قبل انسكاب اللبن

إتفاق حمدوك مع الحلو فسّره الكثيرون تفسيرا خاطئا ، وأتمنى من كل الكل إعادة قراءته بتمعن حرفا حرفا ، فالإتفاق بكامله ينص على بقاء الوضع على ماهو عليه مع استمرار التفاوض حول المسائل الخلافية كعلاقة الدين بالدولة وغيرها .
وبقدرما أكسب الاتفاق الحكومة فرصة لاستئناف محادثات السلام بمزيد من الحوار ، فإنه أكسب الحلو اعترافا رسميا بحكمه على مستعمرته حتى يتم الاتفاق دون أن يخاف من إعتداءات الأجهزة العسكرية أو المدنية ولو بدافع بسط هيبة الدولة ، ، كما أكسبه تأييد قوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي وحزب الأمة ،ضمنيا على رفضه قيادة حميدتي لوفد التفاوض الحكومي عبر رفضهم الصريح لاتفاق جوبا ، إضافة لمشروعية عمل حزبه في الخرطوم بعد الموافقة على استقبال أعضاءه ومؤيديه لرئيس الوزراء في مطار الخرطوم .
الطريق إلى الاتفاق مع الحلو وعبدالواحد طريق شائك ومليء بالمطبات ، والخلط بين مطالب الثورة المدنية وبين العلمانية كان السبب المباشر فيه هو ضعف إعلام الثورة ، فالزميل الصديق وزير الثقافة والمتولي زمام الإعلام ، إنشغل بالجانب الرأسي بالهيكلة البنائية للأجهزة والشخوص ، ولم يعبأ بالجانب الأفقي الذي يهتم بالدور البنائي لانسان مابعد انتصار الثورة ، والذي كان يجب أن يقوده الاعلام من خلال استراتيجية مدروسة كان يجب أن تمضي بالتزامن مع المحور الرأسي حتى لايخسر عامل بناء الانسان عاما أو يزيد ، فبناء الانسان يجب أن يسبق بناء المكان أو يتزامن معه ، وبغير بناء إنسان وطني واعي ، لايمكن لاتفاق سلام أن يصمد ، ولا لاستقرار أن يكون ، ولاتنمية أن تحدث .
ومن أساسيات بناء الانسان ، بناء حاضناته الحقيقية الفاعلة ، فماحدث للشباب الذين احترقوا في مكب النفايات مأساة سببها عدم إهتمام الحكومة بقوانين العمل وقوانين السلامة وقوانين مراقبة النفايات التي يتم التّخلّص منها ، خاصة والرواية شككت في العنصر المحترق ، والخلل يقودنا لحتمية تقوية جهاز الأمن وإعادة كل صلاحياته عدى تلك التي تختص بحرية المواطن ، بدلا من أن ننفق نفقات هائلة لانملكها أصلا في ظل عجزنا حتى عن توفير متطلبات الحياة الأساسية والحماية ، في الإنفاق على إقامة جهاز جديد وتدريب أناس حديثي عهد لايملكون الخبرة ، ونضيّع ما أنفقته الدولة من أموال طائلة لإكساب منسوبي الجهاز ، خاصة الذين ينحصر تخصصهم في مهددات السلم والأمن والإستقرار المجتمعي ، خبرات كبيرة لانستطيع إنكارها مهما كانت مواقفنا المغبونة من جهاز الأمن ، فمحاسبة من أخطأ منهم، مع حذف صلاحيات حريات المواطن الشخصية ، هو الحل الوحيد الأسرع لإعادة سلمنا واستقرارنا المفقود لنتمكن من لملمة أطرافنا والإنطلاق نحو آفاق التنمية.
علينا أيضا تنحية الخلافات والمكايد الحزبية جانبا ، فمايحدث في الساحة السياسية السودانية لايشبة الثورة ولايشبه حتى الانسان السوداني ، وعلى فضائيتنا التي يقودها أستاذنا وزميلنا لقمان الذي لايشك أحد في كفاءته ، أن تكون القائد الحقيقي للتحول ، وأن تتيح فرص الحوار وشرح وجهات نظر كل الأطراف الداعمة للعلمانية أو المدنية أو حتى الدولة الدينية ، وأن يطرح أمام الشعب بكل شفافية دفوعات ومنطق كل طرف عن حجته ، والشعب وحده بعد ذلك قادر على تشكيل رأي عام سيكون مؤثّرا بلاشك في مسيرة المفاوضات ، لأن التنوير سيكون لكل شعب السودان بمافيه شعب مستعمرة الحلو الحالية ، كما وجب على الإعلاميين خاصة الزملاء الصحفيين أن ينحّوا جانبا خلافاتهم ويتحاوروا جميعا ويخرجوا بنظرة مشتركة تستمزج فيها آراء كل صحفي الداخل والخارج ولو عبر روابط يتم إطلاقها في العالم الإفتراضي ، أو برامج تواصلية ، حتى يساهم الكل في بلورة البيت الاعلامي ، فمنتسبي إتحاد الصحفيين في خارج السودان ، يفوق عددهم عدد من هم بداخل السودان ، وقد وقعت عليهم العديد من المظالم المتعمدة وأحيانا الشخصية من اتحادهم القديم ، ولم يتم إشراكهم ولا مرة في تصويت الجمعيات العمومية المتعاقبة بسبب حسابات سياسية مختلفة .
خلافات الإعلام الذي يفترض فيه قيادة بناء الانسان والوطن ، وقيادة التنوير ، يجعل مستقبل البلاد بلا قائد ، وكلنا يتحمل المسؤولية الأخلاقية على أقل تقدير ، وعلى كل إعلامي القيام بواجبه الأخلاقي والمهني ، وإلا فإن كل حي في بلادنا قد يصبح دولة ، وليبيا وسوريا ولبنان ستكون نماذج أرحم ، ليس لأننا سنفعل ذلك بطريقة مباشرة ، ولكن لأن تقاعسنا عن التبصير والوقوف ككتلة وطنية واحدة ضد كل مخرّب وتخريب هو الضامن .
وقد بلغت
عبدالدين سلامه
[email protected]




انتو بس طلعتونا من دي والباقي الله يهونا 6 الازارقة ديل ما بيمزحوا عايزين ياكلوا احسن ناكل كلنا طيب