مقالات وآراء

الازرقيون  يتحدثون !! الحلقة (1)

لقد قالها العم أزرق منذ اكثر من ستين عاما ” السودانيون غير مؤهلين لحكم بلادهم   “
تنويه:  يستخدم السودانيون كلمة ” الانجليز ”  و ” البريطانيون” بالتبادل  باعتبارهما شئ واحد وان كانوا يستخدمون كلمة ” الانجايز”   باكثر من استخدامهم لكلمة ” البريطانيون ”  وفى هذه المقالة قمنا باستخدام الكلمتين بالتبادل كما يفعل السودانيون   تجنبا للدخول فى تعقيدات فروقات  المسميات من شاكلة ” بريطانيا و المملكة المتحدة و انجلترا ”
تسمية  او مصطلح ” الازرقيون ” هو من اجتهادى الشخصى  وقصدت به كل من يحمل افكار او اراء تؤمن بان هنالك مشكلة حكم مزمنة فى السودان سواء ان كان الحكم عسكرى او مدنى او خليط بينهم وان السودانيون قد فشلوا جميعا فى ادارة حكم بلادهم  والديل هو الحالة التى وصلت اليها البلاد  وان الحل يكمن فى الاستعانة بالاجانب غير السودانيين  اذ ان هنالك مشكلة تتعلق بطبيعة الانسان السودانى نفسه تمنعه من الحكم السديد !! , وتعود التسمية الى العم ازرق الذى رفض خروج البريطانيين من السودان فى العام 1956 كما سوف نرى فى هذا المقال. وقد يكون الكثير من الذين يحملون هذا الافكار والتى تطورت الان الى المطالبة بوضع السودان تحت الوصاية الدولية    لا يعرفون او يسمعون عن العم ازرق . كما يجدر ذكره باننى اعرض الموضوع من وجهة نظر تحليلية محايدة  وليس بالضرورة ان اكون مؤيدا او معارضا  ” للازرقية”
لم يكن مفاجئا او مثيرا للدهشة و العجب للكثير من المراقبين تلك العريضة التى التى وقعها عدد 36 الف من اللبنانيين  ابان زيارة الرئيس االفرنسى  ماكرون للبنان  فى 6 اغسطس الماضى لابداء التضامن واظهار الدعم و المساندة للبنانيين عقب انفجار مرفأ بيروت الذى خلف ورائه خسائر فادحة فى الارواح و الممتلكات , وفى تلك العريضة طالب الموقعون عليها بعودة الانتداب الفرنسى لبلادهم 1920—1943 بعد الفشل الذريع فى ادارة البلاد من قبل اللبنانيين  انفسهم , ومعرف بان اللبنانيين  شانهم  مثل الكثير من الشعوب التى نالت استقلالها ولكنها لا تزال  ترتبط عاطفيا بالدول التى كانت مستعمرة لهم وهم فى ذلك ليسوا بشواذ ونحن فى السودان كنا كثيرا ما نسمع من اهلنا الذين عاصروا فترة حكم الانجليز عبارة ” يا حليل زمن الانجليز !! ”
وما قام به البعض من ابناء لبنان  من المطالبة بعودة الحكم الفرنسى لبلادهم بسبب انه فى اعتقادهم اكثر عدالة و رحمة و كفاءة من كل الحكومات الوطنية المتعاقبة على حكم لبنان منذ استقلاله فى العام 1943 , قاله بعض السودانيين منذ اكثر من ستين عاما ! وبهذا فان السودانيين هم دائما  لهم قصب السبق على  بقية الشعوب  العربية و الافريقية  فى  التفكير و الاتيان بما لم يفكر او يفعله الاخرون  ( 3 ثورات شعبية فى اقل من 60 عاما) . وفى هذا الصدد فقد تسائل البعض هل سيجد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطانى اذا ما قرر زيارة السودان فى مثل هذه الايام , هل سيجد عريضة من بعض السودانيين يطالبون فيها بعودة الاستعمار البريطانى لبلادهم اسوة بما فعل اللبنانيون مع الرئيس الفرنسى ؟؟ ويجدر ذكره بان ملكة المملكة المتحدة  قد زارت السودان فى فبراير 1965 حيث  تم استقبالها  بحفاوة و ترحيب كبيرين كما نرى فى الصورة المرفقة , وبالطبع  قد دارت فى افكار العديدين فى ذلك الوقت فكرة انضمام السودان بصورة ما الى بريطانيا !
