المصائب لاتأتي فرادى

مجموعة من المصائب والنّكبات ألمّت ببلادنا في وقت واحد بدءا بالنيل الذي تمرّد على مجراه فاجتاح كل ماحوله واستباح البيوت والشوارع في غضبة غير مسبوقة ، ولابد من إغاثة المتضررين بالتوازي مع فتح تحقيق حقيقي ، فالسد العالي تواترت أنباء على وسائل التواصل الاجتماعي بإغلاقه كل منافذه لتعطيش مصر وإغراق السودان حتى يقف الشعبين موقفا مضادا للموقف الأثيوبي في سدّ النهضة ، وياسبحان الله ، الشعب المصري يقنعه العطش ونحن يقنعنا الغرق !!، ومع ذلك لابد من مراجعة متى تم فتح وإغلاق بوابات خزاناتنا المنتشرة على النيل ، فاحتمال حبس المياه وفتحها في وقت زيادة المنسوب كحرب من أعداء الداخل يبقى قائما ، وأضم صوتي لصوت الزميل الصديق أبوضاح صاحب الدبابيس اليومية ، بضرورة شق قنوات إلى المناطق البعيدة في النيل الابيض وكردفان ودارفور لتكون متنفسا ومانعا للفيضان ووسيلة من وسائل التّحكم في حصة البلاد من مياه النيل ، وبالمقابل ستسهم تلك المجاري في إحياء مدن وقرى ، وتشجيع العودة الطوعية التي تساهم في تخفيف الضغط على العاصمة وزيادة الانتاج ، إنه مخرج مجدي وواقعي وسهل ، ولو كانت الحكومة لاتملك القدرة على الحفر فأهالي كل منطقة قادرون على حفر المساحة التي تمر بمنطقتهم ولن تتكلف خزينة الدولة مليما واحدا ، وبدلا من تتريس الشوارع لمنع وصول المياه التي أرسلها الله إلينا لخير أو لشر لانعلمه ، كنا سنستقبلها بفتح القنوات والمصارف التي تحيي المناطق البعيدة .
المصيبة الثانية تمثّلت في أطماع العسكر في السلطة ، فدعوة البرهان عبر خطابه المنفعل ، وزياراته لمتضرري الفيضان في الكلاكلة ، وتحشيد الحزب البائد لمواكب لتفويض العسكر وغيرها من الأحداث ، كلها تصبّ في ذلك الإستقطاب ، ولكن الإصرار على المدنية في نفوس الجماهير رغم شذوذ البعض ، تبقى أكبر ضامن للجم تطلعات العسكر الذين مثّلوا نارا لجأ إليها الثوار من رمضاء بطش العهد البائد ، فوجدوا من توهموه عونا هو الفرعون ، وأستعصموا بهم لحماية ثورتهم فأرادوا ابتلاعها ، وبتوقيع بروتوكول السلام بعد اكتمال المحاصصات في جوبا ، يجب أن تشارك تلك الحركات الموقعة في دعم استقرار البلاد ، ويجب أن تقنع المواطن بما ستفعله في الفترة القادمة ، فالصورة الذهنية العامة عنها تحتاج الكثير من جهود الترميم ولاتختلف عن مشاهد تحطيم المباني بفعل فيضان النيل المنتشرة في كل مكان أو شكل ميدان الاعتصام بعد لحظة فضّه.
أحداث العنف المؤسفة في كسلا واحدة من مظاهر تلك المصائب المتزامنة ، وبعيدا عن تخوين هذا الطرف أو ذاك ، فإن مايحدث في الشرق هو عمل إستخباراتي بامتياز ، ولازلنا نشدد على الحاجة الماسة للنظر في موضوع مخابراتنا ، فالوطن القوي الذي نحلم ببنيانه لايستقيم بغير مخابرات قوية ، واستتباب الأمن في الداخل شرط أساسي لايستقيم معه عيش ولا إنتاج ، ولابد لكل اللجان الرسمية المكلّفة الآن بحل المشكلة ، أن تعود أولا إلى ملفات جهاز الأمن لأن خارطة الطريق دون شك تبدأ من هناك ، فمايحدث في الشرق تشعله مخابرات العديد من الدول ، والمخابرات تعرف كيف تتعامل مع مثيلاتها .
ويبقى مدّ مفاوضات جوبا للفترة الإنتقالية واحد من تلك المصائب ، فالوطن الذي تعهدت الحكومة العسكرية والمدنية معا للثوار بإجراء انتخاباته خلال ثلاثة أعوام بدلا عن عام ، وارتضى أصحاب الحق وقتها على مضض ، أصبح بكل أسف كخرقة القماش التي يفصلّها كل مكون عسكري أوسياسي على حسب حجمه ومقاسه ، وماذنب المواطنين حتى يتحملوا حاجة الحركات لسنوات إضافية في الحكم ، ولماذا أصلا يتم الحكم بمحاصصات ، والسلام الداخلي بمقابل ؟؟ السلام تحكمه الإرادة والرغبة وليست مساومات وقوانين السوق .
لم يتبق من الفترة التي نصّت عليها الوثيقة الدستورية المعيبة التي ارتضاها الجميع رغم عيوبها حتى تسير المركب إلا فترة محدودة ، ويجب على الثوار الإصرار على تنفيذ الانتخابات في موعدها ، ومن يملك قواعد شعبية سيفوز ، ويكفي الصبر على ماتم من خروقات لاأول لها ولا آخر ، وينبغي إيقاف نزيف خرق مباديء الثورة واتفاقاتها ، وأول خرق كان في محاصصة الوظائف برغم اتفاق الكفاءات ، وعلى رئيس الوزراء وهو لم يعلن أسماء وزراءه بعد أن يقوم بعد إعلان مجلس المحاصصة القادم أن يعلن موعد الانتخابات في الموعد الذي اتفق عليه مع الثوار لا الموعد الذي اتفق عليه مع العسكر والحركات ، والانتخابات بكل تأكيد ستؤكّد حقائق جازمة بمقدار شعبية كل فرد ووزن كل كيان ، ولذلك يهرب الجميع منها وكأنها تحمل عدوى كورونا .
المجلس التشريعي لو تم تشكيله على أسس وطنية صحيحة ، سيكون ضامنا حقيقيا لقيام الانتخابات في موعدها ، والذرائع التي تتذرع بها السلطة الانتقالية لامبرر لها ، فالسلطة الانتقالية مطالبة فقط بماتستطيع قطع شوط فيه من حلحلة المشاكل ، والحكومة المنتخبة ستكمل ماتبقى ، ولو لم تقم الانتخابات في موعدها فإن البلاد دون شك ستكون مرشحة لمزيد من الاضطرابات
وقد بلغت .
عبدالدين سلامه
[email protected]




المفروض ان يتم تغيير عنوان المقال من ” المصائب لا تاتى فرادى” الى ” الجهل و الفشل و المعاكسات و الهيافة ياتى بالمصائب المتتالية”
فنحن عندنا قادة من اقدر الناس على صنع كل انواع المصائب على الوطن و المواطن .. يا كافى البلاء .. كل ما يصدرون من قرارات لا تصب البتة فى خانة الاصلاح او التنمية او العدالة او مصلحة الوطن او المواطن ..