مقالات وآراء

نهوض

– مللتُ سماعه ، لم أعد أطيق التظاهر
بمتابعة ما يقول مصغياً في شغف !!؟…
– أنت أفضل من يجيد الإصغاء في عالم
صناعته الكلام …
من يسمعه إذن إذا كففت أنت عن سماعه ؟؟!….
صمت “حكيم” هنيهة ،
ثم أردف حينما أغراه إهتمام “عطا” بما يقول
– نعم نحن ظاهرة صوتية ،
يظل الفعل في عالمنا ظلاً للقول !!؟…
إزداد “عطا” إنتباهاً ،
و هو يتجه بكل حواسه صوب “حكيم” …
– صحيح أن القول يسبق الفعل
( في البدء كانت الكلمة ) .. لكن عندنا أن
الريادة و السيادة للقول دون الفعل ..
من هنا تنسرب الى وجداننا جرثومة التكلس ،
و تعطل فينا حركة النماء !!؟…
إسترسل “حكيم”دون أن يقاطعه “عطا”،
لكنه بغتة تيقن إنه يدور حول حلقة مفرغة
– أهي مسرحية أفرغها التكرار
من لُحمتها فظلت سدايتها كالظلال الباهتة لا
تستوقف أحداً حتى القاصد !!؟…
ظل يحاول عبثاً أن يستحضر غريب القول …..!!؟…
– ألا ترى الرجل الآحادي يقف
على خشبة المسرح وحيداً
و يطلق عقيرته بحلو الحديث
ومعسوله و ليس ثمة من ينصت إليه …..
لكنه لا يكف عن إسقاط كتل الكلام
على رؤوس الأشهاد ،
فتتدحرج مكورة و تحجبه
عن الصالة الخاوية على عروشها !!؟…
مع الإظلام التدريجي الآخذ في الهيمنة
على أرجاء المكان ، تعالى صوت الرجل
الأحادي حتى إستحال كيانه
الى لسان طويل يضخ مفردات حوشية !!؟…
“حكيم” يحاول عبثاً أن يمنع ذهنه
من إستحالته الى مسرح عرائس
لتناسل مثل هذه الأفكار ،
بينما يبقى وعيه متنازعاً
بين إسقاطات الذاكرة
و رصد خارطة قسمات وجه “عطا” التي إحتشدت ،
خلاياها إحتشاداً بالإصغاء …
عسى أن يدرك ما يختزنه صديق العمر
من أفكار و آراء و إهتمام بما يحدث حوله
، خشبة المسرح تخلو تماماً
من أي نأمة سوى سكون مُطبق ،
بينما الستارة تُسدل
ببطء ثم تعاود الإنفراج
و لازال السكون مهيمناً
وليس ثمة من يجرؤ على إقتحامه
“حكيم”يجلس مزروعاً
في قلب الصالة التي تحيطه بفراغها المتسع
و تسمره في مواجهة الخشبة منتظراً …
لكن لا أحد يجئ .. لا أحد يذهب ..
لا شئ يحدث … كأنه في إنتظار “جودو” !!؟…
“عطا” يبدو أنه قد ضاق ذرعاً بما يجري
من وقائع أمام ناظريه ،
فإمتدت يده لتلكز كتف “حكيم” و هو يهمس
– ألا نذهب ؟
– ألا نتظر قليلاً ؟
– ماذا ننتظر !
– لعله يجئ ؟
– و إذا لم تلح بارقة أمل !!؟….
– لا بدَّ أن يأتي …
– ألا ترى أن كسف الليل تداهمنا
– و هؤلاء المنتظرون !!؟…
– لقد أدمنوا الإنتظار !!؟…
– كأنك تريد أن تقول إنهم أدمنوا الفشل
– تماماً هذا ما رميت إليه ……
* * *
“حكيم”و “عطا” لا يكفان
عن البحث ، لا أحد يدري على وجه الدقة
عماذا يبحثان !!؟….
ربما هما أيضاً قد أضاعا خارطة الطريق
فظلا يضربان خبط عشواء
دون بصيرة إلا من نور يتخافت
مع دكنة الليل و لا يبين عند عقبات الطريق الكداء …
في لحظة ما يفترقان
كل يسير في إتجاه معاكس !!؟…
و لكنهما لا يلبسان أن يلتقيا مجدداً
أمام بوابة المسرح القومي …
ذهن “حكيم” و خشبة المسرح يموجان
بأحداث جسام ، بينما “عطا”
يحاول عبثاً رصد ما يدور
على الخشبة و ما يعتمل
في قسمات وجه “حكيم” ؟؟!…
بغتة تعالت أصوات تهدر
عبر مكبرات الصوت
مقرونة بهتافات متعارضة تتصادم
و لا يمضي طويل وقت
حتى تنفجر كواليس المسرح …
يعقب ذلك أدخنة متصاعدة تكتم أنفاس حركة الحياة …
فيتيبس كل شئ على خشبة المسرح
و قد إستحال الى شجيرات شوكية متفرقة ….
لكن “حكيم” … لا ييأس ، بل يبقى هناك منتظراً ؟؟!…
كانت الستارة مسدلة
و الإظلام يتكاثف في إبطاء
ثمة موجة سوداء ، هلامية تكتسح المرئيات
يمد يديه يتلمس الأشياء حوله
يداه تقبضان الريح
يتوكأ على الفراغ
يبحث عن “عطا”
يصرخ .. يصرخ ..
يصرخ بلا صدى
يرفع رآية الفعل !!؟…
يتمرد في عصيان سلمي !!؟…
تسقط بقعة ضوء على جسم العتمة
تأخذ في التمدد و الإندياح
تلتهم أطراف الإظلام
الأخضر يلوٌّن اليباس
يصبغ الشجيرات الشوكية المتفرقة …
النماء يقارب تباعدها !!!؟…
ينهض “حكيم” منتفضاً
يجترح مساراً جديداً
يضرب على أرصفته بخطى ثابتة
عند نقطة التلاشي يصطدم ب “عطا”
يصرخان إنتصاراً
رجع صدى صراخهما
يصم الآذان
تنفتح كوة
يطل عبرها حلم
تتناسل الأحلام
تحتشد
تتسع الكوة
تتقاطر الحشود
تسد عين الشمسه
ينهض “حكيم”
يتقدم صوب البداية
رافعاً رآية “الفعل”
يلحق به “عطا”مهرولاً !!؟…

فيصل مصطفى
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..