فعندما ينسد الافق السياسى فى بلادنا  بفعل حماقات و سوء تقدير ساستنا وما اكثرهم , وعندما تتوالى الازمات السياسية و الاقتصادية و تتوالد و تتناسل بفعل الجهل و العناد وعدم الاهلية و الكفاءة  و الوطنية و عدم المسؤولية لدى هؤلاء الساسة وتصل بلادنا الى مفترق الطرق الذى يهدد حتى وجودها فى خريطة العالم , فيبدأ  هؤلاء الساسة   على الجميع باثتثناء انفسهم !   وتبدأ حملات التشهير و التنظير فى بلد اشتهر ابناؤه بحبهم للحديث و ابداء رايهم فى كل شئ وعلى راسها السياسة !  وهنا يتبارون فى التحليل و النقد قالبعض يرى ان الحكم العسكرى هو الانسب للسودان بما يعتقد بانه اكثر انضباطا و حزما بينما يرى الاخرون ان الحكم المدنى و برغم سلبياته هو الاحسن وحتى عند الحديث عن  الحكم المدنى فان هنالك العديد من الاراء المتضاربة عن الاسلاميين و اليساريين  والقوى الوطنية التقليدية ,  ومن بين كل هؤلاء هنالك صوت بالرغم من انخفاضه وتيرته الا انه يجد اذانا صاغية لدى البعض و لاسيما ان هذا الصوت ليس وليد اليوم بل ظل يتردد منذ  الخمسينيات من القرن الماضى ,  فقد يخفت احيانا و يعلوا فى احيان اخر  , هذا الصوت وهذه الافكار التى يتبناها ما يمكن ان نطلق عليه بجماعة ” الازرقيون” نسبة الى العم ازرق مصطفى والذى كان يعمل جزارا فى سوق الشجرة بامدرمان فقد    رفض العم ازرق خروج الانجليز من السودان و طالب ببقائهم 20 سنة اخرى حتى يتعلم السودانيون كيف يحكمون انفسه لانهم يفتقرون الى الكفاءة و الحنكة اللازمتين لهذا الغرض   وكان الرجل شجاعا فى طرحه لرايه ذلك سواء ان اتفقنا معه ام لا ! فالرجل كان يسبح عكس التيار ويعارض  الرائ و المزاج  العام!   الذى  يطالب  بوجوب خروج الانجليز من السودان  وان يتم الحكم بواسطة السودانيين اولاد البلد ( السودان للسودانيين ) و ( يا غريب يلا لى بلدك و سوق معاك ولدك و ) “… وفى سبيل ذلك قام بتاسيس حزب اطلق عليه اسم ” تقدم السودان ” وخاض به الانتخابات ويقال بانه قد حصل فقط على 40 صوتا مقابل 20 الف نالها اسماعيل الازهرى  وعندها تعرض للسخرية و الاستهزاء و التقليل من شانه  من عدد كبير جدا من السودانيين الذين كانوا ينظرون اليه بوصفه عميل لاستعمار و عديم الوطنية  وصفات اخرى ليس من اللائق ذكرها ,  ولكن العم ازرق قال كلمته التى حفظها التاريخ عندما عايروه بال40 صوت التى نالها ” الحمد لله ان هنالك 40 سودانى بيفهموا !! ”  . وكانت افكار العم ازرق فى غاية البساطة فهو يقول بانه مواطن سودانى بسيط  يحب بلده و يتمنى لها ولشعبها كل خير  و يريد ان يراها فى مقدمة دول العالم  وان الاتجليز هم من علموا السودانيين اشياء لم تكن موجودة قبل دخول الانجليز ( فترة حكم المهدية ومن قبله الاستعمار التركى)  الى السودان مثل المدارس و مؤسسات التعليم و المستشفيات و مؤسسات الرعاية الصحية و خدمات الكهرباء و الماء و تخطيط المدن وبناء الخزانات و المشاريع الزراعية و المصانع  و خدمات النقل و المواصلات السكك الحديدية النقل الجوى و النهرى و البحرى  وقائمة طويلة من الانجازات  التى لا ينكرها الا  مكابر  , وتبقى امرا واحدل لم نتعلمه منهم وهو كيف نحكم بلدنا ! ولهذا فيجب ان يبقى الانجليز لمدة 20 عاما اخرى حتى يتعلم السودانيون منهم  كيف يحكمون بلدهم  ! وهذا يعنى على حسب  ما طالب به العم ازرق بان يستمر الانجليز فى السودان حتى اواسط السبعينيات من القرن الماضى !   . ومن ضمن ماخذ العم ازرق على حكم السودانيين هو انهم يحسدون بعضهم البعض و لا يحبون ان يروا من هو احسن منهم , وفى هذا الصدد فقد ذكر المرحوم ابراهيم منعم منصور فى  مذكراته بان والده الناظر منعم منصور ناظر عموم قبائل الحمر فى الادارة الاهلية انه قد  أقام حفل وداع للمفتش الإنجليزي فى غرب  كردفان  بمناسبة مغادرته النهائية للسودان فى ايام الاستقلال  , وفى هذه المناسبة قام المفتش الانجليزى بسؤال الناظر منعم  إن كان السودانيون يستطيعون إدارة بلادهم بالكفاءة اللازمة عقب خروج الإنجليز؟ فأجابه الناظر نعم نستطيع فهذه جارتنا إثيوبيا حكمت نفسها فلماذا نفشل نحن؟ فرد عليه المفتش الإنجليزي لن تنجحوا والسبب هي ظاهرة سيئة عندكم قوامها الحسد، وأردف قائلاً سأضرب لك مثالاً ومقارنة بيننا وبينكم فنحن في بلادنا إذا وجد شخص شجرة مثمرة نادى آخرين يشركهم في إنتاجها والاستفادة منها أما أنتم في السودان إذا وجد شخص شجرة مماثلة فإنه يعمل على الاستئثار بأطايبها وحده. ثم أردف قائلاً للناظر قد لا تعلم إننا كإدارة بريطانية ظللنا نتسلم رسائل سرية من أشخاص يشتكون – حسداً – بعضهم بعضاً ولن أسرد لك أسماءهم حتى لا تكون فتنة  .  واللافت للنظر بان العم الازرق لم يكن لوحده فى ذلك الزمن الذى يكن مشاعر الود و الحب للانجليز فهنالك الكثير من الشخصيات العامة ورموز وقادة المجتمع , الا ان العم ازرق  قد تفوق عليهم بانه اتخذ خطوات عملية للتعبير عن هذا الود وهو تاسيسه لحزب سياسى و المجاهرة بافكاره التى كما قلنا كانت وقتها مرفوضة جملا و تفصيلا , فمثلا !  الناظر  الحكيم بابو نمر الذى كان مشهورا بالسخرية و سرعو البديهة كان من المعجبين ايضا بالانجليز ويحكى عنه انه كان فى زيارة الى بريطانيا حيث انبهر هنالك كما قال برقى و تقدم  الانجليز وعند عودته  من زيارة للندن  قال في مدحهم إن الواحد من هؤلاء الناس “إن عفصك يقول لك سوري، وإن عفصتو برضو يقول لك سوري”.
وهنالك مقال مشهور للدكتور يوسف فضل باللغة الانجليزية بعنوان  “المملكة المتحدة والسودان: خير الأعداء” ذكر فيه كيف أن معظم السودانيين يقدسون حريتهم ولا يحبون أن يكونوا تحت سيطرة بريطانيا (أو غيرها)، بيد أنهم في ذات الوقت يحبون البريطانيين جدا، ويتطلعون كأفراد ومسئولين إلي إقامة أقوى جسور الصداقة والتعاون معهم، وكثير منهم ينظرون بعين الاحترام إلى سلوك البريطانيين الشخصي والعام باعتباره سلوكا مثاليا يصعب (إن لم يستحيل) التشبه به. فسلوكيات معتادة مثل الحفاظ علي المواعيد، وعدم الكذب، وأداء الواجب، لا تذكر إلا وتأتي معها الصورة النمطية لـ “الخواجة” (البريطاني عادة) الجنتلمان المنضبط، صادق الوعد (ومن هنا جاء تعبير “مواعيد خواجات”)!.

