
في حينا في أم درمان سوبر ماركت كبير صاحبه معروف بتدينه البالغ حج الى بيت الله أكثر من مرة وأدى العمرة مرات عديدة ويحس إبنائه في السوبر ماركت دائما على الصلاة ويؤم الناس امام السوبر ماركت في مسجد صغير او زاوية وكل ما يجد فرصة يتحدث مع الزبائن عن الدين وسماحته ولديه سماعات لتشغيل إذاعة القران. ويساعد كتير من الأسر ويقترح علي المقتدرين تسديد الديون عنهم.
المشكلة في انه هذا التدين لا يمتد أبداً الى عمله في السوبر ماركت يفرض أسعار مبالغ فيها .وكان كثيرا مايقوم برشوة موظفي المحلية لتجاوز اي مخالفة ويتأخر في تسديد فواتير الموردين بحجج واهية ويكثر من الحلفان بالرغم من انه جاري وأجلس معه لكنني أفضل أن أشتري جميع حاجات البيت من محلات الأقباط فكانوا اكثر صدقا منه.
التناقض هنا في حرص الحاج على أداء فروض الدين على أكمل وجه وتقديمه النصيحة لشابات الحي بالحجاب ومساعدة المساكين ويقدم التبرعات وبين تلاعبه في الأسعار وغشه في بعض الأصناف ممكن نقول أنه منافق غير تقليدي لأنه لا يحس بأنه متناقض في تصرفاته .وتلاعبه في الأسعار لا تمس شعرة من إحساسه بالتقوى. أرباح الحاج تأتي من هذا الغش والمغالاة في الاسعار .وعندما يستقطع جزء قليل من هذه الارباح ويساعد بها أسرة في قريته أو في الحي أو يتبرع بفرش للجامع يعتبر نفسه أنه أدى واجبه الديني وينام قرير العين ومرتاح الضمير.
هذا النوع من التدين الزائف الكاذب هو سبب فساد الإسلاميين وسبب تخلفنا وسبب دمارنا وان صمتنا ولم ننتقده فلن نبني دولة محترمة للاجيال القادمة.
الدين الإسلامي عظيم وشامل للحياة. وتدين هذا الحاج يمثل تدين غالبية كبيرة من التيارات الاسلامية إستقطع منه الجانب المريح الغير مكلف وإختزله في العبادات فقط مثل الحجاب والصلاة والحج والعمرة وجزء من الزكاة وترك مبادئ الدين الحقيقية الذي يدعو إلى الحرية والعدل والأمانة لكن بيعه بالأمانة ستؤدي به الى خسارة في الأرباح لا يتحملها.
هذا الإنفصال بين العقيدة والسلوك هي ظاهرة مرضية انتشرت مع حكومة الجبهة الإسلامية وهناك الالاف وربما الملايين يرون الدين بنفس طريقة الحاج .أعضاء الحركة الإسلامية اكتر ناس يؤدون الشعائر الدينية ويتحدثون في اجتماعاتهم بقتل الشباب وأول حكومة يشيعها الفساد والسرقة في العالم وحكموا السودان 30 عاما وكانت أسوأ ايام حكم في تاريخ السودان الحديث ولم يبنوا دولة ولم يبنوا مجتمعا معافى كما امر به الاسلام بل دمروه بفاشيتهم واستبدادهم ومرض المجتمع وظهرت اعراضه في الشارع تجد الطلبة يغشون في الامتحانات والمقاولون يغشون في مواد البناء وفي سفلتة الطرق وانتشر العنف والفساد معظم هؤلاء الفاسدون مسلمون ومسلمات يقتصرون الدين على المظهر والعبادة دون السلوك والمعاملات وعندما يرتكبون هذه الجرائم لا تمس احساسهم بالتقوى.
المعركة الحقيقية الآن في تحرير الدين من هذه الخزعبلات والنفاق واشكاله الكاذبة وبين مبادئ الدين الحقيقية التي جاء من أجلها وهي الحق والحرية والعدالة والمساواة ويبدأ تدريسها للتلاميذ من مرحلة الأساس وللاعلام دور في ترسيخها فإنها المعركة الحقيقية وسينتصر فيها المستقبل على الماضي.
ياسر عبد الكريم
[email protected]