مقالات سياسية

الأسباب لا النتائج

كمال كرار

لو انطوت صفحة الحروب في بلادنا فإن التاريخ سيدون أن مالم تحققه الحكومات المدنية والعسكرية خلال 63 عاما،أنجزته الحكومة الانتقالية في زمن وجيز ..والسلام الدائم عندما يكون صناعة سودانية 100% فإن السودان يولد من جديد كما يجب أن يكون.

ولكن هذا الأمر قريب المنال وبعيده في آن واحد،ومرتبط بعملية السلام نفسها،وما إذا كانت ستنهي جذور الحرب وأسبابها،أو ستقفز عليها .. فالحرب اندلعت بالضرورة عندما نفى بعضنا البعض الآخر، فضاعت الحقوق، وانقسم الناس إلى مواطنين (درجة أولى)، ودرجة ثانية.. وهذا التقسيم ذو أبعاد سياسية وإثنية ودينية وجغرافية واقتصادية ..ليس مركزا وهامش،بل ارتبط ارتباطاً وثيقا بعملية التراكم الرأسمالي في بلادنا،والنظم السياسية وبعض التنظيمات التي حكمت بلادنا على الطريقة الاستعمارية ..

وإن قلنا الآن أن وثائق السلام الموقعة قد تفضي إلي إنهاء المعسكرات .. ومحاكمة مجرمي الحرب، وإشراك بعض أعضاء حركات الكفاح المسلح في السلطة، فإننا نعالج النتائج المترتبة على الحروب ولا ننفذ إلي الجوهر ..
وهذا الجوهر ملئ بالصفحات الدامية، والمظالم والاستعلاء ..واهدار الحقوق .. والاعتراف بها اول خطوة في طريق السلام المستدام.

ومن أسباب الحرب، غياب التنمية والخدمات .. وهذا مرتبط بالاقتصاد .. والدولة الدينية .. وشكل الدولة نفسها، والتقسيمات المحلية والإدارية، والقدرة على التعبير عن الثقافة واللهجة المحلية، وكيفية إدارة شؤون الحكم في كل منطقة، وغيرها من موضوعات مكانها المؤتمر الدستوري، الذي سيؤسس للسودان المدني الديمقراطي القائم على شعارات الثورة .. حرية سلام وعدالة ..
وعملية السلام الحقيقية .. إن كانت مصالحات قبلية أو اجتماعية بشعار عفا الله عما سلف، فإنها تنتج الحرب مرة أخرى .. وليس من رأى كمن سمع .. فالإبادة الجماعية مورست طوال عقود في مناطق كثيرة من بلادنا، ومرتكبي هذه الجرائم إن لم يعاقبوا فالباب مفتوح لأخذ الثأر عنوة ..

لقد تأخرت الحكومة كثيرا في تسليم المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية،ولا أرى مبررا لكل هذا الوقت المضاع ..فالضحايا وأهلهم ينتظرون الإنصاف ..

ومن المؤسف أن دارفور .. لا زالت تعيش حالة الطوارئ .. والسبب أن الأمن غير مستتب .. والأمن لا تجلبه الدوشكات،ولا حملات جمع السلاح، واعتقال الناس(من طرف)، العدالة ودولة القانون والمؤسسات والحقوق هي معادلة الأمن والاستقرار ..
ومن موروث الإنقاذ البائدة في الخرطوم والولايات ما تسمى باللجنة الامنية العليا، ورئيسها الوالي وحوله العسكر .. يقررون في مصائر الناس بالمفهوم الأمني، وبمنطق التجريدات العسكرية، وهذا مرفوض في عهد ما بعد الثورة ..

رأيت صديقنا المحامي الدومة بالأمس وهو والي غرب دارفور .. يطوف في عربة عسكرية، ومحاط بالعسكر من كل ناحية،وهو مشهد يعيد الذكريات الأليمة، ومتى يطوف الوالي على الناس والأسواق بالجلابية أو البنطلون برفقة الضابط الإداري، يستمع للشكاوي،ويقترح الحلول ويكون قريبا من قلوب الناس ..هذه الملاحظة ليست للدومة ولكن لكل الولاة المدنيين.. الذين هم الآن تحت سيطرة مثل هذه اللجان الأمنية .. (وقطعا أعضاؤها إلى الآن من فلول النظام البائد)..

وأخيرا وليس آخرا .. فالسياسة الاقتصادية الآن التي يتحكم فيها الطفيليون والسماسرة، بأمر لجنة الطوارئ الاقتصادية،والتي لا تلقي بالا للتنمية أو تخفيض تكاليف المعيشة.. تجعل السلام الدائم شبه مستحيل .. طالما يستمتع نفر قليل بدولار الذهب أو البترول .. ويتركون لمناطق الإنتاج بخار الزئبق والسينايد والكبريت والماء الملوث .. وشعارهم (دعهم يموتون).. وهذه ملاحظة نسوقها لعملاء البنك الدولي الذين صعدوا لمواقع اتخاذ القرار الاقتصادي .. وقالوا جهرا وليس همسا (خلونا من الحرية والتغيير .. نحن ح نزيد البنزين والجازولين ونشتغل بسعر الدولار في سوق الله أكبر .. ويعنون السوق الأسود .. وكأنهم تجار عملة وليسوا مسؤولين ومسؤولات في الدولة)..
واصحى يا ترس وأي كوز مالو؟

كمال كرار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..