وبالعودة مرة اخرى الى العم ازرق والذى لم تفلح كل محاولاته فى الابقاء على الانجليز لمدة 20 عاما اخرى , فقال بعد خروج الانجليز واستلام السودانيون الحكم ”  عليه العوض ومنه العوض  بلد و خربت !! ”  ولكن هل كان العم ازرق يرى ما لم يراه الاخرون ؟ فبعد اقل من سنتين من قيام اول حكومة مدنية و طنية   , قام  الفريق ابراهيم عبود باول انقلاب عسكرى و كما قال بطلب من احد الاحزاب المدنية , وبعدها كما يقول المصريين ” عينك ما تشوفش الا النور ”  دخل السودان فى دائرة  حكم مدنى  لا يستمر كثيرا بسبب الانقلابات  العسكرية والتى تكون فى الغالب مدعومة من احد الاحزاب السياسية  !! وهكذا تدور ساقية الحياة السياسية فى السودان ( حكم مدنى . حكم عسكرى ) الى يومنا هذا  ولا احد يعرف متى و كيف تتوقف هذه الساقية  , وللدلالة عما ذكرنا فنجد ادناه التسلسل الزمنى للاحداث منذ الاستقلال:

1956: استقلال السودان وبداية الحكم الوطني.

1958: الجنرال إبراهيم عبود يقود انقلابا عسكريا ضد الحكومة المدنية المنتخبة حديثا في بداية العام.

1962: اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب بقيادة حركة التمرد “أنيانيا”.

1964: ثورة أكتوبر التي أطاحت بعبود وقيام حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدي.

1969: الرائد جعفر محمد النميري يتزعم الانقلاب العسكري المعروف باسم “ثورة مايو”. بدعم الشيوعيين

1971: إعدام قادة الحزب الشيوعي السوداني بعد فشل انقلاب هاشم العطا الشيوعى

1972: أصبح الجنوب منطقة حكم ذاتي، بموجب اتفاق أديس أبابا للسلام بين الحكومة وحركة “أنيانيا”.

1985: اندلاع ثورة شعبية ضد حكم النميري عرفت بانتفاضة أبريل وانحاز فيها الجيش إلى جانب الشعب وتأسس مجلس عسكري مؤقت لحكم البلاد برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب.

1986: فوز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي في انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة ائتلاف برئاسته.

1989: العميد عمر حسن البشير يقود انقلابا عسكريا من تدبير الجبهة الاسلامية القومية التى كانت مشتركة فى الحكومة الديمقراطية برئاسة الترابى ويستولى على الحكم،
2011 : انفصال جنوب السودان و تاسيس دولة  جنوب السودان
2019 ابريل :  نجاح الثورة  التى اطاحت بحكم البشير  وكانت شرارتها قد انطلقت فى ديسمبر 2018,
وفى 5 سبتمبر تم تكوين الحكومة الانتقالية الحالية  برئاسة الدكتور حمدوك والتى لا تزال فى الحكم , وبعيدا مدح او نقد   حكومة حمدوك مابين مؤيد و معارض   الا ان الامور على الارض لا تزال بعيدة عما ناضل و استشهد من اجله الكثير من ابناء هذا الشعب !

امير شاهين
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..