أخبار السودان

السودان: اصطفاف جديد على وقع اتفاقات السلام

عمار عوض

الاصطفاف الجديد سيكون رأسه الحركة الشعبية والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السكرتاريا الجديدة وظهيرهم الحزب الاتحادي، وعلى الجانب الآخر حزب الأمة القومي والقوى الإسلامية وحزب البعث، وثالثا المتبقي من الحرية والتغيير والجبهة الثورية.

الخرطوم-“القدس العربي”:حراك كبير ينتظم الساحة السياسية السودانية بجهة تكوين مراكز جديدة للقوى وإصلاح حال الحرية والتغيير من جهة أخرى. حيث شهدت مدينة جوبا توقيع اتفاق بين الأخيرة والجبهة الثورية يقضي بعودتها للعمل داخل التحالف الحاكم الذي شهد عودة حزب الأمة إلى العمل في لجان المؤتمر التحضيري للتحالف وفي الوقت نفسه عقد لقاء نادر مع حزب المؤتمر الشعبي (أسسه حسن الترابي). فيما سارع الحزب الشيوعي إلى إصدار بيان يحذر فيه من استخدام السلام ليكون ذريعة لتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، بينما أكدت قيادات في التحالف الحاكم أن المؤتمر التحضيري المزمع عقده سيشمل جميع القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي رحبت لتكوين أوسع جبهة لحماية الحكومة الانتقالية.

وأمّن وفد المؤتمر الشعبي على أهمية عقد المؤتمر الجامع الذي دعا له حزب الأمة القومي في العقد الاجتماعي الجديد لتكوين حاضنة عريضة لحكومة مرتضاة تسوق البلاد إلى انتخابات حرة تفضي إلى ديمقراطية يتطلع لها شعب السودان.

وكان وفد الجبهة الثورية الذي رابط في جوبا لنحو 10 أيام استطاع كسر الجمود مع الجبهة الثورية السودانية التي سبق لها وان جمدت نشاطها في التحالف في أعقاب أزمة تعيين الولاة المدنيين، لكن وفد التحالف الحاكم الذي ضم كل مكوناته الرئيسية وشهد مشاركة حزب الأمة لأول مرة بعد تجميده لعمله، نجح في التوصل لآلية تنسيقية لاتخاذ القرارات بالإضافة لمشاركة الثورية في المؤتمر التحضيري حسب البيان المشترك بين الطرفين الذي جاء فيه “تم الاتفاق على آلية فعالة تحقق التشاور وتنسيق المواقف السياسية بين جميع مكونات الحرية والتغيير حول القضايا الراهنة بما يضمن مشاركة الجبهة الثورية ومشاورتها في القرارات المتعلقة بإدارة الفترة الانتقالية لحين انعقاد المؤتمر التداولي”.

وأشار البيان إلى اتفاق الطرفين على استئناف الجبهة الثورية نشاطها ضمن التحالف، سيما انها كانت من الأطراف الموقعة على الإعلان الذي بموجبه تأسس الائتلاف. وأضاف “اتفقت الحرية والتغيير والجبهة الثورية على عقد مؤتمر لإصلاح التنظيم وتطوير هياكله حتى يتمكن من إسناد السلطة الانتقالية، على أن تُكون لجنة تحضيرية تمهد لالتئام المؤتمر”.

وتعهدت الحرية والتغيير، حسب البيان، بدعم عملية السلام الجارية في جنوب السودان، ودعم كل الأطراف لتنفيذ الاتفاق، الذي تقول الوساطة إن التوقيع عليه بالأحرف الأولى سيكون الأثنين.

وقال القيادي في التحالف الحاكم خالد عمر يوسف بعد عودته من جوبا لـ”القدس العربي”: “نعمل الآن على اكمال التشاور لتكوين لجنة تحضيرية لقوى الحرية والتغيير تعمل على إعداد الأوراق والمناقشات وتوفير الدعم اللوجستي والفني لانجاح المؤتمر” وتابع “وإلى حين انعقاد المؤتمر كل المؤسسات بما فيها حزب الأمة والمهنيون والجبهة الثورية ستكون مواقفهم منسقة عبر الآلية الجديدة” وزاد “المشاورات مستمرة ليعقد المؤتمر في أقرب وقت ممكن وبما ان حركات الكفاح المسلح ستشارك فإن الراجح ان يعقد المؤتمر بعد توقيع اتفاق السلام النهائي”.

