
الاحداث التي توالت كوارث على المواطن السوداني تطحنه في شكل غلاء متصاعد في السلع الاساسية لحياته اليومية، ومع ذلك تجد الناس يشترون ويقيمون مناسباتهم المختلفة ، ويتحركون ويسافرون ويضحكون وكأن شيئاً لم يكن.
حركة الحياة في المجتمع السوداني، رغم إحاطتها بأسوأ الظروف التي يمكن ان يعيشها البشر، تجدها عادية جداً ، فالمواطن العادي وغير العادي لا يكترث مطلقاً لما يحدث حوله ، يتحدث ويناقش ويغضب مع الآخرين في وسائل النقل العامة واثناء اجتماعه بإصدقاءه في جلساته الخاصة ولكن كل ذلك وهو جالس على كرسي مشلول، وهذا مؤشر ودليل على إصابة معظم افراد هذا المجتمع بمرض خطير.
المرض الخطير احتار فيه كل اطباء سياسة السودان العموميون منهم والمتخصصون، بل كانوا سبباً رئيساً في استفحال المرض لعدم قدرتهم على التشخيص الصحيح رغم توفر كل المعينات والادوات، وهذا الامر يدعونا للتساؤل والاستغراب لماذا ؟ وربما تكون الإجابة البسيطة هي أنهم مصابين بالداء نفسه. ويمكننا ايضاً أفتراض أن هذا الداء هو ” ازمة الضمير” فالسوداني يعيش بلا ضمير يؤنبه على فعل الخطأ، أو التصدي للخطأ بإصلاحه يدأً أو لساناً او قلباً.
نمارس في كل يوم عدداً كبيراً من السلوكيات السلبية التي ننادي بمحاربتها. نتصور أننا تحررنا من أغلال القهر والإذلال بمجرد قيامنا بثورة ديسمبر ورفعنا لشعاراتها البراقة ، حرية سلام عدالة، لكننا في الواقع لم نتحرر ولم ننجز شيئاً الى الآن.
للاسف الشديد ظهر وجهنا الحقيقي الذي كان متخفياً خلف ستار الخضوع والخنوع للديكتاتورية وتجار الدين، وجهنا ظهرقبيحاً في ممارسة العدالة والسلام والحرية والتحرر الذي لا يشبه القيم الاخلاقية والتقاليد والاعراف السودانية مثل النخوة والشهامة والامانة والاحترام وغيرها من القيم الاجتماعية التي نفتخر بها.
نعيش الحاضر في ازمة اخلاقية وازمة ضمير لشعب كامل حاكماً ومحكوماً، وهذه الازمة ليست وليدة اليوم واللحظة وإنما هي ثمرة لبذور غرزناها نحن ، بذور الفساد والمحسوبية والرشوة ، حصاد الفقر والتجهيل وتفشي المرض ، ورثنا جيلاً بمعايير تكاد تكون اخلاقياتهم وضمائرهم معدومة ، جيل يحرم الحلال ويحلل الحرام ، جيل همه الأول مصلحته الشخصية يهرع لتدمير الاقتصاد تهريباً للمواد الغذائية والبترولية وشراء للدولار.
أزمة الضمير في رأينا السبب الرئيس للفشل الذي نمارسه يومياً، ناهيك عن تخلفنا عن مسيرة التنمية المرتجاة. فالفشل في ايجاد حلول اقتصادية مرده الى غياب الضمير الوطني الذي لا يكترث لوضع مشروع وطني يهدف الى خلق تنمية مستدامة. والفشل في محاسبة الفاسدين والمتهمين من النظام السابق والتلكؤ في اصدار الاحكام الرادعة يعود الى غياب الضمير الوطني ايضاً. والفشل في احكام الرقابة على السوق والاسعار وترك السماسرة وتجار العملة والمهربين بلا حساب يرجع الى غياب الضمير الوطني كذلك. والفشل في اصدار القرارات الحاسمة ايضاً يمكن تعليقه على شماعة غياب الضمير الوطني. وهكذا فإن كل ما فشلنا فيه مرده الى هذا الغياب.
نحتاج الى ثورة شبابية هدفها إخماد نيران الاخلاق السيئة والفساد، ثورة ضد الغش والتدليس والجشع والطمع ، نحتاج الى ثورة لمحاربة الحسد والبغض والكراهية للآخرين . نحتاج الى جيل صاحب ضمير حي ونقي وطاهر يقول كلمة الحق ولا يخاف لومة لائم. جيل يرفض ارتداء الاقنعة ويرفض ان يبيع ضميره ووطنه بأبخس الاثمان.
نحتاج الى جيل واع بضمير وطني حي، ضمير سوداني حر يقود هذه الثورة ، فهل من مجيب؟
فيصل سعدالدين احمد
[email protected]