مقالات سياسية

السلام سمح فادعموه حتي يثبت العكس !

احمد محمود كانم 

يقول جورج هربرت: «نتيجة الحروب خلق اللصوص.. ونتيجة السلام قتلهم » . اه
بفرح يعتريه شيء من التحفظ والارتياب ، تابعت فعاليات توقيع اتفاقية جوبا للسلام بالاحرف الاولى ، وما صاحبها وتخللها من ردود أفعال جلها تعبر عن مكنونات أصحابها بلا التباس.. فبكي البعض فرحا ، وفعل البعض مثل ذلك تأثيراً بمن فعل ، ورقص الحضور  علي انغام السلام احتفاء بسلام طال انتظاره.

 بينما شكك البعض في حقيقة ما يجري لأسباب بعضها تدخل في دائرة الشكوك التي لها ما يبررها  .
غير أن البعض وصل به الأمر إلي وصف الخطوة برمتها ب(الخيانة) للثورة  وما إلي ذلك !

* باستثناء القائدين عبد الواحد والحلو  اللذين لهما ما يبرر موقفيهما حيال ما تم ومع احترامي لجميع الآراء والمواقف  ؛ أجد نفسي مضطرا للاختلاف مع كثير من تلك الأصوات المنادية ببطلان هذه الاتفاقية  والدعوة لمقاطعتها  دون ان تجود قريحتهم بأي بديل لحالة اللاحرب واللاسلام التي تعيشها البلاد مذ عقدين ، وكأن مفهومهم  للحرب يتمثل في  (الحرب من أجل الحرب).

 والواقع أن جل تلك الأصوات _في الأغلب_  لم يكتب لها يوماً أن تتذوق طعم قاذفات الابابيل  ولم يضطروا  إلى فتح الراديو FM  أثناء الهجوم  ليتابعوا  سير القنابل  التي تلقيها طائرات الانتينوف والسخوي علي الرؤوس  ليسيروا عكسها أو يبحثوا عن حفر وكهوف تقيهم القصف ، أو لربما لم تسمع تلك الجهات  يوماً عن (ماريق أفزعونا ) و(زيت السويا) و(خلطة)  وبطانية (عجب الحمير ) و(توب خواجه) ومشمعات WFP و (أبو كلتومه) و(أديبورا) وفري فري.

* لست هنا  بصدد  رصد ما جري ويجري من ردود أفعال حول الاتفاقية .. لكن ما يجب التنبه إليه هو أن هذه الاتفاقية لا تشبه ما سبقتها من اتفاقيات ، لا من حيث المخرجات _البرتوكولات الثمانية_ ولا من حيث الأطراف والكتل الموقعة ، ولا من حيث المكان والوساطة التي اتسمت بالجدية والتفاني من أجل التوصل لصيغة ترضي الجميع فقط دون أن تطلب نظير ذلك جزاء أو شكورا .. كما تتميز بأنها أول اتفاقية سلام توقع بين الحكومة الجديدة وحركات الكفاح المسلحة ، وهو ما يجعل تشبيهها بسابقاتها من اتفاقيات أمر سابق لأوانه.

وبما أن هذه الاتفاقية أتت كإحدي أهم  خطوات حكومة الثورة الانتقالية النابعة عن شعارات ثورة ديسمبر  (حرية سلام وعدالة) ، فلا شك أن عملية تنفيذها  ستكشف مدي جدية و صدق الحكومة الانتقالية تجاه حل المشكل السوداني التي ما عتمت تؤرق الدولة طيلة العقود التي تلت الاستقلال ، وقد وضعت الجهات الموقعة الكرة للتو  في ملعب الحكومة الانتقالية_علي علاتها_ لبرهنة ذلك في الأيام المقبلة ، والايام كفيلة بإخبارنا بكنه النوايا وخفاياها ، وحينها سينجذب الممانعون نحو السلام .. أو سيلتحق بهم  الموقعون نافضين أياديهم عن كل ما تم.
والسلام سمح فادعموه حتي يثبت العكس.
احمد محمود كانم
1سبتمبر 2020
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..