أخبار السودان

وسط الخرطوم.. النيل يمد لسانه ساخراً

الخرطوم – فاتن الأمين، تسنيم خوجلي

مد النيل لسانه طويلاً هذه المرة ساخراً من ضفتيه، ومن كل المخاوف التي لازمت مفاوضات سد النهضة عن الجفاف وانحسار المياه بعد أن ضاق فرعاه الرئيسان: الأبيض والأزرق، بالمدّ المائي الكبير الذي أعقب هطول أمطار غزيرة في الجنوب والهضبة الإثيوبية. وخالف توقعات الكثيرين بعد ما أشيع أن الإثيوبيين قد بدأوا فعلياً تنفيذ الملء الأول للبحيرة خلف السد حسب الجداول الزمنية المعلنة، بما سيسببه ذلك من تراجع في نسبة المياه هذا العام مما سيلحق أضراراً كبيرة بالسودان ومصر. فها هو ومنذ مطلع الشهر الجاري يخرج هنا وهناك مُدخِلاً الذعر في قلوب المواطنين الآمنين على الضفاف، ويهدم ما يهدم ويُتلف من الزرع ما يُتلف.

هذه المرة خرج إلى العاصمة الخرطوم من عمقها، في منطقة المقرن عند جسر الفتيحاب، حيث كانت “السياسي” حاضرة لحظة خروجه الذي لم يك دون استئذان. فقد حذرت الجهات المختصة ولجان المقاومة منذ وقت مبكر السلطات من أن الخطر سيأتي من هذه الثغرة. فخلال الأسبوعين الماضيين ظلت وزارة الري والموارد المائية تطلق تحذيراتها من ارتفاع غير مسبوق لمنسوب النيل كان آخرها اليوم بعد أن سبق السيف العزل. فقد حذرت الوزارة اليوم من مواصلة تسجيل مناسيب النيل أرقاماً قياسية غير مسبوقة، ونبهت إلى أن ارتفاع المناسيب في كل الأحباس سيكون مرتفعاً أسبوعاً آخر.

وقال وزير الري والموارد المائية بروفيسور ياسر عباس في مؤتمر صحفي اليوم، إن مناسيب النيل سجلت في الخرطوم اليوم 17.43 مترا وهو رقم لم يسجل منذ العام 1912، وقال إن الوزارة تتوقع بحسب القراءات ألا يكون هناك انحسار للمياه خلال الستة الأيام المقبلة في بعض القطاعات، واستمرار ارتفاع المناسيب في الاحباس شمال الخرطوم، وناشد المواطنين على ضفاف النيل بأخذ الحيطة والحذر، مشيرا الى ان الوزارة تقوم برصد المناسيب والتنبؤات بالفيضانات، وتقديمها لجهات الاختصاص للتدخل للحماية ودرء آثار الفيضانات. وتوقع الوزير أن لا تكون هناك فيضانات مدمرة، بعد إنشاء سد النهضة، مشيراً إلى السد الإثيوبي مخصص لتخزين المياه بغرض التوليد الكهربائي؛ فيما توقع رئيس لجنة الفيضان المهندس عبد الرحمن صغيرون أن يكون الوارد من المياه 900 مليون متر مكعب وقال إنها تفوق سعة مجرى النيل.

خروج النيل عن ضفته في وسط الخرطوم استدعى استنهاض المسؤولين في ولاية الخرطوم لمواجهة الخطر القادم. فقد تصادف أثناء حضور “السياسي” في موقع الحدث وجود المهندس عبد الرحيم عبد الله الحاج، مقرر آلية الطوارئ لوزارة البنى التحتية هيئة الطرق والجسور، الذي قال لـ(السياسي) إن بلاغاً وردهم صباح اليوم من غرب نفق الخرطوم في الحاجز الرئيسي للنيل، وأن الحاجز القائم على الضفة الشرقية للنيل الأبيض فيه تسرب مياه. وأضاف: “تحركت فرقنا إلى مكان البلاغ ووجدت فعلا ان هنالك تسريب كبير، حيث اندفعت المياه من النيل إلى نفق الخرطوم، وتم إحضار إدارات المشروعات والإدارات الفنية وعقد اجتماع سريع جداً وقررنا كيفية المعالجة”.

بدأت غرفة الطوارئ بوضع خطة عاجلة للتصدي للأزمة الماثلة، تحتوي على جزأين: الأول إيقاف المياه، والثاني كان في شكل معالجة الحاجز الرئيسي. ووفّرت الغرفة احتياجات الجزء الأول من الخطة بصورة عاجلة، ولكن معالجة الحاجز المائي استغرقت وقتاً حتى أن اكتمل بناء الحاجز وتقويته.

وقال الحاج إن تسريب المياه قد توقف. وأضاف: “نعمل الآن على تدعيم الترس ونعلم جيداً أن ارتفاع النيل منذ أمس يتزايد، وهناك احتمال أن يرتفع المنسوب غداً أيضاً”، مشيراً إلى أن ما تم تشييده اليوم هو للتصدي لأي زيادات أخرى. وقال: “الآن نعمل على إيقاف الماء، وشفط المياه بواسطة محطة النفق ليتم ترحيلها إلى داخل النيل، وبعد السيطرة على الوضع سنعمل على الخطة الثانية لتدعيم الترس الأصلي، وبدأنا بتوفير احتياجاتها فهو العمل الرئيسي فإذا انتهى عمل الخطة المؤقتة سنبدأ غداً بالخطة الثانية وسنعمل على تطوير الأليات لحل هذا المشكلات وسيكون العمل مستمراً لإنجاز المهمة”.

وأوضحت غرفة الطوارئ بولاية الخرطوم أن الجهات التي ساهمت في السيطرة على تدفق المياه من النيل هي قوة القوات المسلحة “سلاح المهندسين” ومن الدعم السريع والدفاع المدني، وهيئة الصرف الصحي، وكذلك الشباب من ممثلي لجان المقاومة والخدمات بالمقرن. وأشارت إلى أن هذه المرة الأولى التي شهدت فيها الخرطوم ارتفاعاً كبيراً جدّاً للنيل.

وقال متحدث من لجان مقاومة المقرن، فضل حجب اسمه لـ(السياسي) إنهم فتحوا بلاغات بالموقف من الفيضان منذ 4 أيام على التوالي وإنهم أخطروا الجهات المختصة بارتفاع ملحوظ في منسوب المياه من مكتب وزارة الغابات الذي يوجد بالقرب من النفق، إلا أنهم لم يجدوا الاستجابة السريعة من السلطات، وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً بدأت المياه بالتدفق في النفق فقاموا بالإبلاغ مرة أخرى وإخطارهم بمستجدات الأمر، وأضاف أنه وقتها إذا وجدت عربة واحدة فقط وتم التعامل مع الحدث في حينه لما حدث كل هذا، وقال: “قمنا نحن ببعمل حواجز النيل بالجوالات وأن السلطات المختصة جاءت وبعد انتشار الصور في مواقع التواصل الاجتماعية”.

السياسي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..