
لا أدري لماذا نبدي كل صباح حيرة و دهشة يصاحبها حزن و انين لأسعار الجنيه السوداني المتهاوي بقوة أمام الدولار رغم علمنا التام بالمسببات الرئيسية لهذا التدهور والسقوط.
فما يحيرني حقا أن دهشتنا هذه لا تصاحبها دمعة وطنية هي الواجب على عملة كانت قديما هي الاقوى وسط كل عملات أفريقيا.
فكم كان هذا الجنيه عزيزا في نفوس كل السودانيين ولزمن طويل وحتي مايو ١٩٦٩ حيث كان يساوي ٣ دولار !!
وحينها كان الموظف الحكومي سعيدا وهو يحمل مرتبه في جيبه عند نهاية كل شهر.
وبعكس جنيه اليوم الذي اصبح الناس يعدون له الشولات والعربات والغرف لحمله فيصعب حمله احيانا فيستعان بصديق أو باصدقاء. ومن ثم يبتلعه السوق في أيام معدودة.
وان كان اصلا ما يحدث للجنيه من بهدلة وسقوط هو من صنع أيدينا
فلقد تعودنا حياة الكسل (وعدم الإنتاج) وكثرة النوم وقلة الحركة بالإضافة مع الانشغال بالتكنولوجيا الحديثة .
فخلق ذلك السلوك المشين فجوة اقتصادية ما بين الصادر والوارد كما يقول الخبراء وظني انها السبب الرئيس و الصانع لكل هذا الحزن اليومي للمواطن.
و المخيف أيضا اننا قد هجرنا الريف جماعات وزرفانا و تكدسنا في الخرطوم والمدن الكبيرة حتي امتدت بنا الإمتدادات التي قاربت الريف الذي هجرناه.
فأصبح عدد سكان الخرطوم أكثر من عشرة مليون نسمة.
وهذا بالتأكيد تسبب في تردي كبير في الخدمات المقدمة من صحية وتعليمية واقتصاديه وغيرها
وان كانت الخرطوم قد عرفت الهجرة والنزوح إليها من الريف منذ زمن بعيد،
لكنها كانت دائمًا هجرة ترتبط بأثرياء أو متعلمين رفعتهم حظوظهم إلى طبقة اجتماعية أعلى فاختاروا الخرطوم سكنًا يناسب طبقتهم الجديدة.
ثم تغيرت الهجرة إلى هجرة شاملة في زمن الانقاذ وبجميع طبقاتها.
والسؤال ماذا تعمل كل هذه الجيوش الجرارة من النازحين في العاصمة؟
اكيد انهم يعملون في مهن هامشية من سمسرة وتجارة وغيرها والتي بالكاد توفر لهم ما قد يسد رمقهم
وهناك أيضا إعدادا كبيرة منهم جلوسا في الشوارع والبرندات وستات الشاهي كعطالة مقنعة ودون غيرة على الوطن في وقت قام فيه بعض أعضاء السفارة الاماراتيه بتنظيم حملة نظافة لبعض شوارع الخرطوم في منظر مهين ومستفز للوطن والشباب الواعد.
وان كنت اتمني ان توقظ مثل هذه المبادرات الحس الوطني بقوة في نفوس شبابنا ويتحول ذلك بركانا نعبر به كما عبرت دولا في افريقيا.
فكم اخوتي شعرت بالإهانة والمذلة وذلك الإنسان الغريب ينظف داري.
وقد بحت اصوتنا ونحن نحث شبابنا للعمل وتنظيف البلد.
فلقد نادي المنادي أن الخرطوم اوسخ مدن الدنيا.
فالنفايات قد أصبحت في كل شوارعها..
ولعلها الآن ستزداد قبحا
حين تتحول تلك النفايات إلى اوبئة بعد اختلاطها بمياه السيول والأمطار.
لا نريد اخوتي هنا ان نقلب الصورة سوداوية في وجوه شبابنا.
ولكنا نريد ان نبعث فيهم الحماسة والوطنية الحقة.
كذلك نتمنى أن تكون المبادرة الإماراتية قد هزت كل دواخلهم.
واذكر انه وقبل أيام ارتفعت هنالك بعض الأصوات مطالبة بتحويل الخدمة الوطنية من عسكرية إلى زراعية وان يساق بعض شبابنا قسرا إلى المشاريع وقد استحسن البعض هذه الفكرة وان كان تنفيذها صعبا جدا على بعض شبابنا الذي تعود الحياة السهلة والمريحة.
وهنا لابد اخوتي أن لا نخلط في الأمر أو نعمم فكلنا جزء لا يتجزأ من هذه السفينة التي تبحر عباب البحر لكي تعبر حتى وان كنا كبارا.
ولكن لزاما علينا ان نحث شبابنا ليل نهار بأن يعملوا وينتجوا و ينضموا لللجان المقاومة حراثا لهذه الثورة في كل الانحاء و بتجرد ووطنيه عملا في تنظيم الأفران وتوزيع الخير بنظام ومراقبة السلع من التهريب وضبط الأسعار في الاسواق كذلك الانضمام الفوري الي أبطال التصدي لكوارث الفيضان في كل السودان.
وحقا فالمواطن الواعي والمسؤول هو الدرع الواقي لهذا الوطن فهو لا يخون وطنه بأيّ حال من الأحوال.
محمد حسن شوربجي
[email protected]