مقالات وآراء

هواة الاصطياد في المياه العكرة

كنت من اوائل المعترضين على ترشيح عبدالله حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء قبل عام، ليس قدحا في مؤهلاته أو رفضا لأجل الرفض فقط، بل كانت لطبيعة المرحلة وطبيعة المنصب التي تتطلب (سياسي شفاتي مسلط)، يتمتع بدكاء سياسي حاد، يجيد تماما قوانين اللعبة السياسية، منزلقاتها، مطباتها ومنعرجاتها.
المرحلة الإنتقالية ليست مرحلة عادية، يمكن أن تُقسم فيها المناصب التنفيذية لهواة السياسة أو مثقفي الجامعات من الأكاديميين، فهؤلاء مرحلتهم لم تأت بعد، لأن المرحلة لا زالت حرجة وتفتقد للإستقرار السياسي وتحتاج لعناصر سياسية صلبة تدرك حقيقة الوضع السياسي الهش، ومتطلبات المرحلة وتعقيداتها التي تنقلك في كسر من الثانية من مرحلة الفعل لرد الفعل.
عبدالله حمدوك وجد من القبول ما لم يجده زعيم سياسي سوداني من قبل، لذا لم يكن أمام الجميع خيار سوى دعمه بشتى الوسائل حتى نهاية الفترة الإنتقالية، وتصحيح مساره متى ما حاد عن الطريق، فهو يمثل رمز ثورة ديسمبر رغم أنه لم يكن أحد المشاركين فيها، ولم يُعرف عنه مساندته لها منذ البداية، ولكن الظروف التي جاء فيها تحتم على الجميع الإمتثال لرأي الأغلبية حتى وإن لم يكن هذا الرأي يمثل قناعات الكثير من السودانيين.
الخطوة التي أقدم عليها حمدوك قبل يومين بعدم خروجه لمقابلة ممثلي موكب 17 أغسطس وما صاحب ذلك من ردود أفعال غاضبة من الثوار من قمع مفرط لقوات الشرطة ضد الثوار، جعله في مواجهة مباشرة مع العديد من لجان المقاومة التي جاءته باحثة عن حلول مطمئنة على أوضاع البلد، ومطلوبات الثورة من توقيع إتفاقيات السلام وبسط العدالة، ومعاش الناس وغيرها من مطالب مشروعة، فكان نصيبها التفريق بالبمبان والضرب بالهراوات وغيرها من أساليب إعتادت عليها السلطات الأمنية منذ إعلان الحكومة المدنية.
نعم هناك أيدٍ خفية وراء هذا التصعيد المباشر من قوى سياسية وواجهات لها، ومخابرات أجنبية، إلا الخطوة الذكية التي كانت كافية لإطفاء غضبة الشارع، هي خروج رئيس الحكومة لمواطنيه وتقديم إعتذار مباشر عبر أجهزة الإعلام عن القمع الذي مورس على الموكب، وإتخاذه خطوات عملية بالموافقة على بعض المطالب على أقل تقدير لإمتصاص غضب الشباب الثائر.
هذا التصرف طبيعي لقائد حقيقي يتمتع بذكاء سياسي معقول، وكفيل بقفل جميع الأبواب المؤدية لإجهاض الثورة من قبل قوى الردة وعناصر الثورة المضادة التي أعلنت مرارا أنها ماضية في طريق إسقاط الحكومة، وتساعد بطريق مباشر في إحداث الفوضى بالشوارع بإستغلال الأطفال دون سن الثانية والثالثة عشر لإقامة المتاريس في جميع الأوقات وبلا خطة ثابتة ما أدى لإعاقة المواطنين في الشوارع بالأحياء. ووضح ذلك الدعم في إحضار عناصر المؤتمر الوطني (للطوب واللساتك) بالعشرات أمام المتاريس كما حكى أحد المتابعين أمس.
نعم لابد( للترس أن يكون صاحي)، ولابد لحمدوك وحكومته أن يعلموا تماما أن للثوار مطالب مشروعة بالدستور، ولكن، الوضع الحالي يفرض على الجميع الجلوس في طاولة واحدة للتباحث والتناصح وإكمال النواقص التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة، ومنعا للإنهيار الذي يعمل له أصحاب الأجندة بالداخل والخارج.
فشل حمدوك وبطء ايقاعه وعدم تفاعله مع الأحداث المتسارعة وعدم توفيقه فى اختيار مساعديه، وعدم إستغلاله للشعبية الجارفة التي وجدها من الشارع، بجانب إنعدام الشفافية والمثالية الزائدة، جميعها عوامل من شأنها التعجيل بذهابه، ولكن لن يكون هذا هو الحل من وجهة نظري، فالحلول يجب أن تأتي من جميع الشركاء بمن فيهم لجان المقاومة، لأنهم صمام أمام الثورة الحقيقي، والحارس الأمين للثورة، بل هى القوة الحقيقية التى يهابها الكيان العسكرى والقوة الصلبة، وعليه يحتاج الامر لتنظيمها وإشراكها في صناعة القرار من خلال توظيفها فى الجانب الرقابى داخل الأحياء منعا اختراقها من قبل الفلول واعداء الوطن من هواة الإصطياد في المياه العكرة، عدا ذلك فالثورة مصيرها الإختطاف.
الجريدة

‫2 تعليقات

  1. مقال يجب أن يقرأ بعناية من الثوار و عليهم عدم الانجرار للتصعيد بهذه الطريقة التي يستفيد منها الفلول و أعداء الوطن.و التي قد تؤدي لفقدهم لمؤازرة جماهير الشعب و المواطن العادي الذي كان يريد فيهم الأمل لتحقيق مطالب الثوره ..و علي حمدوك مخاطبة الشباب و توضيح الحقائق و العقبات. .السكوت في مثل هذه الظروف خطأ كبير ..كما عليه اعاده تشكيل مستشاريه بكوادر مؤهلة و غير مسيسة

  2. لا ترددی ببغاٸیة ترهات الفلول والانهیار,ومثالیة حمدوك وعدم شفافیة الحکومة الانتقالیة.ومن قال لك ان حمدوك اکادیمی بالمفهوم الغربی,فلقد مارس السیاسة فی جامعة الخرطوم قبل ولادتك کما أعتقد!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..