مقالات وآراء

هواجس وعقبات أمام لجنة ازالة التمكين ومحاربة الفساد بالشمالية !!

لا شك أن الولاية الشمالية الممتدَّة على الشريط النيلي الطولي ، تتكون من قبائل متداخلة (نوبيين وشوايقة ) مشتركين في عاداتهم وتقاليهم وإرثهم الحضاري (لغة ولهجة) ،وهم مع بعضهم البعض يشكِّلون نسيجاً اجتماعياً مشتركاً ،وملتصقين ببعضهم البعض وكأنهم خرجوا من رحم واحد ، يعرفون بعضهم البعض لأنهم يشكِّلون أسرة واحدة ،تلك التي نسميها بالاُسَرة الممتّدة بأمتداد مناطقهم الجغرافية المذكورة ، وغالبيتهم يشتركون مع بعضهم البعض في القرابة والأنساب عامة ولا غريب بينهم ، ومعظم من تقلَّدوا مناصب دستورية بحكومة الولاية الشمالية في تلك الفترة ،فترة الإنقاذ المقبورة هم أبناء المنطقة إلا النذر القليل الذي أتى من خارج الولاية !
نعم هم بكل تأكيد يعرفون الفاسد فيهم وغير الفاسد منهم ، يعرِّفون من كان مُعدَماً قبل الإنقاذ وصــار بعد أن تقلَّد منصباً دستورياً أو وظيفة هامة في النظام البائد من أصحاب الأعمال والأموال والسيارات والاراضي الزراعية والعقارات .الهاجس الكبير والعقبة الكبيرة التي سوف تقف حسب تقديري في سبيل كشفهم ومحاسبتهم هو أنهم أقارب بعضهم البعض . حتى في اللَّجنة التي شُكِّلت لمحاربة الفساد وإزالة التمكين بكل تأكيد سنجد من تربطه صلة قرابة أو معرفة او صداقة بالفاسد .
معروف ان السوداني بطبيعته مجامل ويحب السترة ،فما بالكم عندما يكون الفاسد مرتبطاً بقرابة مع من أُوكِل اليه أمر محاسبته ؟ فهل يا ترى بوسع هذه اللّجنة أن تعمل بشفافية ؟ وهل بوسعها أن تقدم أحداً من اقاربها الى العدالة بتهمة أنه إغتنى بالنهب في عهد الإنقاذ من مال الدولة العام ؟ الكثير من أبناء المنطقة من في اللَّجنة أو خارجها (وهم مغمضون أعينهم ) يعرفون الفاسد الذي أغتنى في ذلك العهد البائد ،وهناك ما يسمى في علم النفس البشري والمجتمعي بالضبط الاجتماعي ، فالانسان بطبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء قد يأبق من تعاليم الدِّين والقوانين الوضعيه ،ولكنه لا يستطيع ان يأبق ويخرج من الضبط الاجتماعي والقيود القبلية، ومن يخرج من هذا الضبط الاجتماعي وخاصة عند النوبيين يعتبر نشاذاً أي من يرتكب جرائم ( كالزنا والسرقة والقتل وكافة الجرائم الاخلاقية ).
لأنه في إعتقادي إذا تم تقديم أحد من أبناء المنطقة للعدالة بتهمة السرقة ، فهذا سيعتبر منبوذاً في مجتمعه ،وسيصبح عاراً يلاحقه حتى مماته ،وبعد مماته سيورَِث أبنائه صفة ( أبناء الحرامي ) ، وكل عقاراته وأمواله التي جمعها ستكون وبالاً ولعنة إجتماعية لن ينفك منها الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
الآن وفي ظل ما أوردته ،فهل بوسع لجنة إزالة التمكِّين ومحاربة الفساد أن تعمل دون مجاملة أو محاباة ؟ لا اعتقد ذلك فانه من الصعوبة بمكان . (هذا الكلام من وجهة نظري قد يكون صحيحاً أو لا).
هنا يأتي دور الوعي الثقافي ( نموت ويحيا الوطن )،والحِّس الوطني والتربِّية الوطنيّة ، فاللّجنة الواعية بأهداف الثورة والغيورة على وطنها وتريد أن تسترجع الحقوق المسلوبة لأهلها ،عليها ان تتحلَّى بروح الصبر والوطنية ،وأن تكون مجرَّدةً من قيود أي (قيم إجتماعية) تكبَّلها وتعيقها في أداء وتنفيذ عملها ، كقيمة مجاملة القريب والصديق والسترة أو (فقه السترة) ، نعم إذا تخلَّصت اللجنة من هذه القيود ونأت بنفسها من كل ما يقيِّدها وقدَّمت كل المفسدين للعدالة وصادرت كل ما تم نهبه ،فبكل تأكيد ستنتعش خزينة الولاية لأن ملايين الدولارات نُهِبَت من الخزينة العامة ،وآلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية تم الاستيلاء عليها من قبل بعض الأفراد دون وجه حق وبالباطل ،وملايين الأفدنة تم منحُها لمستثمرين أجانب بفسادٍ كبير وشروط هاضِمة لحق الوطن والمواطن وكثير من الاراضي صودرت من ملاكها.
أما اذا كانت اللجنة ضعيفة مفكَّكة وأفرادها من الشخصِّيات المجاملة التي تريد أن تجامل هذا لأنه قريب وذاك لانه صديق ،أو لانه من عَليَّةِ القوم، ولاشك اللجنة ستصطدم بهذا الواقع المرير وستواجه بهذه العواصف لان الولاية الشمالية ذات خصوصية تختلف عن باقي الولايات، فاذا فعلاً خضعت لهذه العوامل وإنحنت أمام هذه العواصف والهوجّاء فلن تقدِّم شيئاً للوطن، وسيظل الفاسدون مستمتعين بحصانة العُرف الاجتماعي دون أن تلاحقهم العدالة وتضربهم بيدٍ من حديد . وسيكون هذا مشجِّعاً للآخرين للسير في نفس الاتجاه لانه لم يتم ردع من قبلهم.
نسال الله التوفيق والنجاح للجنة الولاية في عملها الصعب المحفوف بتلك العوامل التي ذكرناها .

عوض كفي
[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. ممكن ان تعلن اللجنة ان من يرجع اى مال او ارض تم نهبها فى فترة الكيزان سيتمر التستر علية ولن يعلن اسمه بشرط ان يرجع كل ما نهبة الاصل زايد الارباح التى تحققت به يعنى يرجع زى ما كان قبل ما ينهب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..