مقالات وآراء

تأسيس لقضية الديمقراطية

طارق هارون

للعلمانية مفهوم عام تأسست عليه وهو فصل الدين عن الدولة، أو ما يعرف مجازاً بلا دينية الدولة ” ما لقيصر لقيصر وما لله لله” وهذا جوهر الفكرة العامة عن العلمانية التي عرفت به.

وبعد ذلك تأتي التحليلات محاولةً التأسيس لهذا المفهوم، ومحاولة لإعطاء دراسة تفكيكية من حيث كون العلمانية في أساسها نظام سياسي فكري يحدد ماهية الدولة، وبالأخص علاقتها بالدين والشعب ونظام الحكم وهذا يقودنا في تحليلنا إلى علاقة العلمانية بالديمقراطية كمفهوم يرتبط في تعريفه بالشعب ومدى تمهاي تلك العلاقة مع المصطلحات ودلالة بعضها ببعض .

المتعصبون للعلمانية يرون أن لا ديمقراطية بلا علمانية، وأن الديمقراطية من منظورها العام عبارة عن جزء من متطلبات العلمانية وأنها منهج ونظام حكم ترتكز عليه العلمانية، وبذلك يعتمدون عليها كمذهب فكري سياسي وجدوا فيه القبول العام لمسألة الحكم والدستور.

وهناك من أسس لحل وسط في الجمع بين العلمانية والديمقراطية فخرج لنا مفهوم المدنية تماشياً وروح بعض المجتمعات التي ترفض العلمانية على شكلها العام فصل الدين عن الدولة . بنظر إلى أن هذا المفهوم لدرجة ما مقبول من كافة الجهات والمذاهب الفكرية السياسية التي تعتمد على الأيديلوجية وترتضي الحكم التقدمي المنفتح والذي يتمثل في مدنية الحكم، وهنا يجب أن نؤسس لمفهوم المدنية في حد ذاتها من حيث كونها مذهب فكري فلسفي و وسيلة حكم لا تلك المدنية التي تناقض العسكرية، هذا بالنسبة للفكر الأيدلوجي المتقدم أما الاتجاه الأيدلوجي الثاني والذي يمكن أن نطلق عليه المتحفظ الذي يجنح للتقليدية السلفية من بعض التيارات الإسلامية ترفض العلمانية والديمقراطية وحتى مفهوم المدنية باعتبارها مفاهيم غربية تكرس للعلمانية لا يفرقون في المعنى بينها وبين تلك التعريفات التراثية التي أسست للعلمانية من أبيقور مروراً بتحليلات فلسفة ابن رشد التي وفي رأي البعض أنها مؤسس جيد لمعنى العلمانية كما يعتبره البعض أب للعلمانية .
العلمانية بوصفها نظام حكم لا يتقيد بمفهوم لغوي معين كثير من الفلاسفة اهتموا بالتأسيس لمعنى اصطلاحي للعلمانية في سعيهم لإعطاء مفهوم واسع لها أمثال جان لوك الذي يعتبر من منظري العلمانية والفيلسوف اسبنوزا وفولتيير وغيرهم من الفلاسفة الغربيين.

والعلمانية عند المفكرين العرب الحداثيين اتسم الموقف حولها بين رفض وقبول، فمحمد عابد الجابري اتجه إلى رفض العلمانية ورأى تبديلها بالعقلانية إلا أن محمد أركون قد دعا إلى العلمانية والعقلانية بشدة وهو المفكر الذي يمكن أن نصفه بالعلماني البحت وذلك بهتمامه بوضع مشروع علماني وإنزاله على أرض واقع العالم الإسلامي،وهناك يوسف زيدان الذي وصف العلمانية بالخرافة وغيره من منظرين تتأرجح رؤيتهم بين الرفض والقبول.

ومسألة العلمانية مسألة شائكة متداخلة في المنظومات العلمية بشكل يقود إلى ربط العلمانية بالالحاد، والنزعة المادية التي ترتبط بالعلم والمعرفة خاصة التطبيقية منها.

والعلمانية بوصفها فكراً لها مفاهيم سياسية يُبحث عنها في نطاق القوانين وأنظمة الحكم فهي نظام حكم حتى ولو ارتبطت بالفكر العام وهنا أقصد بكونه منطلق فكري له قاعدة فكرية راسخة وهي اللادينية والإلحاد وفكرة المدنية بوصفها كما قلت سابقاً فكراً.

إذاً العلمانية فكر واسع ليس بالضرورة أن يقتصر فقط في أمور فصل الدين عن الدولة فهناك من أسس لتجارب تستصحب العلمانية في تجارب حكم إسلامي قريبة للتجربة العلمانية حتى وإن لم تسم بها أو تتدثر بغطاء المدنية من حيث كونها مفهوم جديد وسطي متجاوز النظرة التراثية التقليدية للعلمانية وكما قلت وإن كان أقرب للمدنية فإنه من وجهة نظر تيارات أخرى أنها العلمانية بعينها لا يألون جهداً ان يصفوا معتنقها بأنه علماني.

العلمانية حديثا قد تجاوزها الزمن لن تجد العلمانية تسويقاً جديداً لأن المعسكر الغربي المادي بدأ يجنح للدين مجدداً وجميعنا رأى التغيرات التي حدثت بسبب جائحة الكورونا والأزمات التي تضرب الآن الولايات المتحدة الأمريكية وخروج تورامب مهدد المحتجيين حاملاً ورافعاً الإنجيل قائلاً إن أمريكا ستعود عظيمة من جديد في إشارة منه إلى ثيوقراطية الدولة هو الحل، وهو الذي قد يجمع الأمريكان عبر رابطة جديد رابطة الدين بدلاً عن الروابط الأخرى مثل النوع أو العرق أو اللون في دولة متنوعة مثل أمريكا.

في نقدنا علينا أن ندرس العلمانية لا بوصفها فكر لأنها تراثية أصبحت لا تخاطب الحاجة في الحكم ولكننا ندرسها كنظام حكم فقط لأنها فكرياً لم تصبح لها قاعدة فكرية قوية ترتكز عليها حتى وإن تتعددت تعريفاتها وطرائقها .

طارق هارون
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..