وأوضح يوسف “ان المؤتمر سيضم كل القوى المؤسسة والموقعة على تحالف الحرية والتغيير والراغبة في الانضمام إليه، وسنسعى لضم قوى خارج الحرية والتغيير حاليا، كما سنفتح نقاشا واسعا مع لجان المقاومة لإيجاد صيغة لتوحيد المواقف وتنسيق العمل معها”.

وشهدت دار رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي لقاء مفصليا في طريق تكوين مراكز القوى الجديدة في الساحة السودانية، جمعه بالأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة وعدد من قيادات الحزبين وهو اللقاء الثاني بينهما، وأصدرا بيانا مشتركا رحبا من خلاله بتباشير الوصول لاتفاق سلام عبر الحوار الجاري في جوبا، وأكَّدا على ضرورة أن يحقق هذا الاتفاق إزالةَ كافة أسباب الحرب، والآثار المترتبة عليها مع مراعاة مصالح الجميع ليكون مقبولاً لكل الأطراف. كما اتفق الطرفان على ضرورة التوافق السياسي بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية الملتزمة بشعارات الثورة وأهدافها.

كما اتفق الجانبان على أن مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل من صميم اختصاص الحكومة المنتخبة وليس من مهام وصلاحية الحكومة الانتقالية. كما ناقشا تعثُّر أداء حكومة الفترة الانتقالية في معالجة ملفات الأمن، والاقتصاد، والضائقة المعيشية، وأبديا قلقهما بشأن النزاعات الجهوية والقبلية في أطراف الوطن ما يعتبر مهدداً لوحدته.

وتظل النقطة الأبرز في البيان ورأس جبل الجليد في الاصطفاف الجديد تتمثل في قوله “وأمّن وفد المؤتمر الشعبي على أهمية عقد المؤتمر الجامع الذي دعا له حزب الأمة القومي في العقد الاجتماعي الجديد لتكوين حاضنة عريضة لحكومة مرتضاة تسوق البلاد إلى انتخابات حرة تفضي إلى ديمقراطية يتطلع لها شعب السودان”.

وبالنظر إلى أن حزب المؤتمر الشعبي سبق له عقد لقاء نادر ومماثل مع حزب البعث السوداني أحد حلفاء الصادق المهدي داخل تحالف الحرية والتغيير، ونداء السودان أمن من خلاله الطرفان على العمل المشترك، يجعل توقع دخول حزب حسن الترابي في تشكيلة الحاضنة السياسية المتولدة من المؤتمر التحضيري المزمع عقده قريبا، أمرا غير مستبعد، خاصة إذا نظرنا إلى قول القيادي المؤثر بالحزب كمال عمر المحامي عن وجود تدخلات خارجية بصورة سافرة في الشأن الداخلي للبلاد مؤكدا على “وضع استراتيجية من قبل تحالفهم مع قوى سياسية وطنية لمجابهة كافة أشكال التدخل الخارجي في شان البلاد”. وقال خلال حديثه لبرنامج “ساعة خاصة جدا” بقناة امدرمان، لدينا غرفة معلومات مشتركة لجمع المعلومات بشأن التدخل الخارجي في البلاد، وأضاف “نحن أحزاب همنا الوطن ومجابهة هذه المهددات الخارجية ونقدم علاقتنا مع الحرية والتغيير على العلاقة مع العسكر”.

فيما عزا القيادي بحزب المؤتمر الشعبي محمد عباس الفادني لقاء حزبه مع الأمة القوي إلى التقارب الفكري والسياسي بينهما وقال لصحيفة “الصيحة” المحلية “إن الجديد في لقاء الحزبين أن أغلب اتجاهات حزبه وخياراته المستقبلية تأتي متوافقة مع خيارات حزب الأمة لاسيما الدعوة للانتخابات المبكرة، وإمكانية قيامها بمشاركة جميع القوى السياسية القادرة على المساهمة في عملية الانتقال الديمقراطي؛ مع أني لا أعتقد أن أي حزب في السودان الآن جاهز ليخوض انتخابات مبكرة”.

وأشار الفادني أن اللقاءات المحمومة التي يجريها حزبه مع عدد من الأحزاب بقوى الحرية والتغيير بعضها معلن وأخرى بصورة سرية آخرها كان لقاء الشعبي بحزب البعث في إطار كسر الجمود السياسي، وقال إن لقاءات أحزاب الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية تأتي في إطار التأثر السياسي إضافة للتفاعل والنقاش الذي يمتد على مستوى الحكومة، ولكن لم ترتق إلى مستوى التحالفات بعد”.

