مقالات سياسية

أهمية وإستراتيجية العلاقات السودانية الأمريكية في المرحلة القادمة

نضال عبدالوهاب

واحد من أهم الملفات الفاشلة الموروثة من عهد النظام السابق والكيزان هو ملف العلاقات الخارجية، معلوم للجميع ما أوقعنا فيه جماعة الإسلام السياسي من عزلة وتخبط في جانب العلاقات الخارجية، بل وجروا علينا بسياساتهم الباكرة منذ إنقلابهم علي الديمُقراطية وتسلمهم للسلطة العديد من العقوبات والحظر والحصار الإقتصادي والذي ساهم بصورة مباشرة في التردئ الذي وصل له حال البلد رُغم إجماع كل العالم علي الموارد الطبيعية والخيرات التي يتمتع بها السودان كدولة تمتلك كل مقومات الدول الكبرى والعظمي والمتقدمة ، لكن قدرها ومأسآتها فيمن ظلوا يديرونها طوال الحقب السابقة ..

دفع الشعب السوداني دون أي ذنبٍ جناه فاتورة باهظة وأثمان عالية كنتيجة مباشرة للسياسات الخارجية في عهد النظام السابق ، ونسبةً لأنه كان يتبع الأيدولوجيا الإسلامية المتطرفة فقد أغلق علي السودان كل منافذ العالم المتقدم في أوربا و أمريكا والغرب وحصر نشاطه الخارجي في الدول التي ترعي الإرهاب والتطرف في كل المنطقة ..

بعد التغيير الكبير الذي حدث في السودان ما بعد ثورة ديسمبر فقد آن الأوان لإستعدال وتصحيح خارطة تفكير السودان فيما يختص بعلاقاته الخارجية ومحركها الأساسي في المرحلة القادمة ..

لعل واحدة من أهم عمليات الإصلاح في العلاقات الخارجية هي عودة العلاقات السودانية الأمريكية لتأخذ طابع الشراكة والصداقة الحقيقية ليس فقط لصالح السودان وإنما لصالح أمريكا نفسها، يجب أن يكون سقف هذه العلاقات ليس فقط في إعادة التمثيل الدبلوماسي علي مستوي السفراء ولا حتى مسألة شطب إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فهذه يُفترض أن تكون من البديهيات في تلك العلاقة التي نسعي إليها، ولكننا نعني الشراكة الإقتصادية والسياسية الحقيقية والكاملة بين البلدين في كافة المجالات، آن لأصحاب القرار في الولايات المتحدة النظر للسودان كحليف مهم ومهم جداً في كل المنطقة، وهذا يجب أن يكون في إستراتيجية أمريكا الخارجية بغض النظر عن ما ستسفر عنه الإنتخابات الرئاسية القادمة قريباً في أمريكا ومن ستأتي به ، السودان بلد مهم ومهم جداً ، فبمثل ما يحتاج السودان لأمريكا تحتاج أمريكا للسودان إقتصادياً وسياسياً وفي كل المجالات، لذلك يجب أن تُبني هذه العلاقات وفقاً للمصالح المشتركة للبلدين والإحترام الحقيقي والسيادة الوطنية لكليهما، قد يقول قائل وماذا تحتاج أمريكا من السودان وهي دولة عظمي، الإقتصاد الأمريكي خاصة بعد الركود الكبير الذي خلفته كارثة كورونا ولا تزال آثاره تتوالي كل يوم ومن المتوقع إستمرار تلك الآثار تتطلب إعادة النظر في الشركاء الإقتصادين المستقبليين لأمريكا وفقاً لفرص الإستثمار الإقتصادي، و عدم ترك السودان لدول أقل من الولايات المتحدة في المنطقة والعالم هي فقط من تحدد وتستأثر بفرص الإستثمار والتبادل التجاري مع السودان، و معلوم أن تلك الدول لا تنظر للسودان إلا بعين مصلحتها فقط و الطمع في خيراته للنضوب المحتمل في المستقبل القريب لمصادر دخلها وإقتصادها ، يجب لذلك أن يكون حوارنا المفتوح مع الولايات المتحدة وفقاً لهذا الإطار، كذلك فإن موقع السودان وتاريخه وتنوع شعبه وقدراته تجعل منه حليف حقيقي وصديق للولايات المتحدة بأكثر بكثير من دول أخري في أفريقيا وكل المنطقة مع كامل إحترامنا لها، فهي لا تتمتع بالموارد والفرص الإقتصادية و الموقع و التاريخ الحضاري العريق للسودان وشعبه، فالسودان هو دولة المستقبل الحقيقية في كل أفريقيا والشرق الأوسط .. من مصلحة أمريكا إذاً كما السودان في أن يحدث إستقرار كامل له وأن يتم الإنتقال الديمُقراطي بسلاسة وأن يحافظ السودان علي وحدته لأن قوة الشراكة المتوقعة بين السودان وأمريكا يعوزها سودان مستقر ومتوحد و مدني ديمُقراطي حديث ، لأن هذه هي الأجواء التي يمكن أن تجعل الشراكة نموذجية ومفيدة للبلدين علي عكس السودان الضعيف غير المستقر الذي تشتعل فيه الحرب ، فهنا فقط تستفيد الدول والأشخاص الذين يفلحون في (التهريب) لبعض المعادن كالذهب مثلاً، لأن العوائد الضخمة في التصنيع والزراعة والمناجم والسياحة وغيرها تحتاج إستقرار ووحدة وديمقراطية حقيقية ، وهذه الأخيرة مهمة جداً لسبب أن الشعب السوداني قد برهن لكل العالم أن مزاجه ورغبته مع الديمُقراطية والمدنية الكاملة وظل يقدم من أجل ذلك كل التضحيات ، وهو الشعب الوحيد في كل المنطقة وأفريقيا الذي أقام ثلاث ثورات ما بعد الإستقلال لتغيير ثلاثة أنظمة عسكرية وطُغاة ، فهو شعب لا يحُب الإستبدّاد وقوي وذو تصميم ..

