها خيارات وأهواء تؤدي أحيانا لقفز سياسي وتاريخي خارج التاريخ المعروف اتكاء״ على أن العارفين والقارئين للتاريخ والواقع قلة وهم بطبعهم يترفعون عن الرد على بعض الهوس الذي ينثر هنا وهناك.

طالعت قبل أيام مقالاً كتبه د. معتصم أحمد موسي الذي أعرف أنه كان قيادياً بمؤتمر البجا ثم استقال.

 تحدث د. معتصم في مقاله عن وجود قوى للاقتصاد في شرق السودان متمثلة في الأراضي الزراعية والموانيء وهي حقيقة معروفة للكل لا تحتاج لجدل ولكن أهميتها وكيفية الاستفادة منها تناولها العديد من السياسيين والاقتصاديين السودانيين وطرحوا حلولاً لمعظمها وبالتالي فهذه الأهمية لا تحتاج لتنبيه لتناولها والدول تتقدم وكذلك الأمم بأفعالها وليس بالدوران والالتفاف حول نفس الموضوع “وبعصلجة شديدة”  فقط نشير إلى أن الارتكاز عليها ككرت تهديد لم يعد مقنعاً، وتجارب الدول غنية في هذا المجال.

علاقات البجا بمملكة كوش وبعدها مروي هي حقيقة علاقة معروفة ولكن تحتاج إلى كثير من البحث فلا يكفي كلمة هنا وشكل هناك ولعل من أبناء البجا من ياتينا من يدرس هذه العلاقات خاصة عندما تنكشف معلومات أكثر عن اللغة المروية. ومعروفة مروي القديمة

بأنها كانت مركز صهر الحديد واستخدامه. ويكفي فخراً أنها أصبحت عاصمة لمدة خمسة قرون قبل ميلاد المسيح وثلاثة بعده؛ وهي حضارة تميزت بأنها ذات طابع أفريقي والشاهد على ذلك هو معابد النقعة، ومعبد الشمس ولعل الإله المروي الأسد أباداماك (بعض العلماء يظن أن هذا تسرب من الهند) هو بقوة الإله آمون وتطورت مروي خاصة في عهد الملك ارتكماني والذي اخترع اللغة المروية.

أتى الخطر لمروي من جنوب الجزيرة العربية عندما هاجرت قوى إلى داخل – وعبر البحر الاحمر بالطبع- الحبشة وانشأت مملكة اكسوم التي قويت واستطاعت أن تحول بين مروي وشرق افريقيا والمحيط.

تحدث ابن حوقل في تاريخه عن غارات البجا على ممالك الفراعنة والحبشة القديمة وأنهم اسقطوا عاصمتها أكسوم في  القرن الثامن الميلادي؛ وحكم البجا بلاد الحبشة لفترة من الزمان وانشأوا عاصمة لملكهم تدعي قندار (وبلغة البجا التبداوي اسمها بجا مدر) وتعني أرض البجا وهي لا زالت قائمة بالاسمين.

نخلص إلى أنه في التاريخ القديم كان للبجا فعل وارادة سياسية وتنظيمية قوية.

البني عامر من اصول عربية سحناتهم ولغتهم وتأريخهم يوضح ذلك ومعروف نزوح العرب من الجزيرة العربية واليمن، خاصة بعد انهيار سد مأرب، ومضوا في نزوحهم حتي موريتانيا. تماما كما هاجر العرب لشمال ووسط وغرب السودان بعضهم جاء عن طريق البحر الاحمر والبعض عن طريق مصر والبعض الآخر من الهجرة المرتدة بعد سقوط دولة الأندلس، وهو أمر معروف وموثق. بل أيضا تزاوج العرب النازحين من الجزيرة العربية مع البدوايت فنجد الهدندوة ينسبون انفسهم للعرب العباسيين فجدهم محمد مبارك الشريف تزوج ابنة شكيتل ملك البجا البني عامر البلويين ثم قام زعيم الهدندوة أحمد باركوين بقتل الملك شكيتل ودفنه في الجبل المسمى باسمه حيث استوطن الهدندوة قبل نزوحهم إلى الشمال، ويرتفع النسب للعباس عم رسول الله (ص) أي أنهم أبناء عمومة القبائل الجعلية ودقلل البني عامر الشاعدينابي. وبرغم هذا فإن وجود قبيلة البني عامر هنا قديم ويقال إنهم من أبناء عامر بن كنو الذي هاجر من اليمن وكان أول ظهور لاسم البني عامر في المؤلفات كان في مذكرات أبرهة الأشرم الذي ذكر أن البني عامر تحالفوا مع القبائل العربية في الجزيرة العربية وهاجموه عندما كان في طريقه لمحاولة هدم البيت الحرام، ومعروف أن قبائل البجا كانت مجتمع أمومي مثل كل القبائل الأفريقية يتوارث الملك ابن الأخت وهو أمر تتوفر معلوماته في الانثروبلوجيا وعلمي الانثروبلوجي والمجتمع يوضح ذاك ويصفه بالمجتمع الأموي نسبة إلى الانتساب إلى الأم بينما المجتمع الاخر هو المجتمع الأبوي، وعبر هذا النوع من الزواج تحول المجتمع الأموي إلى مجتمع أبوي؛ وهو ما جعل الملك في نهاية المطاف في أيدي العرب.    Matrilineal society ومعروف أيضا أنه بعد توقيع معاهدة الصلح بين الخليفة العباسي المأمون والملك كنون بن عبد العزيز البلوي البني عامري الرئيس الأعلي للبجا من عيداب إلى عصب، فبعد هذه المعاهدة زادت الهجرات العربية بسبب الضغط الاقتصادي والسياسي مما أدى لهجرات من قبائل جهينة وهوازن وربيعة (مكي شبيكة) وأدت هذه الهجرات إلى تزاوج مع البجا (المسعودي).

