
صرفت اهتمامي بالمؤتمر الصحفي لتفعيل الطوارئ الاقتصادية بمجرد انتهاء إفادة السيد محافظ البنك المركزي.فقد تيقنت أن كل الظروف المحيطة بالاقتصاد السوداني، لم تؤد إلى صدور قرار باستبدال العملة.فعند صدوره لم تكن فكرة هذا المقال ستُنسف من أساسها فقط، بل أن السيد حمدوك، سيكون في حكم المنتحر سياسياً !!؟. وإلا ، كيف كان له أن يبرر تغافله لعام كامل عن هذا المقترح الذي تم تداوله حتى بين ستات الفول والتسالي!!؟
الواقع أن هذا الأمر لم يكن مطلقاً من ضمن خياراته ولم يتناوله يوما في كل مرات ظهوره الاعلامي.ما يجعل تصريحات وزيرة المالية بأنه مكياج. مجرد تحصيل حاصل أو صدى لما يدور في كابينة القيادة والممسك بمقود الجهاز التنفيذي. ومن هنا يبدأ التباين بين موقفه وموقف اللجنة الاقتصادية للحاضنة السياسية.
والذي يجب تناوله على أنه خلاف حلفاء لا يعني صحة طرف خطأ الآخر بالضرورة. وإلا لما كان الاقتصاد علم بدائل.وينبغي علينا في البداية طرح السؤال الجوهري ، من اين بدأ الخلاف ؟ الواقع أن التباين قد بدأ من المؤتمر الصحفي الذي عقده فور وصوله السودان .فقد سأله صحفي بأسلوب أشبه بما سئل به الراحل نقد إن كان يصلي . وكان السؤال عن موقف السيد حمدوك من الأيديولوجيا.إشارة إلى خلفيته اليسارية للوصول إلى نفس نتيجة سؤال نقد تقريباً في محاولة لكعبلته. لكن إجابته لم تكن لتحقق أهداف السائل . فقد قال بالحرف( بعد تجارب عديدة .أزيحت الأيدويولوجيا إلى المقاعد الخلفية. وأكدها بالانجليزية Back-seated ).
من هنا يتضح أنه يمكنه تحويل الأيديولوجيا إلى المقاعد الخلفية ، بينما اللجنة الاقتصادية لقوى الحريية والتغيير ، تجعلها في المقاعد الأمامية . وهو أس الخلاف والتباين.وسر تمترس كل منهما في موقعيهما.ولا أظنني في حاجة إلى إيراد موقف اللجنة الاقتصادية .فهو الرفض لما يراه تماهياً مع السياسات المجربة لمؤسسات التمويل الدولية الراسمالية وعدم الوقوع في مزالقها والدوران في فلكها. لكن موقف السيد حمدوك ، يحتاج إلى إبراز من خلال أقواله دون تدخل منا بالراي . فليس الغرض من المقال ، إلا التبصير بالمآلات الممكنة ، ومدى انحياز الثوار لكل طرف منهما .وتبيان قدرة الثورة على المضي قدماً بالرأي الأغلب في تحقيق أهدافها.
لنتشارك سوياً في تبيان مواقف السيد حمدوك ، أدعوكم لملاحظة إجاباته على الأسئلة التالية التي طرحت عليه وهي .السلام واتهامات ترك ملفه للعسكر والسيادي وعلاقة السلام بالاقتصاد، الحاضنة السياسية ، العلاقة مع العسكر وصيغة الحكم الانتقالي .والانفتاح على العالم . سنجدها ثابتة في كل مرات ظهوره الإعلامي حتى لم تعد تدهش المستمعين.هذا يدل في تقديري على أنه قد درس الحالة السودانية بالكامل ووضع خططه وخياراته واستراتيجياته ولا يتزحزح عن ذلك مطلقاً مهما كانت الظروف والضغوط. فصار يتمسك بها ويدع ما هو يومي لوزرائه.وهذا يفسر أمرين يخصانه وآخر سر دعم الغرب له.
أولاً :استعداده لطرح الخلاف حد منازلة أي طرف فيه مهما كان كما ذكر في شأن ولاية المالية على المال العام وإن أغضب البرهان وحديثه عن طرح تقريره للرأي العام بعد إجازته من الأجهزة ( أجيز من مجلس الوزراء) وسيجاز في السيادي رغم كل شئ. ودفاعه حد إغضاب قحت في رؤيته الاقتصادية ما يفسر عدم رضوخه لدعوات تغيير العملة وإصراره على سودانية برنامجه.
ثانياً : تدخله المباشر إذا طرأ ما يؤثر عليه كما تدخل بمفرده في ملف السلام وبادر بقبول مبدأ تقرير المصير في حالة عدم إجازة العلمانية والتوقيع على ذلك مع الحلو في تحد لكل القوى المضادة.
والواقع أن هذا الهادئ الرزين الدبلوماسي .يمكنه ان يتحول إلى متحد عنيد صلب إذا ما اختبر في خياراته.
أما سر دعم الغرب له فليس لأنه عميلهم كما يصور بعض الملقين القول على عواهنه، بل لأنه وجد فيه من يشبههم في تفكيره بعد ثلاثين عاماً من توريط الرئيس أو أي مسئول دونه وزير خارجية النظام بتصريحات جماهيرية بلا حساب. وكل ما سبق ، يبين أن قوله المأثور: ( سنعبر ، سنصمد، سننتصر) ليس مبنياً على فراغ.
وبعد فإلى أي الموقفين يميل الشارع الثوري ؟ لمعرفة الإجابة راجعوا استطلاعات الرأي في شأن رفع الدعم ، وردود رواد التواصل الاجتماعي على بيان تجمع المهنيين الذي أعقب إعلان الطوارئ الاقتصادية.الواقع ان السودانيين بعد ثلاثين عاماً من سيطرة الأيديولوجيا الإسلاموية ، قد سئموا الأيديولوجيا أياً كانت ، وعلى إستعداد لإزاحتها إلى المقاعد الخلفية ،دون نكرانها.
معمر حسن محمد نور
[email protected]