والحديث عن أهمية وإستراتيجية العلاقات السودانية الأمريكية يستتبعه أهمية إستمرار تطوير العلاقة وتحسينها مع أوربا وكل الغرب ، فهذه دول مهمة للسودان أيضاً و لا نجد أدني حرج في التصريح بأهمية التطبيع الإقتصادي والسياسي والدوبلوماسي مع إسرائيل مع التفهم الكامل لوضع دولة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني ولكن هذا لا يمنع إقامة علاقات جيدة وفقاً للمصالح المشتركة مابين السودان وإسرائيل بعيداً أيضاً عن لغة التبعية واللغة التآمرية والعدائية التي لا تفيد في عالم يجنح إلي السلم ويهدف للإستقرار وتغليب مصالح الشعوب .. وهنا لا بُدّ الإشارة لأن تتغير تلك العقلية التي ظلت علي الدوام تخلق حاجزاً من الإنفتاح في علاقات السودان الخارجية وسعيه نحو مصالحه ، بالعاطفة الدينية والجهوية بعيداً عن لغة السياسة والمصلحة ، وهذه واحدة من أخطاء إدخال الدين والأيدولوجيا في السياسة ، فالأثنان وجهان لذات العملة في الإنغلاق والإنكفاء ، يجب أن تبتعد العقليات التقليدية في تحديد وإدارة مسار العلاقات الخارجية للسودان بل وفي كل شئونه ، فسودان المستقبل يحتاج عقليات منفتحة ولعقلانية تسعي لمصلحة الوطن السودان وشعبه فوق المصالح الذاتية والضيقة وتعمل علي تقدمه بدلاً عن سجنه في القديم وإضعافه وتقزيمه ..

أخيراً يجب عدم ترك ملف العلاقات الخارجية للأهواء الحزبية والمحاصصات والعقليات المنكفئة و التقليدية الهرمة ..

نضال عبدالوهاب
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..