سيعود للقاش خريره وفِراشه وعٌيونه

كسلا وما أدراك ما كسلا ؟!! لا يُذكر تلك الحَسناء إلا وذُُكرمُرادفاً لها نهر القاش وفراش القاش ،وتوتيل، وسلسلة جبال التّاكا ، ومناخها الهمبريب ، ومياهها العذب السلسبيل، وبساتينها الغنَّاء .فكم من قُدامى الشعراء مثل الصّاغ محمود صاحب اغنية صه يا كنار ،والشعراء الحديثين أمثال ابو آمنة حامد، ومحمد عثمان كجراي، والحلنقي ،وهلاوي وغيرهم جادت قريحتهم الشِّعرية ونظَّموا أجمل القوافي عشقاً وهياماً بها ، وكم من الفنَّانين الذين أنجبتهم كسلا وغنُّوا لها مثل التاج مكي ، وابراهيم حسين، وعبد العظيم حركة وغيرهم ،.وكم من العرسان وثَّقوا لزواجهم بقضاء شهرعسلهم هناك في سفح جبال التاكا وقممها ،وبين أنهار قاشها وتوتيلها وبين تلك البساتين الغنَّاء .
كسلا التي إحتّضنت أشهر قصص وروايات الحب والغرام مثل تاجوج والمحلَّق، تحاول وللأسف الشديد بعض الجِهات تحويل ذلك الحب الى كراهية وَبَغضاء ، ولكنهم لم ولن يفلحوا .ستظل كسلا رمزاً للحُبِّ و للجمال وللسياحة في بلادنا، برغم الهنَّات والتفُّلتات التي تهدأ لتثور مرة أخرى وسط مكوِّناتها الاجتماعية المختلفة .حيث أن موقعها الجغرافي جعلها مدينة عبور وتلاقٍ لكثير من القبائل السودانية والارترية مثل الرشايدة والشكرية والجعليين والشايقية والهوسا والفلاتة والبني عامر والهدندوة والنوبة .
كسلا بمختلف إثنياتها المتنوِّعة منذ فجر التّاريخ عبارة عن مدينة جاذبة للسيَّاح ،و قبائلها كانت تعيش ملتّحِمة متماسكة مع بعضها البعض دونما أي توترات ، فالهدندوِّي كان ومازال أخاً للبني عامر وللنوبي ، إلا أنه وبعد تفجُّر ثورة ديسمبر المجيدة ونجاحها ،وبعد كنس ( الكيزان ) الى غير رجعة . إرتأى بعض اقزام العهد البائد زرع الفتنة في أرجاء الحبيبة كسلا ،ظناً منهم بانهم بوسعهم ان ينالوا من الثورة الظافرة من باب تفتِيت وحدة ونسيج كسلا الاجتماعي المتفرِّد في تماسكه ،فقاموا بضرب بعض القبائل ببعضها الآخر ،وراحوا يتفرَّجون بنشوةِ على نتيجة فتنتهم ، وهم يظنون بانهم نجحوا في تعرية واضعاف الفترة الانتقالية والحرية والديمقراطية ،وبدأوا يتَّهمون النظام الحالي بانه عاجز في حماية الناس .
نعم بعض ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو لبعض التفلتَّات وعمليات السلب والنهب من وسط الحبيبة كسلا ،صراحة تقشعِرُّ لها الابدان، ويّندِى لها الجبين ، فتلك المدينة المسالمة رأت بعض القلوب المريضة أن تنحرها بالسيوف نحراً ، وأن تقطِّعها بالسكاكين تقطيعاً ، والأدهى والأمّر أن القوات الامنية المناط لها حفظ الأمن، والتي من أقل واجباتها فرض هيبة الدّولة ،وكأنّها ليست هناك، بل وكأنّها متحالِفة او متضامنة مع زرّاع الفتنة كانت تقف متفرجة بينما أصحاب الضمائر الميِّتة ،وبعض العصابات راحوا ينهبون المحلاَّت نهباً ،ويضرِمون فيها النيران لتقضي على أخضر ويابس المحلات التجارية بسوق كسلا .
هم عبثاً يتخيَّلون بأن الرِّتق سيصعبُ على الراتِق ، ولكن هيهات!! ستداوي كسلا جراحاتها ،وستعود كما كانت مصدراً للحب ولتلاقي الحبائب عند توتيلها وسفح وقمم جبالها المعروفة بالتاكا. نعم ..لن تفلحوا ولن تنالوا مأرّبكم أيها الخونة الجُبناء ، ستخرج مدينة كسلا من قمقم الفتنة ، وسينصرِف الاقتتال الشعبي والقبلي الى غير رجعة ، وستعود للمدينة ألقها البرّاق، ونسيجها الاجتماعي المتماسك القوي مرة أخرى ، وستحضن التاكا عُشَّاق الحب والحرية ، وسيعود للقاش خريره وفِراشه وعٌيونه .
أ/ عوض كفي
[email protected]