مقالات وآراء

إلى كلمة سواء مع قواتنا المسلحة في موضوع الشركات

خَلُصَ المحللون الذين تابعواا ستثمارات الجيوش حول العالم إلى أن الجندية والتجارة ضدان لا يجتمعان.
لكن لا يعني هذا أن الجيوش لا تعمل في المجالات المدنية. فكثير من جيوش العالم تساهم مساهمة كبيرة في صناعة الأسلحة، جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص، وفي تطوير التقنيات ذات الاستخدامات الإستراتيجية.
وللجيوش كذلك دورها الكبير في تشييد الطرق والجسور في المناطق النائية والوعرة.
لماذا الطرق والجسور؟ لأن الاستثمار فيها ليس سريع العائد، ولكنه، في نفس الوقت، يدخل ضمن إستراتيجية الجيش نفسه، إذْ تساعد هذه الطرق والجسور قوات الجيش على التحرك بسهولة إنْ لزم الأمر أن تتدخل على وجه السرعة.
أما انغماس الجيش في الحياة الاقتصادية العادية فإنه يفسد مناخ الأعمال، ويقوِّض المنافسة. فالجيش يحصل على إعفاءات ضريبية وجمركية وإجرائية، ولديه أراض واسعة، أو يمكن أن يحصل على الأراضي بسهولة، في حين قد لا يتوفر ذلك للمنافسين. ومثل هذا الجو لا يقصي المستثمرين الوطنيين فحسب، بل يقلل شهية المستثمرين الأجانب، فتضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبذلك يُصاب الاقتصاد الوطني في مقتل حين يقل الوارد من العملات الأجنبية.ومثال ذلك ما حدث في الجارة مصر، حين حذر صندوق النقد الدولي، عام 2017، من أن الشركات العسكريةتشكل عائقاً أمام تطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف للمصريين.

بناء على ما تقدم، فلو كانت شركات قواتنا المسلحة تعمل في تشييد الجسور والطرق في دارفور وشرق السودان وجنوب كردفان، مثلا، لكانت قد نافست الشركات الخاصة المتلاعبة، ولكانت استطاعت القضاء على التمرد بسهولة أكبر، بل لكانت أسهمت في تنمية تلك المناطق ولما احتاج المتمردون هناك إلى التمرد أصلاً. لكنها حين أتت لتزاحم القطاع الخاص في الاستثمارات السريعة العائد، مثل السلع الغذائية، وسوق الاتصالات، فإنها عرّضت نفسها لأسباب الفساد والإفساد، وقضت على المنافسة الشريفة “واللعب النظيف”.
ويذكر في هذا الصدد، أن الصين اضطرت إلى منع جيشهامن الاستثمارات التجارية، بعد أن ظهرتقضايا فساد بين كبار الضباط، وانتهت بمحاكمات هزت صورة الجيش. فما كان من قيادة الدولة إلا أن ضحت بالأرباح الزائلة، استشعاراً منها أن هذا الفساد لا يمكن معه بناء جيش عصري قادر على التصدي للتحديات المتعاظمة.

ولهذا السبب نجد أن معظم الدول الفقيرة التي يستشري فيها الفساد أصبحت جيوشها دولة داخل الدولة بسبب الاستثمارات الكبيرة التي تدر أرباحا ضخمة يستفيد منها الجنرالات ودوائرهم الضيقة داخل الجيش وخارجه. أما عامة الضباط والجنود فإنهم يعانون الفقر نفسه الذي يعانيه أفراد الشعب الآخرون. ودوننا باكستان مثالاً على ذلك. فهذا البلد يعيش مفارقة عجيبة بين جنرالات يعيشون في بحبوحة من الثراء، باستثمارات بلغت 20 مليارا، بينما يعيش عامة الشعب أزمة اقتصادية طاحنة.أما الحالة المصرية فهي بائنة للعيان ونتمنى ما هو أفضل منها بكثير لجيشنا.

على أساس هذه الخلفية نعود إلى حديث السيد البرهان يوم أمس:

أولاً: قلتَ إنّكم أسستم شركات الجيش باستقطاعات من مرتباتكم. نفهم من كلامكم هذا إنها ليست إلا شركات صغيرة مثلها مثل الجمعيات التعاونية التابعة للنقابات الفئوية الأخرى. فإنْ كان الأمر كذلك، فكيف يرقى تسليمها للمالية إلى أن يشكل تفكيكاً للجيش؟ هل تفكيك تعاونية المعلمين، مثلاً، سيعني انهيار المدارس والجامعات في البلد؟ ما نفهمه بالضرورة من كلامك هذا، يا سعادة القائد الأعلى، هو أن هذه الشركات شركات ضخمة تحمل على عاتقها جيش أمة بأكمله! ولذلك فنحن نريدها أن تحمل الشعب كله.
ثانياً : هل لدى فئات الشعب المماثلة للقوات المسلحة، مثل المعلمين والعمال والأطباء، شركات توازي في إمكاناتها شركات الجيش؟