عموما لا أرى في الأفريقانية ولا العربية مثالب أو مآثر فيظل ناتج هذا التزاوج من بشر ومجتمعات هو الأهم.

 يتبع..

آمنه صالح ضرار

تعليق واحد

  1. لا وقت لمحاكمة التاريخ بأدوات الحاضر و الناس تحتضر

    ما يفيدنا التاريخ يا أستاذة هل كنا نسعي الي قبلية محضة او دولة القبيلة او دولة ترتكذ علي اثنية او حتي كونفدرالية قبلية.؟؟

    هل فعلا وافق مثقفينا و قادتنا بالشرق علي المحاصصات الاثنية و القبلية (السدة من جنس القبيلة). ؟؟ هل هذا اخر ما توافقنا عليه أم هي تركة الانقاذ التي جررت القبلية لبركها الآسنة و حركة عاطلي المعرفة و الهمة المجتمعية نحو الزعامة و التقرب الي الحاكم و الحكم بانتسابات القبيلة (المبايعة مثلا)؟؟

    نرجوا ان لا نحوض الي جزور التاريخ فيكفيه من مغالطات بين اهله و متخصصيه.فان كان من تنفع و حلول تعريف الواقع بوقعه المشهود. و علي اهل الحكمة و الحكم التنفع من الكتل البشرية كموارد للبلاد نستفيد منها و تنفع نفسها.فبقيام بضعة مشاريع اقتصادية ذات وزن يقارب موارد المنطقة كفيل بجلب الناس خارج القارة ناهيك عن من لهم جزور تاريخية.فالنوبة عرفوا بانتشارهم الهميم بالسودان وقت ما توفرت فرص العمل و مشاريع البنية التحتية.و كذلك البني عامر و تواضعهم للعمل اكسبهم الكثير و تملكوا شي من الريادة.

    فللبني عامر جزور بارض اريتريا كما بالسودان و هذا شي طبيعي بعدم حسبان الاستعمار و تقسيماته و هي مجموعة حدودية لا ضير من انتسابهم الي هنا او هناك. لكن يستجوب اتباع قوانين البلاد فالدولة الحديثة لا تنشاء و تاسس بقبلية فليس للقبيلة ما تعطيه للدولة و الا كانت دولة القبيلة واقع تاريخي يتؤارث.

    نعم هناك تأثير تاريخي و صراع ايدولوجي ابان الحرب الباردة تزامن حتي مع أستقلال اريتريا و خلق الانشقاقات بين المكونات الفاعلة للاستقلال و لعل ازاحة الانقاذ شبيه بسقوط جدار برلين فالتعافي و الاتزان يأتي بتدرج و بمندرج و علي القوي النظامية و المؤسسيات السياسية بالدولتين العمل علي امتصاصها و الخروج بنفع للبلدين. فليس من الضروري مخاشنة مجموعات من قبل سده فالناس بالقرن الافريقي لا تنقصها العلل.

    ما نتوقعه من ( مثقف عضوي) و انتلجنسيا سودانية فاعلة بالشرق التحليل و التوجيه بواقع الاستراتيجية الفاعلة نحو تحضر يليق بالحاضر المنافس و الخطر و للقطرين فالبحر الاحمر ممر خطير لا ينفك من الرصد.

    العالمي.فالنهوض بمؤسسية البلاد تستجوب عدالة مجتمعية تنسي اي مكون مركزيته الاثنية في اجرائها الاداري الذاتي و المفتعل و المحدود الي افق عام مع حـريـــتـة المعهودة و محافظته علي لونه الثقافي و صيانتها ان لزم.

    في ختام و عجالة لابد من الالتفاف حول برامج مستقبلي أستراتيجي يسعف المنطقة و ينتشل الناس الي بر الامان.

    الي من لا يعرف الاستاذ امنة ضرار .. من المحضرمات و السباقات في العمل العام و من مثقفي شرق
    السودان ورايادت العمل النسوي و لم نسمع عنها مناشدتها لصوت القبيلة.

    أحترامي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..