لكن من الواضح أن الحزب الشيوعي يرى أمرا لا يراه الآخرون عندما أصدر بيانا شديد اللهجة عقب كل هذه اللقاءات التي انتظمت الساحة الأسبوع الماضي بما فيها توقيع اتفاق السلام مع الجبهة الثورية الذي رآى فيه خطوة لـ”تغيير الحاضنة السياسية الحالية للحكومة” وقال في بيانه عن اتفاق السلام “التناقضات الجسيمة في الاتفاق والتي قصد منها إفراغ الوضع القائم في البلاد من محتواه الدستوري بالحديث عن هيكلة الدولة السودانية استباقا للمؤتمر الدستوري. ويفهم من الاتفاق المعلن أيضا إبدال الحاضنة السياسية للنظام القائم في البلاد بحاضنة جديدة قوامها أطراف الاتفاق وإبعاد القوى التي قادت ومثلت الشارع في حراك ديسمبر أو الحديث عن أي دور لها بعد التوقيع على الاتفاق، وذهب إلى أبعد من ذلك بتجريد الوثيقة الدستورية من حجية أحكامها بالنص الصريح على سيادة أحكام اتفاق السلام على أي حكم بالوثيقة الدستورية في حال التعارض بينهما”.

وأوضح الحزب في خاتمة بيانه “سنظل نناضل من أجل عقد مؤتمر السلام الشامل وتنظيم المؤتمر الدستوري، لوجود قوى منظمة ومنتظمة في حركات الكفاح المسلح لم يتم تمثيلها في منبر جوبا (عبد الواحد محمد نور/الحلو-إضافة لثلاثة عشر فصيلا مسلحا) أكدت رفضها للاتفاق. مع تغييب كامل للقوى السياسية والاجتماعية التي قادت التغيير، وفوق ذلك غياب أصحاب المصلحة عبر ممثليهم الحقيقيين عن مفاوضات جوبا وعن منصة الاتفاق المعلن”.

واتبع الحزب بيانه بالعمل عندما غادر أمس الأول سكرتيره العام ورجل الحزب التاريخي والديناميكي المهندس صديق يوسف إلى أديس أبابا للقاء رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو من أجل دعم اتفاقه مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي قضى “بفصل الدين عن الدولة في الدستور المقبل”.

وكتب الصحافي المتابع لعمل الحزب الشيوعي محمد سعيد حلفاوي “سفر سكرتير الحزب الشيوعي الخطيب إلى أديس أبابا للقاء الحلو هو ملامح التحالف الجديد وموت قوى التغيير اكلينكيا في المرحلة المقبلة وتقاسمها بين مجلس السيادة والجبهة الثورية من جهة وبين مجلس الوزراء والحلو من جهة” وكتب متابعا عن شكل التحالفات المقبلة من وجهة نظره “مجلس السيادة + الجبهة الثورية بينما الشيوعي + الحلو ولاحقا عبد الواحد بينما حمدوك مشترك بين الطرفين وهذا هو المطلوب طبعا”.

وإذا نظرنا للبيان السريع الذي أصدره الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان المرغني راعي الطائفة الختمية من كبرى الطرق الصوفية في السودان والذي أكد من خلاله دعم اتفاق الحلو وحمدوك معتبرا اياه يبني الدولة السودانية على أسس تضمن للوطن وحدة قائمة على المساواة بين جميع أعراقه وثقافاته في ظل العيش المشترك بحسب البيان الذي جاء فيه أيضا “يعتبر الحزب التوقيع على ذلك الإعلان بمثابة السير على ميراث من العمل المشترك ربط بينه والحركة الشعبية بمختلف تخلقاتها منذ اتفاق السلام عام 1988 مرورا بالعمل المشترك عبر التجمع الوطني وصولا لإعلان قضايا السلام والوحدة الطوعية الذي جرى توقيعه في جوبا كانون الثاني/يناير الماضي”.

بذا تصبح الصورة أكثر وضوحا، ان الاصطفاف الجديد سيكون ثلاثي الأبعاد رأسه الحركة الشعبية (الحلو) والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السكرتاريا الجديدة وظهيرهم من الخلف الحزب الاتحادي بقيادة المرغني، وعلى الجانب الآخر حزب الأمة القومي والقوى الإسلامية وحزب البعث السوداني، وفي الجهة الثالثة المتبقي من الحرية والتغيير (المؤتمر السوداني والبعث العربي والتجمع الاتحادي) والجبهة الثورية بكافة فصائلها والحبل على الجرار.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..