مقالات وآراء

الشباب والثورة السودانية

لا يختلف إثنان إن ثورة ديسمبر 2018 هي ثورة (الشباب) – و إنها أعظم الثورات في العصر الحديث بشهادة الجميع. لقد كانت ثورة إقتدى بها الكثيرون في أوربا و أفريقيا و آسيا و غيرها من بقاع العالم. فهي ثورة ضد أعتَى الديكتاتوريات في العالم، و ضد نظام (إسلامي، إرهابي، عُنصري، فاسد، و مُستبِد) جثم على صدر الشَّعب السّوداني لثلاثين عاماً. بطش فيها بالمواطنين، و مارس القمع، القتل، الإغتصاب، التشريد، التَّنزيح القسري و كافة الجرائم : (جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، و الإبادة الجماعية). و شرَّد الكفاءات و الشباب، يتَّم الأطفال، رمَّل النساء، بدَّد الموارد، نشر العُنصرية، و أفسد الدِّين بتسييسِه، بل أفسد كل ما هو جميل في المجتمع السُّوداني. و أخيراً فصل جزءاً عزيزاً من البلاد.
هذه هي الدولة التي أسقطها شباب ثورة ديسمبر 2018 بالعزيمة و الإصرار بعد أن واجهوا بطش النظام بصدورِ عارية، و بشعار (تسقُط بس)، و (حرية .. سلام .. و عدالة) و (الثورة خيار الشعب). لم يكن أمامهم خيار آخر غير الثورة .. و الثورة فقط .. بعد الأوضاع التي وصلت إليها البلاد. و ما أدهش الكثيرون إن شباب الثورة غالبيتهم ممن ولِدوا و ترعرَّعوا في عهد (البشير). و لكن كما قال ماركس : (إن القوى الثورية تُشكِّلها .. و تُثقِّفُها الأوضاع القائمة). فمن خلال الثلاثون عاماً تشكَّلت هذه القوى (الشَّبابية) التي صنعت ثورة ديسمبر.
و تقول قوانين المادِّية التَّاريخية إن :
1/ التَّاريخ هو من صنع البشر؛
2/ الفعل الذي يصنع التَّاريخ يتحدَّد بإرادتهم؛
3/ هذه الإرادة هي تعبير عن أفكارهم؛
4/ هذه الأفكار هي إنعكاس للظروف الإجتماعية و الإقتصادية التي يعيشونها.
و بالتَّالي كان النِتاج الطبيعي وفقاً لقوانين الجدل – (السيرورة : Process – و الصيرورة : Becoming) – هو قيام ثورة ديسمبر المجيدة.
و الشباب هم الفئة الأكثر ديناميكية و طاقة لإحداث التغيير و رسم ملامح و آفاق المستقبل، و هم من يمتلكون القُدرة على بناء الدولة القوية .. المُستقرة، و تحقيق التنمية و الرفاه. و هذا يتطلَّب من الشباب إحداث قطيعة تاريخية كاملة مع الرؤى و التوجُّهات المُشوَّهة الموروثة من النُخب السودانية.
يوجد حالياً حوالي (1.8) مليار شاب في العالم، و هذا أكبر عدد من الشباب على الإطلاق في تاريخ البشرية – (24) مليون منهم لا يجدون فرصاً للتعليم. و حسب الأمم المتحدة – فقد أدَّى غياب الإستقرار السياسي و تحدِّيات سوق العمل و الفضاءات المحدودة للمُشاركة السياسية و المدنية إلى زيادة عُزلة الشباب في المجتمعات.
و يُشكِّل الشباب في السُّودان أكثر من (65 %) من جملة السُكَّان، و (67 %) منهم لا يجدون فرص العمل.
لقد أدَّت مُمارسات (النظام البائد) القمعية و سياساته الإقتصادية القائمة على مبدأ تمكين منسوبيه، إلى تضييق فرص العمل و تهجير الشباب و هروبهم من البلاد، و صار بعضهم ضحايا لعصابات الإتجار بالبشر و شبكات المنظمات الإرهابية و تُجَّار المُخدِّرات. كما مات بعضهم غرقاً في قاع البحار و المُحيطات. أما من لم يتمكَّنوا من الهروب، فقد صاروا ضحايا للمُخدِّرات و اليأس و الخمول.
و من جانب آخر فقد إستهدفت أجندة الإسلام السِّياسي و مشروع الإنقاذ الظلامي بآيديولوجيته الأصولية شريحة الشباب و سعت إلى إعادة صياغة عقولهم و توجُّهاتهم وفق تطلُّعات الإسلاميين، و ذلك من خلال آليات الإستلاب الفكري و الثقافي عبر مناهج التَّعليم و الخطاب الرَّسمي المؤدّلج لأجهزة و وسائل الإعلام. و قد ساهم ذلك في تفريخ مجموعات شبابية مُشوَّهة و مُغتربة عن الواقع، مُشبَّعة بالهوس الديني و الإرهاب.
لقد كان الشباب هم الوقود الفعلي لثورة ديسمبر المجيدة، قدَّموا الشهيد تلو الشهيد في هبَّة سبتمبر 2013 – ثم ثورة ديسمبر 2018 .. و حتى الآن. فمن يسقطون في ميادين القتال هم الشباب، و من يموتون غرقاً في قاع المحيطات في سعيهم و بحثهم عن مُستقبل أفضل هم الشباب. ومن يموتون في النزاعات القبلية العبثية التي يؤجُّجها فلول النظام البائد هذه الأيام غالبيتهم من الشباب. فلذلك يظل الشباب هم الفئة الأكثر مصلحة في التغيير، و في الحِفاظ على هذه الثورة العظيمة و مُراقبتها حتى لا تُسرق. و لا بد أن يظَل (التِرس) صاحياً. و لا بد من إكمال كافة مهام الثورة و التأكُّد من تحقيقها لأهدافها التي قُدِّمت من أجلها الأرواح، و أولها الوصول إلى سلام شامل و عادل يُعالج جذور الأزمة السُّودانية و ليس سلاماً (صورياً) كما تُريد الحكومة الإنتقالية و المُنتفعين من الأوضاع القائمة. و هذه مسئولية لجان المُقاومة الشَّبابية في كافة الولايات و المُدن و الأرياف و الأحياء. بالإضافة إلى طلاب الجامعات.
تنظر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إلى الشباب بإعتبارهم فئة مُهمَّشة في المجتمع عانت من كافة أشكال القهر و الإضطهاد و الإستهداف من قبل النظام البائد لقتل روح الثورة و النِّضال و صرفهم عن قضايا المجتمع و حصر همومهم في قضايا المعاش. و تقف الحركة الشعبية مع تطلُّعات الشباب المشروعة في حياة حافلة بإهتمام و رعاية الدولة، في مُجتمع يحترمه و يُشعِره بقيمته و يكفُل له فرص التَّعليم و التَّدريب و التأهيل، و تُمكِّنه من المُشاركة الفاعلة في الحياة السِّياسية و الإجتماعية و الإقتصادية مع التَّمثيل اللائق في مواقع صنع القرار.
تسعَى الحركة الشعبية عبر مشروع السودان الجديد لإحداث نقلة نوعية تتمثَّل في الإهتمام بالشباب و بقضاياهم و الإنتقال بهم من أفكار و سياسات السُّودان القديم التي كبَّلت طاقاتهم و أقعدتهم عن المواكبة و النهوض و التطوُّر و الإرتقاء – إلى مصاف نظرائهم الشباب في المُجتمعات و الدُّول المُتقدِّمة.
النضال مُستمر و النصر أكيد

عادل شالوكا
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..