مقالات وآراء

احييييي.. !

لبنى احمد حسين

مالي لا البس السواد لفقده.. بل و مالي لا اضرب الخدود و اشق الجيوب.. لم التقه و ما تعرفت عليه من قبل.. في عمر ابن كبير او اخ صغير.. لعله في الثانية او الثالثة و العشرين..هكذا تحدثني ملامحه الابنوسية الوضئية.. بكيت طرير شبابه.. و اتساع أحلامه و عمق الآمه و مرارة واقعه الأليم الذي دفعه لمجازفة البحر جزافا.. احييي.. الشاعر عبد الوهاب لاتينوس، رحل و اخر منشور له بالفيسبوك ترويجه لحملة “حماية الحق في الحياة” منتصف أغسطس الجاري .. فيا وجعي.. “كن شمعدانا فاحترق كيما تنير شوارعها العاتمة.. او تلاشى في العدم”.. رفع عبد الوهاب خريج اقتصاد جامعة الخرطوم لافتة “حماية الحق في الحياة” .. ثم مضي.. ابتلعه البحر الأبيض المتوسط. واحد من اثني عشر سوداني من مائتي افريقي ابتلعهم البحر الخميس حين ضاقت بهم الارض بما رحبت.. او لعل ذلك قارب اخر، فمتى توقفت قوارب الموت؟ اللهم اغفر لهم وارحمهم واعف عنهم وعافهم وأكرم نزلهم و وسع مدخلهم، اللهم أبدلهم داراً خيراً من ديارهم و أهلاً خيراً من أهلهم..

حاشاها ما بتنزم..
زینب القول فوق شلد العيال الوافر الشمبول
یا دابي الجبال قلبك صميم من حجر یا دود الوعر الوافر الشمبول
ياجبل الداير الما بينطلع لي زول..

لم افهم الكثير من اغنية كابلي التراثية مجهولة الشاعر .. لكن ما فهمته ان زينبنا كما الممدوح في الاغنية و كجبل الداير، لم تنقلع و لم تنطلع لي زول حتي رحيلها عن دنيانا أمس الاول. هي من الناس الذين لا تذكر أين عرفتهم ولا كيف.. تكون قد سمعت عنهم مئات المرات من اهل او اصدقاء او صديقات مشتركين .. زينب بدرالدين، معلمة الاجيال و ام الكنداكات و الثوار.. حفيدة محمد عبدالرحيم اخت هاشم بدرالدين ام ولاء صلاح.. و ام محمد و بدرالدين.. تصعب الكتابة عن زينب رحمة الله تغشاها ذلك ان الحديث عن مواقفها هو توثيق لمسيرة نضال و كفاح الشعب السوداني ضد نظام الإنقاذ منذ الثلاثين من يونيو… طوال ثلاثة عقود ، سواء كان المشاركين في الندوات والتظاهرات ضد البشير مئات ، الاف، ملايين او فقط عشرات ستجد زينب في دفتر الحضور..تعرضت وزوجها للفصل للصالح العام حين كان أطفالهم زغب الحواصل لا ماء ولا شجر و القوا في قعر مظلمة.. لكنهم ما توسلوا كالحطيئة طالبين الغفران من عمر.

يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض تغمد زينب برحمتك و اغفر لها و اجعلها من أصحاب اليمين في الاخرة .. بعد أن كانت في الدنيا من أهل اليسار الذي لم يسرق قوت الغلابة.. ارحمها يا أرحم الراحمين. اللهمّ أنزلها منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين.

دنيا اسمها كمال!..
و العنوان اقتباس من مقال له نشر أواخر التسعينات اثار جدل كثيف.. لم يلعن الظلام، لكنه اختار ايقاد شمعة حين كانت حرية الصحافة ظلمات بعضها فوق بعض. خرم ثقب في الجدار حين دق اخرون الجدار ولم ينشطر. بمكتبه تري الشيعي و الشيوعي، النصارى و الأنصار و أنصار السنة مرورا بالمتصوفة ..و عجبت كيف؟.. و ايقنت بمقولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية فعلا لا قولا .. المثقف و الجهلول ،الغني و الفقير، و الحاضر و “الغايب” السفير والخفير.. الكوز و الثائر.. فمن غيره يجمع بمكتبه بلح الشام و عنب اليمن.. ذلك هو الراحل كمال حسن بخيت رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة..

