سلام جوبا…. الغريق يتمسك بقشة!

انفض السامر بعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية السلام بين الحكومة المؤقتة وبعض حركات الكفاح المسلح “اسم الدلع لحركات لتمرد” في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان الشقيقة، التي استضافت الوفود المتفاوضة، بوساطة منها، لمدة عشرة شهور. وتفرق الجمع، بعد حفل صاخب، أقيم بهذه المناسبة، وعاد كل وفد إلى مقره، وهو يحمل في جعبته نسخة أصلية، موقعة من كل الأطراف والشهود والجهات الراعية والضامنة، من الهيئات الإقليمية والدولية!
ومهما يكن فإن السلام مطلب محبب لكل المجتمعات البشرية والدول؛ حتى يتحقق الاستقرار ومن ثم التنمية، ومن هذا المنطلق ظلت كل الحكومات السودانية المتعاقبة تنشد التوصل إلى سلام دائم ومستدام مع كل الذين حملوا السلاح وخرجوا ضد الدولة في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوية، وشرق السودان، ولكن باءت كل المحاولات والجولات السابقة بالفشل؛ نظراً لتعنت الحركات المسلحة بسبب أجندتها غير المعقولة ورهن إرادتها لجهات لا ترقب في السودان ولا أهله إلا ولا ذمة. وربما يكون سبب الفشل هو تلكؤ الحكومة المركزية في الخرطوم أو الخطل الذي صاحب توقيع الاتفاقيات من أبوجا وحتى اتفاقية سلام الدوحة، وغيرها كثر.
أما بالنسبة لاتفاقية سلام جوبا فقد خرجت إلى حيز الوجود تكتنفها عدة ملاحظات قد تكون سبباً في انهيارها خلال فترة وجيزة، أولها أن كبرى الحركات المتمردة؛ مثل حركة الحلو وعبد الواحد نور لم تشارك فيها، ولم توافق على أي من البنود الواردة فيها! ثم إن الذين وقعوا على تلك الوثيقة من الطرفين، الحكومة والمتمردين، غير مفوضين بالبت في قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل البلاد ومصلحتها العليا، وهذا في حد ذاته مبرر كافٍ لجعل هذه الاتفاقية كحرث في البحر، أو كصحية بأرض قفار. ومن المتوقع أن تخرج حركات متمردة جديدة ضد هذا الاتفاق؛ خاصة وأنه ينص على تقاسم كعكة السلطة بطريقة ساذجة قد تغري الكثيرين بالسعي للحصول على نصيبهم من تلك الكعكة، وبالتالي سوف يستمر تشظي الحركات؛ حتى يحقق قادتها مآربهم الشخصية بالوصول إلى كراسي الحكم والمكاتب المريحة في أروقة الأجهزة الحكومية بالخرطوم، وغيرها من العواصم الإقليمية.
من جانب آخر، تسعى قحت أو بالأحرى أحزاب اليسار والأحزاب الشعوبية ومن شاكلها، لمد الفترة الانتقالية لأطول مدة ممكنة، تخوفاً وتحسباً للانتخابات التي تعلم أنها لن تحقق فيها فوزاً يؤهلها للانفراد بالسلطة؛ فهي لذلك تتمسك بقشة هذا السلام الهش ريثما تجد لنفسها سبباً آخر يجعلها تستمر في ممارسة السلطة، ومواصلة تنفيذ أجندتها الحزبية، بعد أن سطت على الثورة، عبر التآمر، وها هي الآن تتفاوض وتتوافق مع نصفها المسلح من حركات التمرد، بغية الاستقواء بها في وجه الجهات التي تعارض حكمها! وحسبما أعلن القيادي بمركزية قحت الأستاذ إبراهيم الشيخ فإن الحركات المنضوية تحت مسمى نداء السودان قد وافقت على رفع تجميد عضويتها في قحت، الأمر الذي يعني أن قحت كانت تحاور نفسها.
ومما يلاحظ على هذه الاتفاقية أنها قاصرة على جهات معينة، ولم تعالج مشكلة السلام في كل ربوع السودان، بل تعمدت الجهة المنسقة استبعاد مسارات بعينها دون مبرر كاف، وأعطت بعض المسارات أكبر من حجمها، فقط لأن قادتها قد قاتلوا ضد القوات المسلحة السودانية، وحملوا السلاح في وجه الدولة، ورهنوا إرادتهم لجهات خارجية وإقليمية، فأي سلام يمكن أن يتحقق بموجب هذه الوثيقة التي ربما تمهد لانفصال بعض أقاليم السودان، أو ربما تؤدي لبروز حركات مسلحة في مناطق لم تعرف التمرد من قبل؛ جراء الغبن الذي افرزته هذه الاتفاقية الواهية.
إن المخرج الوحيد للسودان من دوامة الحروب العبثية هو مؤتمر جامع يشارك فيه كل حكماء السودان من قادة المجتمع الفعليين، ويساهم فيه العلماء والمفكرون والمثقفون وأصحاب الرأي، وقادة الفكرة، وصانعو السياسيات العامة؛ بحيث يناقش كل القضايا الوطنية المصيرية، التي تتعلق بالهوية وطريقة الحكم والعلاقات الخارجية والتنمية وتحقيق سلام مستدام، بعيداً عن الأطماع الشخصية والجهوية والحزبية، ويضع لبنات صلبة للاستقرار السياسي وترسيخ قواعد الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، مع إعطاء كل إقليم نصيبه من الثروة والتنمية والخدمات، دون الحاجة إلى التمرد وحمل السلاح، وإن لم يحدث هذا فيجب ألا يحلم السودانيون بالسلام أبداً، وحينها ستكون الفوضى والتشظي والدمار، ولات ساعة مندم.
محمد التجاني عمر قش
[email protected]
والله الأحزاب اليسارية دى لو مدو ليها الفتره الانتقالية ٣٩ سنه وضعها فى السودان ما حيتغير لأنها لا بتشبه الشعب السودانى ولا برضى بيها !!!!!!!!