
طفت الي السطح في الآونة الاخيرة، خلافات معلنة بين مكونات قوي اعلان الحرية والتغيير “قحت”. هذا أربك الساحة السياسية الي حد مقلق والعديد من الحادبين علي نجاح هذة الفترة والتحول الديمقراطي، وبينهم رءيس الوزراء. وقد عبر عن ذلك خلال خطابه بمناسبة مرور عام علي توليه رئاسة الحكومة الانتقالية.
بلا شك، ان سبب هذا القلق، هو الخوف من انفضاض التحالف السياسي الأكبر في تاريخ السودان “قحت”، وبالتالي:
انهيار القاعدة “الحاضنة السياسية” التي تستند عليها كل مكونات نظام الحكم الانتقالي في البلاد. هذا بلا شك خطر ماحق يهدد مستقبل بناء النظام الديمقراطي وبالتالي بناء الوطن.
من يدرك هذة المخاطر ولا يسعي لتلافيها، يكون بلا شك في خانة أعداء الحرية والسلام والعدالة وبالتالي، من أعداء الثورة التي مهرت بدماء اشرف بنات وأبناء الوطن.
ان اختلاف الرأي شيء مشروع وصحي اثناء الحوار حول قضايا وهموم الوطن. وبلا شك، قد تختلف الاّراء حتي داخل المكون السياسي او النقابي الواحد، الذي يضم مجموعة ذات أهداف واحدة. لكن كيفية إدارة الخلافات قد تكون توافقية تفضي الي التوصل الي الحد الأدني من التوافق بين الاّراء المختلفة، مراعاة للاهداف الكبيرة المشتركة؛ وفي نفس الوقت، قد يتم حسم الخلاف بطريقة تناحرية، نتيجة لاصرار كل من الفرقاء علي رأيه الي الحد الذي يوءدي الي التضحية بكل ما كان يعتبر هدف او أهداف مشتركة. وهذا هو الطوفان، اذا وصلت بِنَا الخلافات الي هذة النتيجة الكارثية (لا قدر الله).
ان اكبر مهدد لاهداف ثورة ديسمبر المجيدة هو انهيار التحالف العريض الذي يضم قوي الثورة (لجان المقاومة، الاحزاب السياسية الوطنية، تجمع المهنيين، منظمات المجتمع المدني)؛ لان وحدة هذا التحالف، هي صمام الأمان للالتزام بالوثيقة الدستورية وللوصول بشعارات الثورة الي غاياتها.
يلاحظ بكل وضوح، بان القوي التي تسعي الي تقويض نظام الحكم الانتقالي وسد الطريق امام التحول الديمقراطي، تسعي الي :-
– أولاً، ضرب وحدة قحت وبذر الفتنة بين مكوناتها.
– ثانياً، ممارسة العمل التخريبي (تهريب المحروقات، تهريب وتخزين الدقيق، تعطيل انابيب البترول والإمداد الكهربائي، تزوير العملة والمضاربة في العملات الأجنبية الخ…) لتعميق الأزمة المعيشية مما يزرع اليأس ويضعف الثقة في الحكومة الانتقالية.
– ثالثاً وليس آخراً، تعطيل، مستحقات السلام والعدالة.
لما تقدم، يجب علي كل من يسعي الي تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة (الحرية والسلام والعدالة) ان يعمل علي وحدة الحلف العريض أولاً، عن طريق التمسك بالحد الأدني لما يوحد، ونبذ الطريق التناحري الذي يفرق، ويوءدي الي انفراط عقد الثورة وتعطيل مسيرة البنّاء الوطني.
ان فكرة ان يقوم الناس بتكوين مجموعات كبيرة تدعو لأهدافهم المشتركة، هي فكرة قديمة ترجع الي أثينا الكلاسيكية، التي تحدث عنها الفيلسوف الإغريقي أرسطو في نطاق: “المفاهيم المختلفة التي تفرز مجموعات ذات توجهات مشتركة”. وتطور هذا الفكر لاحقاً، عند الفيلسوف البريطاني إدموند بروك، في القرن الثامن عشر، حول فكرة الإطار الحزبي او مجموعة الاحزاب حيث حدده : “جسم من الناس المتحدين للترويج لأهدافهم المشتركة من اجل المصالح القومية، علي أساس مباديء متفق عليها فيما بينهم.” بطبيعة الحال، إن هذا الفكر هو الذي أسس فيما بعد للنظام الملكي الدستوري في بريطانيا، وبداية نظام الحزبين في تحالف العام 1782 بين السياسي الردكالي شارلس جيمس فوكس، ولورد نورث. وتطورت هذة التجارب التي أدت الي ما يعرف بالديمقراطية اللبرالية، وعمت أوربا بدءاً بالسويد ففرنسا وألمانيا والنمسا …الخ ثم الولايات المتحدة الامريكية ولاحقاً في الدول النامية التي تطورت (الهند، البرازيل، جنوب افريقيا ….الخ)
هكذا تطور الفكر الديمقراطي الجمعي، قبل٢٤٤٢ عاماً في اثينا، وبلغ مداه المعروف لدينا اليوم قبل قرنين ونصف في بريطانيا. كل ذلك ونحن لا زلنا نحبو نحو النظام السياسي الذي يوحدنا علي هدف بناء الوطن. بلا شك، هذا يدعو الي اعادة النظر في طريقة إدارة خلافاتنا.
مرة أخرى نذكر بان تشظي مكونات قحت، هو الهدف الاول لاعداء ثورتنا العظيمة؛ لذلك بذل ويبذل ازلام النظام البائد، أقصي جهودهم من اجل تفتيت وحدة قحت.
إدراكاً لهذة المخاطر، يجب علي كل المواطنين الشرفاء المنضوين تحت مكونات قحت الانتباه وتوخي الحذر حيال هذا المخطط الخبيث والمدمر.
لنتحاور ونختلف وندير خلافاتنا دون ان نفرط في وحدتنا من اجل الهدف الأكبر ؛ بناء الوطن الذي يسعنا جميعاً ويؤمن مستقبل اجيالنا القادمة.
لقد ضاعت منا اكثر من 65 عاماً!! ألا يكفي ذلك؟
اللهم الهم مكونات قوي اعلان الحرية والتغيير الصبر والقدرة علي الادارة الحكيمة لخلافاتها والحفاظ علي وحدتها من اجل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
د. الحسن النذير
[email protected]