أخبار السودان

اتفاق جوبا .. هل يطوي صفحة الحرب المؤلمة

الخرطوم ” الزين عثمان

(دعونا نحلم بمغادرة أحزاننا الممتدة) يقول شاب سوداني في العشرين من عمره قضي ثلثها في أحد معسكرات النزوح بإقليم دارفور بسبب الحرب. ويبني الشاب أحلاماً عريضة وهو ينتظر وطن باكر، الأمن الذي انتزعه مع جيله مع من كانوا يصنعون حرب البلاد، سودان ما بعد الثورة يجب أن يكون غير ذلك الذي يحترب فيه الإخوة دون أن يجدوا مبررات، لماذا يفعلون ذلك؟ أو لم نخرج كلنا وبصوت واحد هاتفين (حرية سلام وعدالة).. في انتظاره.. وهو في كامل استعداده للتنازل عن يقينه السابق بأن صناع الحرب ليس بإمكانهم صناعة السلام، بيقين أنه في سودان الثورة بإمكاننا القول: (تبت يد المستحيل)!
1
صباح الأحد يغادر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الخرطوم (الغرقانة) والتي يخوض أهلها معركتهم مع السيول يرددون (ح نترس البحر لنعبر وننتصر) ويخبرنا في تغريدة: أتوجه اليوم لجوبا عاصمة جنوب السودان الشقيق لمشاركة وفد الحكومة والرفاق في حركات الكفاح المسلح الفرح ودعم اتفاق السلام الذي سيجري توقيعه بالأحرف الأولى غداً الاثنين. توصُّلُنا لاتفاق مع أطراف عملية السلام أمر يستحق الاحتفاء والمباركة. هذا الاتفاق يمنحنا طاقة جديدة لمواصلة المسير في طريق البناء؛ بمهام إضافية منها تنزيل السلام كواقع بين مجتمعاتنا المحليّة، ومنها استكمال خطوات ومراحل السلام الشامل تلبية لتطلعات شعبنا العظيم وثورته المجيدة في العدالة والاستقرار والتنمية، هذا الطريق الطويل سنمشيه معاً. هذه لحظة تفاؤل بما حققناه معا لمواطناتنا ومواطنينا بمعسكرات النزوح واللجوء وضحايا الحروب الأهلية في السودان وهم يستحقون منّا الكمال، وكذلك لحظة استشراف للمستقبل بأن نظل نعمل معاً على ألا تتكرر هذه المآسي في السودان مرة اخرى.
2
في بوست على الفيسبوك تنادي الطبيبة إيثار خليل إبراهيم علي والدها الذي مات في الحرب قائلة (يا خليل فعلها تقد ورفاقه) بالنسبة لمن عاشت ويلات الحرب فإن واقعاً جديدا يتم رسمه في سودان ما بعد الثورة، واقع يستحق الاحتفال مثلما هو يستحق الانتظار، إيثار التي درست الطب في جامعة بحر الغزال وجدت نفسها في وقت باكر وهي في قلب معادلة الحرب وتداعياتها ولم تكن خارج سياقها فقد ذهبت في فترة من عمرها الى الميدان وهي الفترة التي فكرت فيها الطبيبة ان تتخصص في مجال تقديم الخدمات في أرض المعارك قبل أن تترك ذلك من أجل التخصص في طب النساء والتوليد وتستقبل القادمين للحياة فالحرب إلى أفول. إيثار التي وقعت في وقت سابق إنابة عن حركة العدل والمساواة تعيد الكرة وهي تردد: إذا كان السلام هدنة بين حربين فإن للموتى الحق في الإدلاء بأصواتهم حتي وإن كان ذلك عبر أبنائهم وبناتهم مثلما فعلت طبيبة النساء والتوليد وهي تردد أمنياتها (سلام لأرض خلقت للسلام ولم تر يوماً سلاما)
3
لكن ما كنا نظنه مستحيلاً أصبح ممكناً والحكومة وحركات الكفاح المسلح ستحتفل اليوم في جوبا بلحظة التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام، المسارات تمضي في طريقها نحو السلام وما تبقى فقط عملية (توضيب) بحسب ما يقول نائب رئيس الحركة الشعبية شمال ياسر عرمان الذي يمكن وصفه بالخبير في دهاليز التفاوض بل إنه أحد أكثر السودانيين الذين تنقلوا بين محطات الحرب والسلام. يعترف عرمان أن ما صنعته ثورة ديسمبر السلمية عجزوا طوال تاريخ مواجهتهم من فعله ولا ينسى إخبارنا بأن سودان الغد لن يكون هو نفسه سودان الأيام السابقة وأن المسارات التي تم رسمها ستقودنا جميعنا الى المحطة الأخيرة التي نرغب فيها. عرمان ليس وحده؛ ففي طريق التفاؤل يمكنك أيضاً متابعة تغريدة كتبها الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة للتفاوض وعضو مجلس السيادة محمد الحسن التعايشي قال فيها: في حقيقة الحياة ليست هناك شعوب مقهورة بالفطرة هناك حروب تسببت في قصص رهيبة من المآسي، ما اجترحناه من حلول في هذه الاتفاقيات سيغير حياة الناس ووجهة التاريخ إذا ما قمنا بتنفيذه كما ينبغي.
