
نظام الادارات الأهليًة في السودان قديم، قضت عليه المهديًة وأعاده الانجليز لسببين: الأول فضَ النزاعات المحليًة والفصل فيها قضائياً.. ، والثاني الإدارة حيث يتولى الناظر والعمدة والشيخ شؤون إدارة القبيلة كل حسب صلاحياته..، ثمً جاء نظام مايو فقام بتصفيته واستعاض عنه بالنظام القضائي والإداري الحديث، نظام المجالس البلديًة، أعادته الانقاذ على أساس الولاء فعبثت به وشوًهته واستخدمته لتصفية الرافضين لها وضربت به النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي. ، الآن تستخدمه اللجنة الأمنيًة لتحقيق ذات الأهداف تنفيذاً لأجندة دول أجنبيًة لن تتحقًق إلاً بتأجيج الفتن .. والدلائل كثيرة ساذكر بعضها في هذا السرد.
في الثامن من أغسطس الجاري، طالعت بياناً صادر عن “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلًة” بتوقيع شخص اسمه محمد الأمين ترك (ناظر الهدندوة) يعلن عن انفصال اقليم البجا والحكم الذاتي اعتباراً من منتصف ليل الجمعة 14 أغسطس 2020، ويدعو كل من مصر واريتريا واثيوبيا للاعتراف به.
أرجع المجلس المذكور لجوئه لهذه الخطوة – كما قال البيان – بعد استنفاذ الحكومة المهلة الزمنية التي حددوها لها في (التراجع عن تعيين ولاة كسلا والقضارف، مراجعة الهوية الوطنيًة، تجميد مسار التفاوض في جوبا)…
من يفهم حقيقة ما يحدث في الشرق لن يفكر طويلاً حتًى يستنتج أنً المجلس المزعوم لا يعترف بالقبائل الأخرى غير الناطقة بالبداويت ، و لا يعترف بسودانيًة بعضها مثل البني عامر ، مقصياً للآخرين ومصادراً حقهم في عنصريًة بغيضة لم نشهد مثلها من قبل… ، لم أطالع نفياً من الشخصية الموقعة على البيان ببيان مماثل، رغم نفيه من جهات أخرى…، وهى طريقة أصبحت معروفة لاطلاق بالونات الاختبار، نشر البيان، ثم انتظار ردود الأفعال ثمً المضي أو التنصل منه.
نفس المجلس الذي أعلن انفصال إقليم البجا كان داعماً قوياً عبر كل مكوناته لنظام المخلوع ( هذه حقيقة أكثرمن كافية لحله واخضاع أفراده للمحاكمة) وبعد سقوطه حوًل ولاءه تلقائياً للمجلس الانقلابي، واجتمع معهم قائد مليشيا الجنجويد مرات عديدة آخرها قبل يومين..، واعلنوا من قبل عن حزب أسموه حزب الدعم الأهلي (أي تحالف الجنجويد والإدارات الأهليًة)واجتمعوا أكثر من مرًة أفراداً وجماعات مع الحكومة (مجلس السيادة) …، ذهبوا أبعد من ذلك بأن عقدوا لقاءات مع سفارات أجنبيًة و عرضوا على بعضها صراحةً تمكين دولها من مساحات واسعة من الأراضي السودانية وكله موثق …
المراقب لما يحدث في الشرق لن يفاجئه تطور الأحداث إلى نزاع قبلي مسلًح، الاقتتال بين البني عامر والنوبة ما هو إلاً ضربة البداية، الحرب الحقيقيًة لم تبدأ بعد، وهى حرب بين البني عامر والهدندوة، بدأت ارهاصاتها قبل عام في بورتسودان، وحدث صلح هش ، وما يحدث حالياً هو استعداد وتسابق تسلح بين الفريقين ، لم يتبقً إلاً الرصاصة الأولى…، والكل يحشد لها تحت كامل الدعم والتشجيع من مجلس اللجنة الأمنيًة.
نشط الجنجويد طوال الفترة التي تلت سقوط المشير في تجنيد أطراف النزاع خاصًة البني عامروالرشايدة.. ، هذا يجيب على سؤال لماذا لم تتفجًر الأوضاع إلاً بعد سقوط المخلوع؟… في ذات الوقت تمارس دولة اريتريا نفس الشئ … تستضيف المتمرد / محمد عمر طاهر بكامل قواته وتساعده في تجنيد المزيد..، أضف لذلك أنً الامارات تستخدم الأراضي الاريترية في نقل المرتزقة (الجنجويد) والعتاد إلى ليبيا، وتستخدمها لتحقيق أطماعها في كل السودان تحوطاً لفشلها من خلال مليشيا الجنجويد التي أثبتت التجربة أنً قوًة الشارع السوداني تجعلها عاجزة عن انجاز المهمًة لوحدها.