ثالثاً: على سبيل المثال، زرتُمبنى أكاديمية الدراسات الإستراتيجية التابعة لجهاز الأمن.فلم أرَ مثل تلكم الفخامة، وما كنت أحسب أنّ مثلها يوجد في بلدي السودان. وأفادني خبير اقتصادي عاين المبنى من الداخل، بأن تكلفة تشييد هذا الصرح الأجوف قد تصل إلى نحو خمسين أو أربعين مليون دولار. إذن فإن تكلفة تشييد مبنى “هذه المؤسسة التعليمية التابعة للأمن” وتجهيزه (مع النجيلة العجبية المستوردة) تساوي تشييد أي واحد مما يلي:
1/ بناء ألف مدرسة أساس (بها مراحيض سليمة لا تقع فيها التلميذات والمدرسات). بما أن المليون به ألف ألف، فإن نصيب المدرسة الواحدة يتراوح ما بين 40 إلى 50 ألف دولار؛
2/ إنشاء معامل وقاعات تسد النقص في جميع الجامعات القائمة حالياً؛
3/ بناء مائتي مستشفى مثل مستشفىمحلية برام، بجنوب دارفور. هذا المستشفى المتهالك يريد أن ينقض، وهو مثله مثل أكاديمية الأمن، صرح أجوف، لا يوجد بداخله شيء من الأجهزة والمعدات، في منطقة يصل تعداد سكانها إلى نحو مليون نسمة. أما إذا سألتم عن عدد الأطباء بالمستشفى، فهاكم المفاجأة: يوجد بالمستشفي طبيب عمومي واحد فقط!ويعكف الحادبون من أبناء منطقة برام على جمع تبرعات لإعادة تأهيل مبنى لم تجد العناية إليه طريقاً منذ إنشائه أوائل ستينات القرن الماضي. تكلفة بناء الصرح الشعبي ببرام تساوي 1% من تكلفة الصرح الأمني: نحو ربع مليون دولار سوف تجعل مليون مواطن سوداني فرحاً بتحقيق حلم ظل يراودهم طوال أكثر من ثلاثين عاماً.
رابعاً: الجيش جيش الشعب، والجيش وماله وشركاته للشعب!
يمكن للجيش أن يعمل في المجالات الإستراتيجية التي ينفر منها القطاع الخاص. ويمكن أن يسهم إسهاماً مفيداً في إنشاء الطرق والجسور، الجسور الصغيرة والكبيرة على الوديان. ويمكن للجيش المساهمة في محاربة العطش، مثلاً، بالمشاركة في وزارة الري في مشاريع لحصاد المياه بإنشاء الخزانات والحفائر والبحيرات الصناعية وغير ذلك مما لا يثير شهية المستثمر. بل يمكن أن تدخل القوات المسلحة في أي استثمارات يُرتأى نفعها شريطة أن تكون ضمن إستراتجية السلطة التنفيذية وخطة عملها، مع الامتثال لجميع شروط المراجعة والانضباط.

وأخيراً وحاشى أن يكون آخراً:
يا أيها القائمون على أمر قوات الشعب المسلحة:
“إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. إن الله نعما يعظكم به”. صدق الله العظيم

الريح عبد القادر محمد عثمان

‫3 تعليقات

  1. هل يقوم الجيش عبر شركاته التجارية بدفع قيمة مرتبات الضباط والجنود وقيمة الأسلحة التى يحتاجها من طائرات عسكرية ودبابات ومدافع وذخيرة الخ ….. بالأضافة الى دفع الضرائب والجمارك والزكاة ؟

  2. لو الموضوع استقطاعات من الجنود ، ترجعوا لي اي زول قروشو وتقفلو الشركات نهائياً
    ما دايرين قروشها ، دايرين تصفية الشركات مع ارجاع اموالها وتوزيعها على القوات المسلحة
    (لو فعلاً القروش دي جات من استقطاعات القوات)

    ايضاً تصفية شركات الشرطة والامن فهي عبارة عن شركات غسيل اموال بدرجة كبيرة جداً

  3. كلام في المليان عفارم عليك.. استاذ الريح عبدالقادر..
    يجب ابعاد الجيش عن المدن عموما كما هو الحال مع كل الدول المتحضره في العالم..
    الجيش مكانه الخلاء على الحدود الاربعه لحماية الأرض وتعمير البلاد بإنشاء الطرق والجسور في الأقاليم المهمشه لخدمة المواطن والتخفيف عنه .. ياسعادة البرهان!!!
    الجيش يمكن أن يمارس التصنيع الحربي والانشطه ذات الصله من اجل تطور اسلحته..
    لا لممارسة الجيش لتجارة المحاصيل واللحوم والذهب، وممارسة السمره والتهرب من الضرائب والجمارك والزكاه… وهي الأفعال التي ظل يمارسها جيش عمر البشير الخائن الغبي..
    واليوم عندما هبشوهم في الشركات العسكريه التي انهكت المواطن وافلسته، بدا كبار العسكر المستفيدين يصرخون ويصرخون كما فعل من قبلهم الكيزان المفسدين!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..