مقالات وآراء

العقليات التي تُريد أن تحكُم وتتحكم الآن هي عقليات خارج التاريخ لا بدّ من تغييرها ..‎

نضال عبدالوهاب

لا شك أن العالم والأحداث فيه تتغير كل لحظة .. ما يصلُح اليوم ليس بالضرورة أن يكون صالحاً غداً .. بل إن حدث صغير قد يغير مجري الحياة بأثرها ..

خاصة في عالم السياسة أفكاراً وبرامجاً وقرارات .. الكثيرون يدركون التغيير الكبير في طريقة تفكير الأجيال الحالية وحتماً القادمة .. الأجيال التي صنعت هذه الثورة تختلف بالكلية عن أجيال الستينات والسبعينات وحتي الثمانيات .. في كل شئ حتي في المزاج والوجدان ، دعك من طريقة التفكير والمعتقدات ..

هنالك في عالم السياسة أجيال موجودة اليوم لا زالت تتحكم في طريقة تفكيرها فترة الحرب الباردة ايام الستينات والسبعينات من القرن الماضي ..

أجيال لا زالت تنظر للعالم من زاوية ( الأيدلوجيا ) والتفكير الثابت الذي لا يقبل التزحزح .. أجيال نشأت علي العداء المُستحكم للغرب ودولة إسرائيل علي أساس التفكير الإستعماري و مرحلة التحرر الوطني .. أجيال وعقليات لا زالت موجودة في خانة المعسكرات الغربية والشرقية والفصل العنصري وأمة عربية واحدة والقوميات وغيرها من الأفكار التي إندثرت وطواها العالم الحديث بكل إيجابياته وسلبياته ، تكفي فقط نظرة لتاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، والتحولات التي تمت فيه منذ حرب 1967 إلي اليوم ، وتكفي نظرة لواقع الصراع السوفيتي الأمريكي وما حدث فيه من تحولات بعد طوي صفحة الحرب الباردة وسباق التسلح والتجسس والإستقطاب ، وما حدث في أوربا من تغيرات من انقسام إلي إتحاد ، وما يحدث في منطقة الشرق الأوسط منذ حربي الخليج الأولي والثانية ، وكذلك احداث 11 سبتمبر وما تلاها ..

حتى مرحلة الربيع العربي وما بعدها ، كذلك التغيير الكبير في العديد من البلدان الأفريقية في إتجاه الديمقراطية ووقف الحروبات الأهلية ، إذاً من كل هذا فنحن نعيش في عالم متغير ، عالم التكنولوجيا والمعلوماتية وما بعد الحداثة .. من البديهي إذاً أن تتغير العقليات التي تنظر إليه وتعيش فيه ..

السودان نفسه قد تغير نتيجة للعديد من السياسات الخاطئة فيه ، إنفصل الجنوب ، و ورثنا إقتصاد متهالك وبنية تحتية شبه منعدمة ، وحروبات داخلية وصراعات إثنية ، كلها تحتاج إلي طريقة تفكير مواكبة وعصرية للتعامل مع هذا الواقع ، عقليات تعمل بقانون المنفعة للسودان وليس بقوانين الأيديولوجيا والمُسلّمات ..

قوانين تقرأ المستقبل وتعمل له ولا تنحشر في الماضي وتجُرنا إليه .. كيف يمكن تخيُل أن يخرج مسؤولاً ليُصرح ويحدثنا عن مركزية القضية الفلسطينية وآخر عن أهمية التضامن مع الشعب الفلسطيني .. وينسى أن يحدثنا عن واقع وأهمية التضامن مع الشعب السوداني الذي ينتمي له ويعيش في أرضه ! ..

الفلسطينيون دخلوا في اتفاقات موقعة واعتراف متبادل بينهم منذ العام 1991 في مدريد ثم 1993 في أوسلو في النرويج .. الفلسطينيون يتقاسمون الحياة مع اليهود وبينهم اتفاقات سلام ، نعم لا تزال هنالك مفاوضات بينهم ولكن هذا لا يلغي أن هنالك تفاهمات مستمرة بينهم ، المصريون دخلوا في حربين مباشرات مع إسرائيل ، لكنهم ومنذ العام 1978 دخلوا معهم في إتفاق سلام ، عادت بموجبه سيناء وطابا لهم ، وتوقفت الحرب ، وهنا ثمة سؤال وهو متي تعود لنا حلايب وشلاتين بإتفاق مماثل ! .. السودان الذي لا يريد البعض فيه إتفاقا مع إسرائيل ليس له حرب مباشرة مع دولتها ، ولا تحتل إسرائيل جزءاً من أرضنا ، فلماذا نُعاديها وتعادينا إذن ، ومع ذلك فالإسرائيليون هم من يسعون للتطبيع معنا ، فلماذا لا ندخل معهم في حواراً وفقاً لمصالحنا كدولة مستقلة ، بدلاً عن قفل الباب ، وحتي الوسيط الأمريكي الذي يسعي بيننا ، لماذا لا يستفيد السودان من سعيه لإتمام هذا الإتفاق لتحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية ، السودان في أشد الحاجة إليها مثل عملية إعفاء الديون وحذف إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، و كذلك في التبادل التجاري والإستثمار والدعم الإقتصادي والإنفتاح علي العالم ، بل وحتي في السلام ووحدة السودان والإنتقال الديمقراطي وإستقراره .. هذه كلها أسباب تجعلنا ننظر إلي العلاقة مع إسرائيل وفقاً للواقعية السياسية وقانون المنفعة والمصلحة العُليا للسودان وشعبه ..

ومع كامل إحترامنا لحقوق الشعب الفلسطيني ماذا جنينا نحن كشعب من خلال موقفنا السابق الثابت غير المتحول تجاه إسرائيل بزعم التضامن مع الشعب الفلسطيني ودولتها ، تحرك أصحاب الشأن المباشر تجاه الإتفاق والتطبيع معهم كفلسطين ومصر ، بينما تسمرّنا نحن في أيدولوجيا عفي عليها الزمن وأصبحت خارج التاريخ وغير عملية !! ..

أخيراً و لمجرد التذكير فقط ، فنحن دولة متعددة الهويات ، لسنا دولة عربية بالكامل ، و هذه مسألة فقط تنتظر المؤتمر الدستوري والدستور الديمُقراطي القادم ليتم حسمها ، لذلك لا يجب النظر للعلاقة مع دولة إسرائيل واليهود وفقاً للصراع العربي الإسرائيلي ، ولا حتي كأي صراع ديني ، فنحن نتعامل وفقاً لمبادئ السياسة والعلاقات بين الدول و وفقاً لمصالحنا بعيداً عن أي أيديولوجيا أو تفكير عقائدي أو ديني ..

هنالك الآف اللاجئين السودانيون يعيشون في دولة إسرائيل ، وبعضهم يحمل جنسيتها الآن ، هؤلاء من حقهم العودة لبلادهم ودعم وطنهم الأصل .. كما أن هنالك العديد من الجاليات اليهودية عاشت وولدت في السودان في السابق قبل التضييق والهجرة والحرب هنالك .. من حقهم العودة اذا ما أرادوا في اي وقت ، هذه البلاد بلاد تسامح وتعايش ديني وثقافي ويجب أن لا نفقد هذا الشئ المُميز والإيجابي ..

نضال عبدالوهاب
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..