كثيراً ما عوًلت الامارات على نظام المخلوع، ولإدراكها الكامل أنًها لن تستطيع السيطرة الكلية على السودان بسهولة من خلال اعتمادها على مليشيا الجنجويد والعملاء الداخليين وحدهم، لذلك فهى تعمل أيضاً من خلال اريتريا وما يسمًى بالإدارات الأهليًة واللعب على المتناقضات فتضرب الهدندوة بالبني عامر والبشاريين بالرشايدة حتى تعم الفوضى وتسيطر كلياً على منافذ السودان البحريًة وبالتالي كل السودان.
إذاً المستفيد الأوًل من الفتنة في الشرق هم عملاء الامارات ودول أجنبيًة أخرى معروفة بعضها تريد السيطرة الكاملة على السودان وأخرى تريد التوغل أكثر من أطرافه، ما يجمعها المطامع، وليس من مصلحتها استقرار السودان..، تعمل جميعها من خلال مجلس اللجنة الأمنية مجتمعاً، و مجموعة من العملاء (حميدتي، عبد الغفار الشريف، طه عثمان) ونظام أفورقي وزعماء الادارات الأهلية في الشرق ، وتحالف الخونة في قحت. أمًا الحديث عن بقايا النظام ودورهم في الفتن فهذا كلام سطحي، لأن بقايا النظام البائد الأكثر نفوذاً وتأثيراً الآن هم (اللجنة الأمنيًة)أعضاء المجلس العسكري والادارات الأهليًة التي تدين له بالولاء.
إذا كان رئيس اريتريا يتجول جيئة وذهاباً في شرق السودان ويجتمع بزعماء تلك الإدارات تحت سمع وبصر الحكومة، و يقابلون سفراء دول أجنبيًة ويعرضون عليهم أراض سودانيًة فهذه هى الخيانة بعينها، أمًا أن يحدث هذا بمباركة السلطة فتلك خيانة أعظم..
لا توجد سطوة للإدارة الأهليًة في منطقة من السودان إلا ابتليت بالفتن والعمالة وإقصاء الآخر…، يتناسب القبول بالآخر عكسياً مع وجودها..، الشمال من حلفا وحتًى الخرطوم لا توجد فيه إدارات أهليًة والناس يعيشون في سلام ويتقبلون بعضهم بعضاً منذ قرون خلت..، يستطيع الشايقي العيش في ديار الجعليين والهواري في ديار الشايقية والرباطابي في ديار المحس والبديري في ديار الدناقلة ولا أحد يسأل عن قبيلة الآخر ، يحدث نفس الشئ في الجزيرة والخرطوم ومعظم مناطق السودان..
الأصل أنً الوطن للجميع ومن حق أي مواطن العيش في أي منطقة وفقاً لتقديره المطلق..، ومن حقه أن ينعم بالأمن تحت حماية السلطة ، لكن هذا ليس هو الحال في مناطق نفوذ الإدارات الأهليًة والسبب أنًه لا وجود لدولة القانون التي تحمي هذا الحق ، عندما نأتي بدولة القانون ستكتشف أنًه من أوًل المهام المطلوبة حل جميع مكونات الإدارة الأهليًة لدورها المحوري في تأجيج الصراعات وتنفيذ أجندة دول أجنبيًة…، هذا لن يحدث طالما السلطة نفسها تقف جانبهم، بالتالي لن تحل المشكلة إلاً بإسقاط السلطة القائمة وإبدالها بسلطة تعبر عنًا وتفكك دولة الإنقاذ بتوابعها.. ،سلطة سودانيًة خالصة تنأى بنفسها عن العمالة والارتزاق وهمها الوطن ترابه وإنسانه.
مشكلتنا واضحة وحلها واضح، إمًا أن نعمل على حلها أو نرضى بالنتيجة الحتميًة.
مصطفى عمر
التمويل تنظيمه او قطعه بصراحة الرشايدة محترمين قليل من الادب واستيعاب لهم قلبهم على البلد لانهم مشردين وبحقهم استيعاب الرشايدة مهم جدا لقطع الطريق على الانفاصالين