4
في جوبا التي تنتظر اليوم العرس السوداني يقول عضو وفد الوساطة ضيو مطوك: هذا هو السودان الذي نريد. بالنسبة للرجل فإن الحروب التي عاشها السودانيون شمالاً وجنوباً أقعدت بهم حتى أدركوا تماماً أن لابد من انجلاء هذه المرحلة. واعتبر مطوك التوقيع بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح خطوة في الاتجاه الصحيح وبالإمكان البناء عليها وها هم من قضوا أكثر من تسعة أشهر يضعون مدماك البناء الأول ويوقعون بحروفهم الاولى على سلام لا يريد السودانيون اكثر من أن يكتمل ويحققوا من خلاله مرادهم في الحياة فقد أرهقتهم الحروب مثلما أرهقهم ايضاً البحث عن إنهائها وكان قدرهم أن يعيشوا في متاهة حرب مفاوضات ثم حرب أخرى وتفاوض تنتهي مخرجاته الى اشتعال آخر، يردد الناس بلسان وجعتهم (سئمنا الحرب وآن أوان أن نبدأ من جديد)
5
في تمام الواحدة بتوقيت الثورة يردد المئات على مقربة من كوبري الحرية.. في موقف جاكسون بالخرطوم هتافات السلام الحرية والعدالة، وقتها كان عدد من الشباب والشابات يستعيدون تاريخ كون (الخميس) هو يوم المواكب السودانية، كانت زغرودة طويلة تخرج لتختلط بأبواق السيارات وبضجيج المارة وبمناداة الفكهاني على بضاعته من برتقال جبل مرة قبل أن ينتهي بها المقام لأن تظهر علي مقدمة اللافتة التي يحملها طفل يخبر العابرين بأنكم أمام موكب طبول السلام.
ممسكاً بالدركسون يلقي الرجل الستيني بابتسامته على شارع الأسفلت المسمي بشارع الحرية في قلب الخرطوم يقود وقتها صاحب (البوكس) الموكب الذي تم الإعلان عن تحركه من موقف جاكسون مروراً بشارع الحرية عابراً واحة الخرطوم ومتوقفاً في ميدان أبو جنزير وهو يمضي في اتجاه القصر الجمهوري لإيصال رسالة كل السودانيين (نحن نريد السلام). كانت مواكب المطالبة بالسلام أحد أهم المشاهد الحاضرة عقب سقوط حكومة النظام البائد. يقول من يسرونها: نحن نريد إسقاط البشير وحروبه أيضاً نريد سودانا نموت لأجله ولا نموت فيه في حروب عبثية.
6
اليوم نحن في مواجهة تاريخ جديد نستشرق من خلاله مرحلة السلام عقب اتفاق من كانوا يتقاتلون وهم يخبروننا باننا نبدأ كتابة صفحة جديدة لا تنتهي بالغناء والاحتفال وإنما تغوص عميقاً في معالجة جذور الأزمات والحروب فلم يعد في البلاد مكان لجرح موت جديد. هكذا يرددون حديثهم وهم ينتظرون احتفالهم في العاصمة التي خرجت عن السودان القديم عبر ضلع الحرب الأعوجط لن يكونوا وحدهم، سيأتي العالم المبهور بالثورة ليشاهد خطوة سودانية جديدة هذه المرة في الطريق نحو السلام والاستقرار الذي سيتجاوز يومها الخرطوم لكل المنطقة في حال أنه حدث أو في حال أن القوم لم تصبهم انتكاسة أخرى وهم الذين وقفوا على أسنة الفرح متبادلين الرقصات لا فرق بين الحكومي أو الحركي إلا في ألوان ربطات العنق، فسودان السلام مثل السلام يتحد الناس في رغبتهم لإنجازه.
7
ستوقع الحكومة مع الجبهة الثورية بالأحرف الأولى وفي مسارات دارفور والمنطقتين برئاسة عقار وفي مسار الوسط وفي مسار الشمال ومسار الشرق، هي خطوة يعتبرها البعض للأمام بينما يقف آخرون في محطة مختلفة وهم يبحثون الكراسي الفارغة من الفريق عبد العزيز الحلو ومن الكومرد عبد الواحد محمد نور ويرددون أن السلام الناقص قد يكون وصفة لحرب جديدة وأن المسار الذي تعترضة متاريس الغياب قد يعطل سفينة السودان في طريقها نحو (باكر البلا موت)،(لكن الناقص سيكتمل) يردد ذات الشاب وهو يتمسك بحلمه في وطن بلا حرب تقوده فيه خطواته الى حيث المساهمة في بنائه مع الآخرين، يقول: قد يغيب الحلو اليوم ولكنه في الغد سيجد نفسه وقد صعد فوق السفينة الشعبية ومعه عبد الواحد أو ليس السلام هو رغبة الشعب؟ يحلم أيضاً بمغادرة معسكر النزوح والعودة إلى أرض أجداده لممارسة الزراعة وبدء حياته من جديد، مردداً : (نحن لم نحلم باشياء قصية نريد فقط ألا نموت ونريد مع ذلك قيادات تملك إرادة جلب السلام والمحافظة عليه).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..