علي الصعيد العام، جاحد من ينكر الدور الرائد لصحيفة ” الراي الاخر” و من بعدها “الصحافة” في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي في اتاحة الفرصة لتوصيل الراي الاخر في زمان لم يك فيه فيسبوك و لا واتساب ..و سيد الموقف هو تلفزيون السودان و ساحات فدائه بينما الفضائيات طعام محرم علي غير اولي الحظ العظيم. حينها كانت الصحف الرياضية والاجتماعية اضافة الى الوان حسين خوجلي و أسبوع تيتاوي و من والاهما هم صحف الخرطوم بينما “الخرطوم” تصدر من القاهرة.. و فتح الراحل كمال بخيت و -اكاد اقول – بل اول من فتح الصحف الصادرة بالسودان رأيا و خبرا لقيادات المعارضة و التجمع الوطني الديمقراطي حينها. واحتفي بأهل الفن و الادب و افسح اخيرة الصحافة كاملة لقصائد العمالقة هاشم صديق وغيره فكانت قصائدهم في ذلك الوقت الذي لا “راكوبة” فيه و لا “سودانايل” معلقات مكتوبة بماء الذهب تعلق على جدر الجامعات و صوالين الانقياء.. يأت لكمال اصحاب المشاكل و القضايا، المهترئة أحذيتهم و المغبرة جلاليبهم فيسارع لاستقبالهم بذات الحفاوة التي يستقبل بها طه علي البشير.

علي صعيدي الشخصي.. منذ نشرت أول قصة قصيرة جدا بحجم بيت كبريت باخيرة “الرأي الآخر” بتشجيع من الزميلين ربيع حامد و مين كدة يعقوب لملء الفراغات الصغيرة التي يخلفها التصميم اليدوي للصحف حينها، راهن كمال بخيت علي قلمي و ارجو ان يكون قد كسب الرهان. و اتاح لي كتابة عمود بالصحافة كاول عمود يومي سياسي حينها بالسودان تكتبه فتاة ليتصدى بعدها لمعركة ضد إيقاف عمودي خاضها انقاذيون يسوءهم ما اكتب، مرورا بصحفيين تقليديين كانت لهم تقديراتهم أن : كيف تمنح عموداً لمن لم تكمل في الصحافة عاماً؟ و ليس انتهاءا بسلفيين يرون صورة المراة عورة وقد كانت طرحتي بالصورة المرافقة للعمود تغطي نصف شعري. نعم، كانت هناك أقلام نسائية لها زوايا يومية تكتب في موضوعات اجتماعية و منوعات.. أما لاعمدة النسائية السياسية منها فقد كانت غير يومية.

عمل الراحل كمال بخيت اضافة بالصحف السودانية ب (الوطن العربي) الباريسية و (الدستور) اللندنية و (القدس العربي) اللندنية و لم يتقلد منصبا حكومي قط و لا اذكر انه تراس او قبل بعضوية لجنة حكومية للمأكل.. و ما كان كمال مناعا للخير و لا معتد اثيم و ما استقوي بقرابته و هو ابن عمة المخلوع البشير لينهب و يغنى كما فعل غيره من صحفيين مطبلين تجمعهم او لا تجمعهم قرابة او نسابة مع البشير.. و ما كان معتل زنيم .. سكن معظم حياته بالحارة السابعة و لم يسكن بملكه إلا قبل حوالي سنتين بذات الحارة السابعة.. و هو الذي عمل ببغداد حين كانت ارض صدام تنبت مالا و سماءه تمطر ذهباً لكن كمال كان متعففا. طلب مني مرافقته لتوصيل امانة ذات ايام سابقات للعيد. و توقفت سيارته أمام بيت جالوصي بأم درمان و هو يحمل كرتونة. كرتونة قروش.. لعلها لشراء بيت، ارسلها صلاح ادريس لارملة شاعر بعد ان شرح كمال حالها.. و بقي كمال في حاله.

و هكذا رحل كمال حسن بخيت.. مخلفا وراءه ابتسامة ودود لن تنمحي و سريرة بيضاء و مسيرة صحافية حافلة و بنات و أبناء من ذريته و من غيرها يرفعون اكفهم له بالدعاء: اللهم اغفر لعبدك كمال حسن بخيت و ارحمه و اعف عنه و اكرم منزله. اللهم انقله من ضيق اللحود الى جناتك جنات الخلود.

أحر التعازي لاسر الراحلين الصغيرة و الكبيرة الهمهم الله الصبر و حسن العزاء .الفاتحة..

لبنى احمد حسين
[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. اللهم تغمدهم جميعا بواسع رحمتك ومغفرتك.

    لبنى بنت أصول وغير ناكرة للجميل، الله يعطيك العافية.

  2. و ما كان معتل زنيم؟؟ لزومو شنو التنطع الفتحي الضوي؟ المفردة القرآنية عُتُل) لا يتم تصريفها بـ معتل ولا أدري كيف تقرأينها؟
    ومن تنطعك العنوان نفسه لم تفصحي هل أَحييّ العامية أم أُحيِّ بمعنى يهدي التحية!
    أما تنطعك في هذه العبارة فإيحاؤه مثل ايحاء العنوان!! ( لم تنقلع و لم تنطلع لي زول حتي رحيلها عن دنيانا أمس الاول)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..